شرح دعاء الليلة الخامسة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم 

دعاء الليلة الخامسة عشر

يا جبار أنت سيدي المنان، أنت مولاي الكريم، أنت سيدي الغفور أنت مولاي الحليم، أنت سيدي الوهاب، أنت مولاي العزيز، أنت سيدي القدير، أنت مولاي الواحد،أنت سيدي القائم، أنت مولاي الصمد أنت سيدي الخالق، أنت مولاي البارئ صل على محمد وآله، واغفر لي وارحمني وتجاوز عني إنك أنت الأجل الأعظم. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(يا جبار أنت سيدي المنان، أنت مولاي الكريم، أنت سيدي الغفور أنت مولاي الحليم).

مضى نصف شهر رمضان المبارك، والمؤمن تارك أمره إلى صاحب الضيافة الكبرى، متأملا منه جزيل العطايا وكرم العفو وهديته الكبرى أن يجعله من عتقائه من النار، فيرسم صورة الأمل الكبيرة من السيد والمولى الجليل.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة آل عمران:{لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ}.

وقال عز من قال في سورة الحجرات:{بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ }

اذا فالمنان، معناه هو المعطى المنعم ومنه قوله تعالى في سورة ص :{فامنن أو أمسك بغير حساب}.

في بيوتهم نزل الذكر العزيز فلا يجيء عنهم غير نطق الوحي الكريم، روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: علي سيد العرب. 

فقالت عايشة: يا رسول الله ألست سيد العرب ؟! 

فقال صلى الله عليه وآله: أنا سيد ولد آدم وعلي عليه السلام سيد العرب.

 فقالت: يا رسول الله: وما السيد ؟ 

فقال: هو من افترضت طاعته كما افترضت طاعتي.

 فعلى هذا الحديث السيد هو الملك الواجب الطاعة ، فما بالك بسيد السموات والأرضين؟!

بحلم الله يستغيث المؤمن في هذه الليلة المباركة _ ليلة النصف من شهر رمضان_ فيعلم المؤمن أن بيوت الرحمن هم أهل بيت النبوة ، ونحن في فرحة ولادة سبط النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، وقد اشتهر عن الإمام الحسن عليه السلام الحلم حتى لقب بـ(حليم أهل البيت) لكثرة حلمه، وعدم انفعاله، وقدرته العجيبة على ضبط النفس ضد مهيجات الغضب.

وقد أعترف أعداء الإمام بحلمه الواسع، روي انه لَمّا استشهد الإمام الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عليه السّلام أخرَجوا جِنازَتَهُ، فَحَمَلَ مَروانُ سَريرَهُ، فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السّلام: أتَحمِلُ سَريرَهُ؟ أما وَاللَّهِ لَقَد كُنتَ تُجَرِّعُهُ الغَيظَ. 

فَقالَ مَروانُ: إنّي قَد أفعَلُ ذاكَ بِمَن يُوازِنُ حِلمُهُ الجِبالَ.

هذا مروان حامل الغيظ والكره والعداء يعترف بحلم الإمام عليه السلام .

ونحن بهذه الليلة الكريمة نسأله بحق الحسن عليه السلام أن يجعلنا من عتقائه من النار. 

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(أنت سيدي الوهاب، أنت مولاي العزيز، أنت سيدي القدير، أنت مولاي الواحد).

الواهب هو المعطي ، والوهاب مبالغة من الوهب، والوهاب والواهب من أسماء الله الحسنى، يعطى الحاجة بدون سؤال، ويبدأ بالعطية، والله كثير النعم.

قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة الشورى:

{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }

معرفة الواهب وجوب شكره، روي عن الإمام الصادق عليه السلام، وقد سأله أبو بصير: هل للشكر حد إذا فعله العبد كان شاكرا؟ 

قال عليه السلام: نعم

قلت: ما هو؟

قال: يحمد الله على كل نعمة عليه في أهل ومال، وإن كان فيما أنعم عليه في ماله حق أداه، ومنه قوله عزوجل: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين).

وقال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأنعام:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمسسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.

يعرف المؤمن قدرة الله على عباده فتراه يقرأ قصة أيوب عليه السلام فيعرف أن القدرة المطلق له عزوجل، لابد من تمامیت الأمور بقدرته سبحانه وتعالى ،حيث ذكر الله في كتابه العزيز في سورة الأنبياء: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ *فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ.}

روي عن أبي بصير قال سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام، عن بلية‌ أيوب التي ابتلي بها في الدنيا لأي علة كانت قال عليه السلام: لنعمة أنعم الله عليه بها في الدنيا فأدى شكرها فحسده إبليس فقال : يا رب ان أيوب لم يؤد شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا ولو حرمته الدنيا ما أدي إليك شكر نعمة أبداً .

قال فقيل له : إني سلطتك على ماله وولده.

 فانحدر الشيطان فلم يبق له مالاً‌ ولا ولداً‌ إلا أعطبه فلما رأي إبليس أنه لا يصل إلى شيء من أمره قال : يا رب إن أيوب يعلم أنك سترد عليه دنياه التي أخذتها منه فسلطني على بدنه.

 فقيل له : قد سلطتك على بدنه ما خلا قلبه ولسانه وعينيه وسمعه فانحدر إبليس مستعملاً مخافة أن تدركه رحمة ‌الرب عزوجل فتحول بينه وبين أيوب فلما اشتد به البلاء وكان في آخر بلية جاءه أصحابه فقالوا له : ما نعلم أحداً‌ ابتلي بمثل هذه البلية إلا لسريرة سوء، فلعلك أسررت سوءا في الذي تبدي لنا!

 قال فعند ذلك ناجي أيوب ربه فقال : رب ابتليتني بهذه البلية وأنت أعلم أنه لم يعرض لي أمران قط إلا ألزمت أخشنهما على بدني، ولم آكل أكلة قط إلا وعلى خواني يتيم،

 فقيل له: يا أيوب من حبب إليك الطاعة؟

قال: فأخذ كفاًً‌ من تراب فوضعه في فيه ثم قال : أنت أنت . 

وكانت زوجته رحمة بنت افرائيم بن يوسف، صبرت معه وكانت تخدم في المنازل وتأتي إليه بما يأكله ويشربه وتحمد الله تعالى معه إذا حمد .

وفي بعض الكتب أن إبليس لعنه الله قال لزوجة أيوب : إن شئت فاسجدي لي سجدة واحدة حتي أرد عليك المال والولد وأعافي زوجك، فرجعت إلى ايوب عليه الصلاة والسلام وأخبرته بما قال لها وما أراها .

فقال: لقد اتاك عدو الله ليفتنك عن دينك ثم أقسم إن عافاه أن يضربها مائة جلدة.

وفي رواية أخرى : أنها لم تجد ما تطعم زوجها، وأبي الناس أن يستخدموها ، فجزت شعرها فباعته برغيف فأتت به أيوب، فقال لها: أين شعرك؟! فأخبرته 

فقال عند ذلك: {رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرحَمُ الرَّاحِمِينَ} فعافاه الله ورد عليه ماله وولده .

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(أنت سيدي القائم، أنت مولاي الصمد أنت سيدي الخالق، أنت مولاي البارئ).

المؤمن يحتاج إلى قيام أموره العبادية بالصمد إلى الله، فعرف معنى الصمد أنه السيد الذي يصمد إليه في الأمور، ويقصد في الحوائج والنوازل.

ومن اختاره الله ليكون مقصد عباده في مهمات دينهم ودنياهم، فقد أجرى على لسانه ويده حوائج خلقه، هم محمد وآل محمد عليهم السلام فوجبت معرفتهم من الناس .

روي عن الأصبَغِ بنِ نَباتَةَ قَالَ: كُنتُ عندَ أمِيرِ المُؤمنِينَ (عليه السلام) فجَاءَه ابنُ الكَوا فقَالَ: يا أمِيرَ المُؤمنِينَ، قَولُ اللهِ (عزَّ وجلَّ):

 (وليسَ البِرُّ بأنْ تَأتُوا البُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا ولكنَّ البِرَّ مَن اتَّقَى وأتُوا البُيُوتَ مِن أبوَابِهَا) .

فقَالَ (عليه السلام): “نحنُ البُيُوتُ أمرَ اللهُ أنْ تُؤتَى أبوَابُها، نحنُ بَابُ اللهِ وبُيُوتُه التي يُؤتَى منْه، فمَن بَايَعَنا وأقرَّ بوِلَايَتِنا فقَد أتَى البُيُوتَ مِن أبوَابِها، ومَن خَالَفَنا وفَضَّلَ عَليْنا غَيرَنا فقَد أتَى البُيُوتَ مِن ظُهُورِها، إنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) لو شاءَ عرَّفَ النَّاسَ نَفسَه حتى يَعرِفُوهُ ويأتُوهُ مِن بَابِه، ولكنْ جَعَلَنا أبوَابَه وصِراطَه وسَبِيلَه وبَابَه الَّذي يُؤتَى منْه، قَالَ: فمَن عَدلَ عن وِلَايَتِنا وفَضَّلَ عَليْنا غَيرَنا فقَد أتَى البُيُوتَ مِن ظُهُورِها، وإنَّهم عن الصِّرَاطِ لنَاكِبُونَ.

يرغب المؤمن في توجهه إلى البارئ خلوصه من أدناس هموم وغموم الدنيا.

فيعلم معنى البارئ أنها من أسماء الله تعالى وهو الذي خلق الخلق لا عن مثال، والبرء أخص من الخلق، فخلق الله السموات والأرض، وبرأ الله النسمة، كبرئ الله آدم من طين. 

البارئ الذي يبرئ جوهر المخلوقات من الآفات، وهو موجد الأشياء بريئة من التفاوت وعدم التناسق، وهو معطى كل مخلوق صفته التي علمها له في الأزل.

وفي كلام أمير المؤمنين عليه السلام عند تأكيده حقه قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لقد علمتم أني صاحبكم والذي به أمرتم، وأني عالمكم.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: صل على محمد وآله، واغفر لي وارحمني وتجاوز عني إنك أنت الأجل الأعظم).

المؤمن المتعجل بثقل ميزان حسناته، متمسك بالعروة الوثقى، روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في فضل شهر رمضان : مَن أكثر فيه من الصلاة عليّ ثقّل الله ميزانه يوم تخفّ الموازين.

وعن الإمام الرضا عليه السلام قال: مَن لم يقدر على ما يكفّر به ذنوبه ، فليُكثر من الصلاة على محمد وآله ، فإنها تهدم الذنوب هدماً.

والمؤمن عارف بانقضاء أيام رحمة الله ولياليه المباركة سريعا، وها هو الشهر قد تصرمت أكثر أيامه، فتراه مشفقا على نفسه، متعجلا التزود فيه ، فيقول كما قال إلامام سيد الساجدين عليه السلام: أللَّهُمَّ اسلَخْنَا بِانْسِلاَخِ هَذَا الشَّهْرِ مِنْ خَطَايَانَا وَأَخْرِجْنَا بُخُرُوجِهِ مِنْ سَيِّئاتِنَا وَاجْعَلْنَا مِنْ أَسْعَدِ أَهْلِهِ بِهِ وَأَجْزَلِهِمْ قِسَمَاً فِيـهِ وَأَوْفَـرِهِمْ حَظّاً مِنْـهُ.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *