شرح دعاء اليوم التاسع والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم

اللَّهُمَّ غَشِّني فيهِ بِالرَّحمَةِ، وَارزُقني فيهِ التَّوفيقَ وَالعِصمَةَ وَطَهِّر قَلبي مِن غَياهِبِ التُّهمَةِ، يا رَحيماً بِعِبادِهِ المُؤمِنينَ.

الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (اللَّهُمَّ غَشِّني فيهِ بِالرَّحمَةِ).

شهر يجود الله فيه سبحانه على عباده بأنواع الكرامات، ويجزل فيه لأوليائه العطيات، شهر التقرب من الله للفوز برفيع الدرجات، شهر رمضان المبارك أوله رحمة، تضاعف فيه الحسنات، وأوسطه مغفرة ، تغفر فيه السيئات، وآخر إجابة، تجاب فيه الدعوات.

قال الله تعالى في سورة الليل: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ }، أقسم الله تعالى بالليل يغطي الخليقة بظلامه ، وقال الله تعالى في سورة النجم: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ}  يغطي هذه الشجرة من نور الله تعالى، ونحن في وداع شهر رمضان نطلب من الله أن تظللنا رحمته يوم لا ظل إلا ظله.

قال الله عز وجل في سورة البقرة: {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ العَظِيمِ }، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لو تعلمون قدر رحمة الله تعالى لاتَّكلتُم عليها.

و روي أنّه وقف صبيّ في بعض المغازي يصاح عليه فيمن يزيد في يوم صائف شديد الحرّ، و أبصرته امرأة في خباء القوم فأقبلت تشتدّ، و أقبل أصحابها خلفها ، حتّى أخذت الصبيّ و ألصقته إلى بطنها، ثمّ ألقت ظهرها على حرّ البطحاء، و جعلته على بطنها لتقيه الحرّ، و قالت: ابني ابني، فبكى النّاس و تركوا ما هم فيه، فأقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى وقف عليهم، فأخبروه الخبر فسرّ برحمتهم، ثمّ بشّرهم فقال صلى الله عليه وآله وسلم : أعجبتم من رحمة هذه لابنها؟! قالوا: نعم! قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فإنّ اللّه تعالى أرحم بكم جميعا من هذه بابنها، فتفرّق المسلمون على أفضل السرور و أعظم البشارة.

وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (وَارزُقني فيهِ التَّوفيقَ وَالعِصمَةَ).

 يتضرع الملِحُّون إلى الله في أواخر أيام شهر رمضان أن يكونوا من المرزوقين بالتوفيق، ولاشك ان للتوفيق الأثر الكبير في هداية الإنسان إلى الصلاح والحق، وترتبط بأعمال الإنسان نفسه، فقد يحظى المرء بالفوز بالتوفيق نتيجة لعمل واحد يعمله، روي عن الهروي قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول: رحم الله عبدا أحيا أمرنا، فقلت له: وكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا.

أحياناً يطلق لفظ العصمة على الشيء الذي يمتلك خاصية الوقاية ويمنع الإنسان من الوقوع في ما يكره، ومن هذا المنطلق، يقول الشيخ المفيد: «إنّ العصمة في أصل اللغة هي ما اعتصم به الإنسان من الشيء كأنّه امتنع به عن الوقوع في ما يكره، ومنه قولهم: اعتصم فلان بالجبل، إذا امتنع به.

روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الله عز ذكره يعصم من أطاعه، ولا يعتصم به من عصاه.

وروي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: إذا علم الله تعالى حسن نية أحد اكتنفه بالعصمة.

قال تعالى في سورة الممتحنة: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}، إن الله نهى أن يُستمسك بعصمهم حتى ولو كانت زوجة، بحكم تحريمي تكليفاً ووضعاً، فلذلك إن الاعتصام بأعداء الله منهي عنه، كما هو النهي في هذه الآية، والأمر بالاعتصام بالله، قال تعالى في سورة آل عمران: {وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }، لذلك فطلب العصمة هو طلب الهداية، قال تعالى في سورة الحج: {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ}.

وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (وَطَهِّر قَلبي مِن غَياهِبِ التُّهمَةِ).

قال الله تعالى في سورة آل عمران: {وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}، روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: واستجلب نور القلب بدوام الحزن.

قد جعل الله تعالى مدار الطهارة والظلمة على القلب، فإذا مُلِيء القلب إيماناً، وتصديقاً، وفقهاً، وإدراكاً، لمراد الله سمي القلب طاهراً، وإذا لم يتعهد الإنسان قلبه بذكر الله تعالى ومراقبته، فإن الشهوات سرعان ماتتسرب إليه وتبدأ بوادر المرض تغزوه بواسطة المعاصي والذنوب والمخالفات، فغيهب القلب التهمة أي أظلم القلب بالتهمة .

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: أشد مرض البدن مرض القلب، وأفضل من صحة البدن تقوى القلوب.

وعنه عليه السلام قال: طهروا قلوبكم من درن السيئات تضاعف لكم الحسنات.

وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (يا رَحيماً بِعِبادِهِ المُؤمِنينَ).

 روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن لله تعالى تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة.

ومن تلك الأسماء الرحيم، التي تبدأ كل صلاة بها.

روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أراد أن ينجيه الله من الزبانية، فليقرأ بسم الله الرحمن الرحيم تسعة عشر حرفا، ليجعل الله كل حرف منها جنة من واحد منهم.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *