شرح دعاء الليلة الثالثة والعشرين

الشيخ حسين الشيخ علي المولى
Latest posts by الشيخ حسين الشيخ علي المولى (see all)

دعاء الليلة الثالثة والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم 

سبوح قدوس رب الملائكة والروح، سبوح قدوس رب الحيتان والبحار، والهوام والسباع في الآكام، سبوح قدوس رب الروح والعرش، سبوح قدوس رب السماوات والأرضين، سبوح قدوس سبحت لك الملائكة المقربون، سبوح قدوس علا فقهر، وخلق فقدر، سبوح قدوس – سبعا – ،أسئلك أن تصلي على محمد وآله وأن تغفر لي وترحمني، فإنك أنت الأحد الصمد. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح، سبوح قدوس رب الحيتان والبحار، والهوام والسباع في الآكام).

السبوح: هو المنزه عن كل ما لا ينبغي أن يوصف به، ليس في كلام العرب فعول بضم الفاء الاسبوح وقدوس معناهما واحد.

القدوس: فعول من القدس وهو الطهارة، والقدوس الطاهر من العيوب المنزه عن الأنداد والأولاد، والتقديس التطهير والتنزيه.

المؤمن لا يقدر على شئ من دون اللطف الإلهي له من تسبيح وتقديس لله، ومخلوقات الله عزوجل جميعا تسبح وتقدس لله ، لأن المؤمن له مقدار من العلم وهو الباحث عن العلم ليغرف منه، فينطق به عالم الغيب والشهادة سيد الموحدين شهيد هذا الشهر الفضيل الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام. 

روي عن الأصبغ بن نباتة قال: جاء ابن الكوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين! والله إن في كتاب الله تعالى لآية قد أفسدت علي قلبي، وشككتني في ديني.

فقال له علي عليه السلام: ثكلتك أمك وعدمتك وما تلك الآية؟ 

قال: قول الله تعالى في سورة النور: { والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه}.

فقال له أمير المؤمنين: يا ابن الكوا إن الله تبارك وتعالى خلق الملائكة في صور شتى: إن لله تعالى ملكا ” في صورة ديك أبج أشهب، براثنه في الأرضين السابعة السفلى، وعرفه مثنى تحت العرش، له جناحان: جناح في المشرق وجناح في المغرب واحد من نار والآخر من ثلج، فإذا حضر وقت الصلاة قام على براثنه ثم رفع عنقه من تحت العرش، ثم صفق بجناحيه كما تصفق الديوك في منازلكم فلا الذي من النار يذنب الثلج، ولا الذي من الثلج يطفئ النار.

فينادي ” أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا ” سيد النبيين وأن وصيه سيد الوصيين، وأن الله سبوح قدوس رب الملائكة والروح ” قال: فتخفق الديكة بأجنحتها في منازلكم فتجيبه عن قوله، وهو قوله عز وجل “والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه ” من الديكة في الأرض.

معرفة المؤمن أن كل شئ يسبح ويقدس لله تجعله من المسارعين إلى طلب المعرفة الحقة من بيوت علم الله وخاصته وخالصته محمد وآل محمد.

روي عن أبي بصير، قال:

سألت أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام عن قول الله عز وجل ” وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ” 

قال عليه السلام: نقض الجدر تسبيحها! 

قلت: نقض الجدر تسبيحها؟! 

قال: نعم.

وَعن الإِمام محمّد الباقر عليه السلام  قال: نهى رسول الله أن توسم البهائم في وجوهها، وأن تضرب وجوهها لأنّها تسبِّح بحمد ربِّها. 

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (سبوح قدوس رب الروح والعرش، سبوح قدوس رب السماوات والأرضين، سبوح قدوس سبحت لك الملائكة المقربون، سبوح قدوس علا فقهر، وخلق فقدر).

المؤمن في ليالي القدر يسأل الله أن يكون من المسبحين المقدسين له، وهذه الليلة لها فضل عظيم فتراه متوجها إلى الله أن يكون من الذين دعا لهم أهل البيت عليهم السلام. 

روي عن ابن مسعود قال: (دخلت يوماً على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت: يا رسول الله عليك السلام أرني الحق لأنظر إليه، 

فقال صلى الله عليه وآله: يا عبد الله لج المخدع، فولجت المخدع وعلى ابن أبي طالب (عليه السلام) يصلي وهو يقول في سجوده وركوعه: اللهم بحق محمد عبدك اغفر للخاطئين من شيعتي، فخرجت حتى اجتزت برسول الله فرأيته يصلي وهو يقول: اللهم بحق علي عبدك اغفر للخاطئين من أمتي. 

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث طويل  قال: فتعرضوا عباد الله بدعاء علي لكم، ولا تتعرضوا لدعاء علي عليكم، فإن من دعا عليه أهلكه الله ولو كانت حسناته عدد ما خلق الله، كما أن من دعى له أسعده الله ولو كانت سيئاته بعدد ما خلق الله.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة القدر:

(بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ * إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَة الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر * تَنَزّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيَها بِإِذْنِ رَبّـِهم مِّن كُلِّ أَمْر * سَلاَمٌ هِيَ حتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ). 

وسُئل الإمام الباقر(عليه السلام) عن قول الله تعالى: (إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) قال: نعم، ليلة القدر، وهي في كلّ سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر، فلم ينزل القرآن إلّا في ليلة القدر، قال الله تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ). 

ورد في روايات أهل البيت(عليهم السلام) أنّها باقية متكرّرة كلّ سنة، وأنّها من شهر رمضان، وإنّها إحدى الليالي الثلاث، ولذلك دأب المؤمنون على تسمية الليالي الثلاث بليالي القدر، الصغرى والوسطى والكبرى التي نحن فيها التي نسأل الله أن يجعلنا ممن عرف فقدر .

روي عن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)قال: قال لي رسول الله(صلى الله عليه وآله): يا علي أتدري ما معنى ليلة القدر؟ فقلت: لا، يا رسول الله.

فقال(صلى الله عليه وآله): إنّ الله تبارك وتعالى قدّر فيها ما هو كائن إلى يوم القيامة، فكان فيما قدّر ولايتك وولاية الأئمّة من ولدك إلى يوم القيامة. 

الأمر والاعتقاد  أنّ اختفاء ليلة القدر  بين ليالي شهر رمضان المبارك يعود إلى توجيه الناس إلى الاهتمام بجميع هذه الليالي، مثلما أخفى رضاه بين أعمال الطاعات كي يتّجه الناس إلى جميع الطاعات، وأخفى غضبه بين المعاصي كي يتجنّب العباد جميع المعاصي، وأخفى أحباءه بين العباد كي يحترم كلّ الناس، وأخفى الإجابة بين الأدعية لتقرأ الأدعية كلها، وأخفى الاسم الأعظم  بين أسمائه كي تعظّم وتقدس كلّ أسمائه، وأخفى وقت الموت عن عباده كي يكون الناس دائماً على استعداد له. 

روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه سئل هل الروح جبرئيل عليه السلام؟ فقال: جبرئيل من الملائكة، والروح أعظم من الملائكة، أليس أن الله عز وجل يقول: (تَنَزَّلُ الْمَلآَئِكَةُ وَالرُّوحُ). 

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(سبوح قدوس – سبعا – ،أسئلك أن تصلي على محمد وآله وأن تغفر لي وترحمني، فإنك أنت الأحد الصمد).

المؤمن منتظر أن يكون من الذين أصابتهم رحمة ومغفرة في هذه الليلة. 

روي الإمام الباقر (عليه السلام) – وقد سأله حمران عن قوله تعالى: * (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) * -:

نعم، هي ليلة القدر، وهي في كل سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر، فلم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر، قال الله عز وجل: * (فيها يفرق كل أمر حكيم) * قال: يقدر في ليلة القدر كل شئ يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل من خير أو شر أو طاعة أو معصية أو مولود أو أجل أو رزق، فما قدر في تلك الليلة وقضي فهو من المحتوم ولله فيه المشيئة.

قلت: * (ليلة القدر خير من ألف شهر) * أي شئ عنى بها؟. قال: العمل الصالح فيها من الصلاة والزكاة وأنواع الخير، خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، ولولا ما يضاعف الله للمؤمنين ما بلغوا ولكن الله عز وجل يضاعف لهم الحسنات.

إن المؤمن يعتصر قلبه شوقاً للقاء أمام زمانه فلا يغفل أن في هذه الليلة تعرض عليه أعمال سنته فلا يكون من الذين يزعجون قلب أمامه.

روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) – في قوله تعالى: * (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد…) * -: نزلت في أمة محمد (صلى الله عليه وآله) خاصة في كل قرن منهم إمام منا شاهد عليهم، ومحمد (صلى الله عليه وآله) شاهد علينا.

اللهم اجعلنا من الذين يكثرون من الدعاء بتعجيل فرج أمامهم رافعين أيدينا إلى السماء مرددين: 

اَللّهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلي آبائِهِ في هذِهِ السّاعَةِ وَفي كُلِّ ساعَةٍ وَلِيّاً وَحافِظاً وَقائِداً وَناصِراً وَدَليلاً وَعَيْناً حَتّي تُسْكِنَهُ أَرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فيها طَويل برحمتك يا أرحم الراحمين.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *