معنى الياء في الرحيم

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ رَبَّ شَهرِ رَمَضانَ، مُنَزِّلَ القُرآنَ، هذا شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أنزَلتَ فيهِ القُرآنَ وأنزَلتَ فيهِ آياتٍ بَيِّناتٍ مِنَ الهُدى والفُرقانِ. اللَّهُمَّ ارزُقنا صيامَهُ، وَأعِنّا عَلى قيامِهِ.(*)

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد.

جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام : <<“ي” يد الله فوق خلقه باسطة بالرزق ، سبحانه و تعالى عما يشركون>>(1)

من المقالات السابقة عرفنا أن رزقه سبحانه لجميع خلقه و لكن الإمام في آخر كلامه يقول سبحانه و تعالى عما يشركون فمن هم ؟؟

قال رب العزة في كتابه المجيد{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}(2).

ينسبون لربِّ العزةِ و الجلالة البخل و هذا موجود عند بعض الناس الذين لا يتحملون بعض الامتحانات التي يبتلي بها الله عباده ، هذه مسألة قلبية بين العبد و ربه، فالحذر من نزول اللعنات ، لقوله في آية السابقة: {وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا}.

و ما سبب جرأتهم على ربِّ العزة ؟!

 يتضح مما سبق: ضعف النفوس و سببه ما جاء في الآيات التي سبقت هذه الآية حيث قال تعالى: {وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }.(3)

و من المعلوم أكل السحت يهدم دولٌ و ممالك، لأنه لا يبقي للأخلاق شيء، بل و أكثر من ذلك في لسان الآية التي قبل هذه الآية حيث قال الله تعالى : {وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَد دَّخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ} (4)وصريح الآية يفصح أنهم يخرجون عن ملتهم و شريعتهم.

لأن هذا النظام الإلهي مبني على أركان تقوّم البشر، وذلك لارتباط كل ركن بالآخر، منها الركن الأخلاقي: هو عدم الاعتداء و عدم أكل الحرام يقوّم اعتقادنا بالله و برسالته من نبوة و إمامة و بالآخرة، و هنا إن قول الباطل على الله هو المسبب للعنات: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ } حيث سبب أكل الحرام ذلك .

أما الأركان الأخرى فهي في مقابل ترك المحرم ، و هي العمل بالواجب، مثلا : {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ} (5) فالصلاة تقوّم تلك الأركان بل ربِّ العزة يقول ويقسم بالأمر أنه أكبر من ذلك، يعني ليست تقوّم فقط ، بل ترفع المجتمعات و دول و ممالك إلى العيش الكريم حيث تنهى عن الفحشاء والمنكر، و هذا من الجانب الاقتصادي والاجتماعي والروحي الفردظي والجماعي، إلى حيث أن يكتمل النظام الإلهي في الأرض من كل الجوانب .

و نحن البشر جميعا ننتظر هذا النظام آلاف السنين بخروج المخلص عجل الله فرجه الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما جاء في كتاب غيبة الشيخ الطوسي: بهذا الإسناد، عن الحسن بن الحسين، عن تليد، عن أبي الحجاف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أبشروا بالمهدي قالها ثلاثا يخرج على حين اختلاف من الناس وزلزال شديد يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يملأ قلوب عباده عبادة ويسعهم عدله.

فهو و أهل بيت نبوة عليهم السلام يد الله و قل أعلى مصداق ليد الله:

– قال الله تعالى لنبيه{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.(6)

– حدثنا أحمد بن محمد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن محمد بن حمران عن أسود بن سعيد قال كنت عند أبي جعفر عليه السلام فأنشأ يقول ابتداء من غير أن يسأل : نحن حجة الله ، ونحن باب الله، ونحن لسان الله، ونحن وجه الله، ونحن عين الله في خلقه، ونحن ولاة أمر الله في عباده.

– حدثنا أحمد بن الحسين قال أخبرنا أحمد بن بشر قال حدثنا حسان الجمال قال حدثنا هاشم بن أبي عمار قال سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: أنا عين الله وأنا يد الله وأنا جنب الله وأنا باب الله.

– أحمد بن موسى عن الحسن بن موسى الخشاب عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : نحن ولاة أمر الله، وخزنة علم الله، وعيبة وحى الله، وأهل دين الله، وعلينا نزل كتاب الله، وبنا عبد الله ، ولولانا ما عرف الله، ونحن ورثة نبي الله وعترته.

– حدثنا محمد بن عبد الجبار عن البرقي عن فضالة بن أيوب عن عبد الله بن أبي يعفور قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا ابن أبي يعفور إن الله تبارك وتعالى واحد متوحد بالوحدانية، متفرد بأمره، فخلق خلقا ففردهم لذلك الأمر، فنحن هم يا بن أبي يعفور، فنحن حجج الله في عباده، وشهداؤه في خلقه، وأمنائه وخزانه على علمه، والداعون إلى سبيله ، و القائمون بذلك، فمن أطاعنا فقد أطاع الله.(7)

——————————————

– *- السيد ابن طاووس – إقبال الأعمال -ج 1- الصفحة 78.

– 1- الجزائري/نور البراهين2 /ص8،9،10،11.

– 2- المائدة64

– 3 – المائدة62

– 4 – المائدة61

– 5 – العنكبوت 45

– 6 – الفتح 10

– 7 – الصفار – بصائر الدرجات- ص81

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *