شرح دعاء الليلة الرابعة والعشرين

الشيخ حسين الشيخ علي المولى
Latest posts by الشيخ حسين الشيخ علي المولى (see all)

دعاء الليلة الرابعة والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم 

اللهم أمرت بالدعاء وضمنت الإجابة ودعوناك ونحن عبادك ولن يصل العباد مسألتك والرغبة إليك كرماً وجوداً وربوبيةً ووحدانيةً يا موضع شكوى السائلين ومنتهى حاجة الراغبين ويا ذا الجبروت والملكوت يا ذا العز والسلطان يا حي يا قيوم يا بر يا رحيم يا حنان يا منان يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا ذا النعم الجسام والطول الذي لا يرام صل على محمد وآله واغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (اللهم أمرت بالدعاء وضمنت الإجابة ودعوناك ونحن عبادك ولن يصل العباد مسألتك والرغبة إليك كرماً وجوداً وربوبيةً ووحدانية).

قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة غافر: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾. 

الدعاء سلاح المؤمن أعطاه الله له ليفر إليه في كل شدة أو رخاء لأن العبد يتعرض في حياته اليومية وغيرها إلى مواقف يحتاج فيها إلى أمر غيبي يفعله ويتوجه فيه، لحاجته الضرورية حتى لا يشعر أن خالقه لم يعطه شيئا ينتصر به، حتى غير المسلم تراه في أوقات الشدة يلجأ إلى الدعاء.

روي عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام: عليكم بالدُّعاء، فإنَّ الدُّعاء والطلب إلى الله عزّ وجلّ يردّ البلاء، وقد قدّر وقضى، فلم يبقَ إلّا إمضاؤه فإذا دُعي الله وسُئل، صرَفَ البلاء صرفاً. 

للفظ الدعاء دلالات متنوعة ذكرها العلماء واللغويون، والتي منها على سبيل الإجمال ما جاء في المعجم المفصّل من أنّ الدعاء هو طلب فعل الشيء أو الكفّ عنه، واشترط أن يكون الطلب مخصوصاً من أدنى لأعلى؛ لأنّه إن كان من أعلى لأدنى فهو أمر، وإن كان بين متساويين فهو التماس. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة البقرة: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾. 

العبد يمتثل أمر الله بالدعاء لأن استقرار نفسه بالتوجه بما أمر ويتفكر أن هذا الفعل هو أكبر المنجيات لخلوص الأمر في معرفته قصص الأمم السابقة في نجاتهم من غضب الله، ونزول عذابه في تضرعهم بالدعاء إلى الله، بعد معرفتهم أن الهروب من العذاب هو صدح أصواتهم بالدعاء.

حتى الأنبياء لم يتركوا الدعاء لكشف ما بهم، هذا أيوب يدعو الله ليكشف ما به من غم وهم، والنبي موسى عليه السلام كذلك، والأنبياء الباقين إما نصرة لهم أو لكشف مابهم.

روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: الدعاء مخّ العبادة ولا يهلك مع الدعاء أحد.

روي عن الإمام الرضا (عليه السلام): عليكم بسلاح الأنبياء، فقيل وما سلاح الأنبياء؟ فقال: الدعاء.

المؤمن يرفع أكفه بالدعاء ليعلم أن الأمر كله يرجع إلى الله، من حفظ وتسهيل شؤون وتكون المنفعة الحاصلة له هي من الله.

روي عن الرَّسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال لأبي ذر رضوان الله عليه: “احفظ الله يحفظك الله، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدّة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، فقد جرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، ولو أنّ الخلق كلّهم جهدوا على أن ينفعوك بما لم يكتبه الله لك ما قدروا عليه. 

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (يا موضع شكوى السائلين ومنتهى حاجة الراغبين ويا ذا الجبروت والملكوت يا ذا العز والسلطان يا حي يا قيوم يا بر يا رحيم يا حنان يا منان).

لم تحظ العبادات بمثل ما حظيت مفردة الدعاء لأنه هو لبّ العبادة وجوهرها، فالعبادة بلا تضرّع وتوسّل بالله سبحانه فارغة المحتوى والمضمون، فيكون موضع السائلين وحاجة الراغبين.

روي عن  رسول الله صلى الله عليه وآله قال:ألا أدلكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم ويدرّ أرزاقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: تدعون ربّكم باللّيل والنهار، فإنّ سلاح المؤمن الدعاء.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الملك: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}.

روي عن الإمام الصادق عليه‌ السلام : عليكم بالدعاء ، فإنكم لا تقربون بمثله ، ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها، إن صاحب الصغار هو صاحب الكبار.

فهؤلاء الراغبين إلى الله في سلطانه وعزه، ورحمته وحنانه ومنته الدائمة عليهم، يدعونه بأسمائه الحسنى.

روي عن الإمام الصادق عليه‌ السلام قال: إذا طلب أحدكم الحاجة ، فليثن على ربه ، وليمدحه ، فإن الرجل إذا طلب الحاجة من السلطان ، هيأ له من الكلام أحسن ما يقدر عليه، فإذا طلبتم الحاجة، فمجدوا الله العزيز الجبار ، و امدحوه ، وأثنوا عليه.

ثبُت قلب الشاكين إلى الله بجبروته أن لا يرد شكواهم لأن الجواب منه لما هم فيه من عظم الأمر، فيدعون بما يرفع شكواهم بلا حجاب عليها.

روي عن الإمام الصادق عليه‌ السلام قال : « إياكم إذا أراد أحدكم أن يسأل ربه شيئا من حوائج الدنيا والآخرة ، حتى يبدأ بالثناء على الله عز وجل ، والمدح له ، والصلاة على النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله ، ثم يسأل الله حوائجه.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا ذا النعم الجسام والطول الذي لا يرام صل على محمد وآله واغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم).

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة إبراهيم: ﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾.

إن نعم الله على عباده لا تعد ولا تحصى، فمذ كان في عالم الذر إلى وصوله إلى عالم الدنيا هو في نعمة من الجليل، التي مهما حاول العبد من أن يحصيها تراه عاجزا أمام نعم الله .

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة النحل:﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.

ونحن في الليالي العشرة الأخيرة من شهر رمضان نشكر الله كثيرا أنه عرفنا معالم نصل فيها إلى رضوانه ألا وهي نعمة ولايتنا لمحمد وآل محمد.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة لقمان: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ}.

روي عن ابن عباس سألت النبي (صلى الله عليه وآله) عن قوله تعالى: * (ظاهرة وباطنة) * فقال: يا بن عباس! أما ما ظهر فالإسلام، وما سوى الله من خلقك، وما أفاض عليك من الرزق، وأما ما بطن فستر مساوئ عملك ولم يفضحك به، يا بن عباس إن الله تعالى يقول:

ثلاثة جعلتهن للمؤمن ولم تكن له: صلاة المؤمنين عليه من بعد انقطاع عمله، وجعلت له ثلث ماله أكفّر به عنه خطاياه، والثالث: سترت مساوئ عمله ولم أفضحه بشيء منه ولو أبديتها عليه لنبذه أهله فمن سواهم.

وروي عن الإمام  الباقر (عليه السلام) قال: النعمة الظاهرة النبي (صلى الله عليه وآله) وما جاء به النبي من معرفة الله عز وجل وتوحيده، وأما النعمة الباطنة فولايتنا أهل البيت وعقد مودتنا.

المؤمن يسعى لمغفرة ورحمة من الله لدخول جنته التي وعدها لعباده المخلصين الراغبين، فجعل لها فروضا على كل مؤمن.

روي عن موسى بن بكر قال: كنا عند أبي عبد الله عليه السلام فقال رجل في المجلس: أسأل الله الجنة! 

فقال أبو عبد الله عليه السلام: أنتم في الجنة فاسألوا الله أن لا يخرجكم منها! 

فقالوا: جعلنا فداك نحن في الدنيا؟! 

فقال عليه السلام: ألستم تقرون بإمامتنا؟ 

قالوا: نعم! 

فقال عليه السلام: هذا معنى الجنة الذي من أقر به كان في الجنة فاسألوا الله أن لا يسلبكم.

يرقب المؤمن من الله كل خير في هذا الشهر وأن يجعله من الذين قال تعالى عنهم في محكم كتابه العزيز في سورة فاطر: {يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون}.

اللهم اجعلنا من الذاكرين لنعمك بأحب الخلق إليك محمد وآل محمد.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *