شرح دعاء الليلة الحادية والعشرين

دعاء الليلة الحادية والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم 

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأشهد أن الجنة حق، والنار حق، وأن الله يبعث من في القبور وأشهد أن الرب ربي لا شريك له، ولا ولد له ، و أشهد أنه الفعال لما يريد، والقاهر من يشاء، والواضع من يشاء، والرافع من يشاء، ملك الملوك، رازق العباد، الغفور الرحيم، العليم الحكيم.

أشهد – سبعا- ،أنك سيدي كذلك، وفوق ذلك، ولا يبلغ الواصفون كنه عظمتك، اللهم صل على محمد وآله، واهدني ولا تضلني بعد إذ هديتني، إنك أنت الهادي المهدي. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأشهد أن الجنة حق، والنار حق، وأن الله يبعث من في القبور وأشهد أن الرب ربي لا شريك له، ولا ولد له ، و أشهد أنه الفعال لما يريد). 

أن إقرار العبد المؤمن لله بالوحدانية والعبودية، ولنبيه صلى الله عليه وآله بالنبوة، وإقراره أن ما أتى به من عند الله لا مبدل لكلمات الله، وأن الجنة والنار حق، وأن البعث حق، هي مبدأ معتقداته الحقة التي توصله إلى الراحة الأبدية.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة آل عمران:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.

لابد للمؤمن في هذه الليالي المباركة وغيرها أن يكرر شهادته لله وأهل البيت عليهم السلام بكل يقين مطلقا، و يكررها عند كل صلاة واجبة، حيث يعلم أن الشبهات كثيرة الموارد على النفس ولكن حرصه الدائم ليصل إلى رضوان الله ومحبته لا تخلو من صعاب.

روي عن الإمام الصادق عليه‌ السلام  قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله هل للجنة من ثمن؟ 

قال صلى الله عليه وآله : نعم. 

قال: ما ثمنها؟

 قال صلى الله عليه وآله: لا إله إلا الله، يقولها العبد مخلصا بها. 

قال: وما إخلاصها؟ 

قال صلى الله عليه وآله: العمل بما بعثت به في حقه، وحب أهل بيتي. 

قال: فداك أبي وأمي ! وإن حب أهل البيت لمن حقها؟ 

قال صلى الله عليه وآله:  إن حبهم لأعظم حقها.

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: إن الله رفع درجة اللسان فأنطقه بتوحيده من بين الجوارح.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة المجادلة:

{ ‏‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ }.

لابد أن تكون  المعرفة في التصديق والتسليم والإخلاص في السر والعلانية، لكي لا يكون من الذين قال تعالى عنهم في سورة آل عمران:{هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ}. 

روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: العارف شخصه مع الخلق وقلبه مع الله، لو سها قلبه عن الله طرفة عين لمات شوقا إليه، والعارف أمين ودائع الله وكنز أسراره ومعدن نوره، ودليل رحمته على خلقه، ومطية علومه، وميزان فضله وعدله، قد غني عن الخلق والمراد والدنيا، فلا مؤنس له سوى الله، ولا نطق ولا إشارة ولا نفس إلا بالله ، ولله ومن الله ومع الله، فهو في رياض قدسه متردد، ومن لطائف فضله إليه متزود، والمعرفة أصل فرعه الإيمان.

هذه المعارف التي يحصلها المؤمن من الشهادة لله ومعرفة الجنة والنار والبعث لها شروط يجب أن يتمسك بها.

روي أن رجلا أتى أبا جعفر  الباقر عليه السلام فسأله عن الحديث الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال أبو جعفر  الباقر عليه السلام: الخبر حق، فولى الرجل مدبرا فلما خرج أمر برده ثم قال: يا هذا إن لا إله إلا الله شروطا ألا وإني من شروطها. 

قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة الصافات:{ قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ }.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الواقعة:

{ قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ والآخرين لمجموعون إلى ميقات يَوْمٍ مَعْلُومٍ}.

روي عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام: “إنَّ أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يولد ويخرج من بطن أمه فيرى الدنيا. ويوم يموت فيرى الآخرة وأهلها، ويوم يبعث فيرى أحكاماً لم يرها في دار الدنيا، وقد سلّم الله عزّ وجلّ على يحيى في هذه الثلاثة المواطن، وآمن روعته فقال: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾(مريم:15)، وقد سلَّم عيسى بن مريم عليه السلام على نفسه في هذه المواطن الثلاثة فقال: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾.

هي ساعات تكون أصعب ما يمر به العبد لغموض موقفه، هل هو في بعثه إلى النار أم إلى الجنة؟

ورُوِىَ عن الإمام علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام: “أشدّ ساعات ابن آدم ثلاث ساعات: الساعة التي يعاين فيها ملك الموت، والساعة التي يقوم فيها من قبره، والساعة التي يقف فيها بين يدي الله تبارك وتعالى، فإمَّا إلى الجنّة وإمَّا إلى النار. 

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(والقاهر من يشاء، والواضع من يشاء، والرافع من يشاء، ملك الملوك، رازق العباد، الغفور الرحيم، العليم الحكيم).

أن المشيئة لله وحده وهي من صفاته الفعلية، فخلق المشيئة ثم صير ما يريد من الأشياء منها.

روي عن الإمام الرضا عليه السلام قال: المشيئة والإرادة من صفات الأفعال، فمن زعم أنّ الله تعالي لم يزل مريداً شائياً فليس بموحّد. 

أعطى الله القاهر الواضع مكانة لم يسبقهم فيها أحد قبل أو بعد، ورفعهم أعلى رفعة فجعلهم خاصته، هم أهل بيت النبوة وموضع الرسالة.

روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): ” اختارنا الله من نور ذاته وفوض إلينا أمر عباده، فنحن نفعل بإذنه ما نشاء، ونحن لا نشاء إلا ما شاء الله، وإذا أردنا أراد الله، فمن أنكر من ذلك شيئا ورده فقد رد على الله.

وروي وخرج كتاب عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أنه قال: ” إن الله جعل قلوب الأئمة موردا لإرادته، فإذا شاء الله شاؤوا، وهو قول الله تعالى:  (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله). 

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(أشهد – سبعا- ،أنك سيدي كذلك، وفوق ذلك، ولا يبلغ الواصفون كنه عظمتك، اللهم صل على محمد وآله، واهدني ولا تضلني بعد إذ هديتني، إنك أنت الهادي المهدي).

تنزل في هذه الليلة كل روح والملائكة لتشهد المتوسلين والداعين إليه فتكون بركة هدايته وعدم انجراره إلى طريق الضلالة، و التوفيق لأداء أعمال هذه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.

روي عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَقَالَ لَهُ أَبُو بَصِيرٍ جُعِلْتُ فِدَاكَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يُرْجَى فِيهَا مَا يُرْجَى‏  ؟

فَقَالَ عليه السلام: “فِي إِحْدَى وَ عِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ”.

قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَقْوَ عَلَى كِلْتَيْهِمَا؟

فَقَالَ عليه السلام : “مَا أَيْسَرَ لَيْلَتَيْنِ‏ فِيمَا تَطْلُبُ”؟

قُلْتُ: فَرُبَّمَا رَأَيْنَا الْهِلَالَ عِنْدَنَا وَ جَاءَنَا مَنْ يُخْبِرُنَا بِخِلَافِ ذَلِكَ مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى؟

فَقَالَ عليه السلام: “مَا أَيْسَرَ أَرْبَعَ لَيَالٍ تَطْلُبُهَا فِيهَا”؟

قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ- لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ لَيْلَةُ الْجُهَنِيِ‏  ؟

فَقَالَ عليه السلام: “إِنَّ ذَلِكَ لَيُقَالُ”.

قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ خَالِدٍ رَوَى فِي تِسْعَ عَشْرَةَ يُكْتَبُ وَفْدُ الْحَاجِ‏؟

فَقَالَ لِي عليه السلام: “يَا أَبَا مُحَمَّدٍ وَفْدُ الْحَاجِّ يُكْتَبُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ الْمَنَايَا  وَ الْبَلَايَا وَ الْأَرْزَاقُ وَ مَا يَكُونُ إِلَى مِثْلِهَا فِي قَابِلٍ، فَاطْلُبْهَا فِي لَيْلَةِ إِحْدَى وَ عِشْرِينَ وَ ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ، وَ صَلِّ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِائَةَ رَكْعَةٍ وَ أَحْيِهِمَا إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَى النُّورِ  وَ اغْتَسِلْ فِيهِمَا”.

قَالَ قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَقْدِرْ عَلَى‏ ذَلِكَ وَ أَنَا قَائِمٌ؟

قَالَ عليه السلام: “فَصَلِّ وَ أَنْتَ جَالِسٌ”.

قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ؟

قَالَ عليه السلام: “فَعَلَى فِرَاشِكَ، لَا عَلَيْكَ أَنْ تَكْتَحِلَ أَوَّلَ اللَّيْلِ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ النَّوْمِ، إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفَتَّحُ فِي رَمَضَانَ، وَ تُصَفَّدُ الشَّيَاطِينُ‏، وَ تُقْبَلُ أَعْمَالُ الْمُؤْمِنِينَ، نِعْمَ الشَّهْرُ رَمَضَانُ، كَانَ يُسَمَّى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص الْمَرْزُوقَ.

وفي هذه الليلة تثكل شيعة أمير المؤمنين عليه السلام بشهادته.

روي عن محمد بن الحنفية قال: لما كانت ليلة إحدى وعشرين، جمع أبي أولاده وأهل بيته وودعهم، ثم قال لهم: الله خليفتي عليكم، وهو حسبي ونعم الوكيل. وتزايد ولوج السم في جسده حتى نظرنا إلى قدميه وقد احمرتا جميعا، فكبر ذلك علينا وأيسنا منه. 

ثم عرضنا عليه المأكول والمشروب فأبى أن يشرب، فنظرنا إلى شفتيه يختلجان بذكر الله، ثم نادى أولاده كلهم بأسمائهم واحدا بعد واحد، وجعل يودعهم وهم يبكون،

 فقال الحسن عليه السلام: ما دعاك إلى هذا؟ 

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا بني إني رأيت جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامي قبل هذه الكائنة بليلة، فشكوت إليه ما أنا فيه من التذلل والأذى من هذه الأمة، فقال لي صلى الله عليه وآله: ادع عليهم. 

فقلت : اللهم أبدلهم بي شراً مني، وأبدلني بهم خيرا منهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: قد استجاب الله دعاك، سينقلك إلينا بعد ثلاث.

ثم عرق جبين الإمام فجعل يمسح العرق بيده، فقالت ابنته زينب عليها السلام: يا أبه أراك تمسح جبينك؟ 

قال: يا بنية سمعت جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن المؤمن إذا نزل به الموت ودنت وفاته، عرق جبينه وصار كاللؤلؤ الرطب وسكن أنينه. 

ومازال يذكر الله، ويتشهد الشهادتين، ثم استقبل القبلة، وغمض عينيه، ومدد رجليه ويديه، وقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. 

ثم قضى نحبه وفاضت روحه الطاهرة، ولقي ربه شهيدا مظلوما.

 رحم الله من نادى وا إماماه وا علياه وا سيداه. 

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *