شرح دعاء الليلة الخامسة والعشرين

دعاء الليلة الخامسة والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم 

تبارك الله أحسن الخالقين، خالق الخلق، منشئ السحاب، وآمر الرعد أن يسبح له، تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا.

تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا، تبارك الله أحسن الخالقين، يا إلهي وإله العالمين، وإله السماوات السبع ومافيهن ومابينهن، وإله الأرضين السبع ومافيهن وما بينهن صل على محمد وآل محمد، وامنن علي بالجنة، ونجني من النار إنك أنت المنجي المنان. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(تبارك الله أحسن الخالقين، خالق الخلق، منشئ السحاب، وآمر الرعد أن يسبح له، تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا). 

تبارك الله أي، تقدّس وتعالى وتَنَزَّه وتعاظَم وكثُرت خيراتُه وعمَّت بركاتُه.

المؤمن بعدما تهيأ في أمور عبادته إلى الله و كان ساعيا في يومه وليله في كل أموره له، لا يخفى أن العلم والتعلم والمعرفة أصل في نموه نحو المعرفة التي تصدح في الوصول إلى كنه وكنف الحق فينطق الحق ما يتأجج في قلب المؤمن. 

روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) كثيراً ما يقول إذا فرغ من صلاة الليل : (أشهد أنّ السماوات والأرض وما بينهما آيات تدلّ عليك، وشواهد تشهد بما إليه دعوتَ، كلّ ما يؤدّي عنك الحجّة، ويشهد لك بالربوبيّة، موسوم بآثار نعمتك ومعالم تدبيرك، علوتَ بها عن خلقك، فأوصلت إلى القلوب من معرفتك ما آنسها من وحشة الفكر، وكفاها رجْم الاحتجاج؛ فهي مع معرفتها بك، وولهها إليك ؛ شاهدة بأنّك لا تأخذك الأوهام، ولا تدركك العقول ولا الأبصار. 

يتهيأ المؤمن بعد معرفته أن الموت والحياة بيد الله، والموت ليس نهاية، بل هو حالة انتقال من دار الفناء إلى دار البقاء.

روي عن الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: “أيّها الناس، إنّا خُلقنا وإيّاكم للبقاء، لا للفناء، لكنَّكم من دار إلى دار تُنقلون.

روي عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن الموت قال: الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، والموت جسر هؤلاء إلى جنّاتهم وجسر هؤلاء إلى جحيمهم.

المؤمن العالم أن الغاية من خلق الحياة والموت هو مقدمة للأمتحان في حسن عمله وقبحه والتمييز فيه يكون لأستقبال الجزاء عليه من الله. 

روي عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: احذروا عباد الله الموت وقربه، وأعدوا له عدته، فإنه يأتي بأمر عظيم وخطب جليل، بخير لا يكون معه شر أبدا، أو شر لا يكون معه خير أبدا، فمن أقرب إلى الجنة من عاملها! ومن أقرب إلى النار من عاملها!. 

العمل الحسن المنجي لكل عبد هو طمع المتنافسين في حصولهم على أفضل الأعمال وأحسنها عند الله وذلك قوله تعالى في سورة المطففين: {خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}.

روي عن  قيس بن عاصم قال: وفدت مع جماعة من بني تميم إلى النبي صلى اللّه عليه وآله، فقلت: يا نبي اللّه عظنا موعظة ننتفع بها، فإنا قوم نعمّر في البرّية.

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: “يا قيس إنّ مع العز ذُلاً، وإنّ مع الحياة موتاً، وإنّ مع الدنيا آخرة، وإنّ لكل شيء حسيباً، وعلى كل شيء رقيباً، وإن لكل حسنة ثواباً، ولكل سيئة عقاباً، ولكل أجل كتاباً. وإنه لا بد لك يا قيس من قرين يُدفن معك وهو حيّ، وتدفن معه وأنت ميت، فإن كان كريماً أكرمك، وإن كان لئيماً أسلمك، ثم لا يحشر إلا معك، ولا تبعث إلا معه، ولا تسأل إلا عنه، فلا تجعله إلا صالحاً، فإنه إن صلح أنست به، وإن فسد لم تستوحش إلا منه، وهو فعلك.

حذر المؤمن في قلبه فينظر هل هو من أهل الطاعة؟ أم من أهل العصاة حائر لبه؟

روي عن الإمام الباقر عليه السلام: إذا أردت أن تعلم أن فيك خيراً، فانظر الى قلبك، فان كان يحب أهل طاعة اللّه عز وجل ويبغض أهل معصيته ففيك خير، واللّه يحبك. وإن كان يبغض أهل طاعة اللّه، ويحبّ أهل معصيته فليس فيك خير، واللّه يبغضك، والمرء مع من أحب.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا، تبارك الله أحسن الخالقين).

أنزل الله في كتابه العزيز سورة الفرقان نصرة لنبيه بعدما حاجوه أنه مثلهم يأكل ويشرب ويمشي بالأسواق.

روي عن عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام، أنّه قال: قلت لأبي علي بن محمد عليه السلام: هل كان رسول اللّه  يناظر اليهود والمشركين إذا عاتبوه ويحاجّهم؟ قال: مراراً كثيرة وذلك أنّ رسول اللّه كان قاعداً ذات يوم بفناء الكعبة، فابتدأ عبد اللّه بن أبي أمية المخزومي، فقال: يا محمد لقد ادّعيت دعوى عظيمة، وقلت مقالاً هائلاً، زعمت أنّك رسول ربّ العالمين، وما ينبغي لربّ العالمين‏ وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشراً مثلنا، تأكل كما نأكل وتمشي في الأسواق كما نمشي، فقال رسول اللّه: اللّهمّ أنت السامع لكل صوت، والعالم بكلّ شي‏ء، تعلم ما قاله عبادك، فأنزل اللّه عليه هذه السورة.

معرفتهم صلوات الله عليهم هي أساس الحق ومبدأه، فالمؤمن العارف المتيقن بما أوجبه الله عليه من وجوب معرفته يعبد الله ويتوسل إليه بهم وعند ذكره يستبشر ويفرح قلبه، لا يتمنى لحظة أن يكون مثل الذين قال تعالى عنهم في سورة الحجرات:{قَالَتِ ٱلْأَعْرَابُ ءَامَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَٰكِن قُولُوٓاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلْإِيمَٰنُ فِى قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَٰلِكُمْ شَيْـًٔا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

روي عن رسول اللَّه  قال: مَا بَالُ أَقْوَامٍ إِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُمْ آلُ إِبْرَاهِيمَ  فَرِحُوا وَاسْتَبْشَرُوا، وَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُمْ آلُ مُحَمَّدٍ  اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُهُمْ؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ عَبْداً جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِعَمَلِ سَبْعِينَ نَبِيّاً، مَا قَبِلَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى يَلْقَاهُ بِوَلَايَتِي وَ وَلَايَةِ أَهْلِ بَيْتِي. 

المؤمن يعرف أن الله خلق كل شيء لأجلهم ولولاهم ما خلق الخلق لأن الأمر المتوجب عليه هو الموالاة لهم عليهم السلام ومعرفتهم .

روي عن الإمام الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

ما خلق الله عز وجل خلقا أفضل مني ولا أكرم عليه مني.

قال علي (عليه السلام): فقلت: يا رسول الله فأنت أفضل أو جبرئيل؟ 

فقال (صلى الله عليه وآله): يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا، يا علي الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا.

يا علي لولا نحن ما خلق، آدم ولا حواء، ولا الجنة ولا النار، ولا السماء ولا الأرض، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه؟ لأن أول ما خلق الله عز وجل خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتحميده.

ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمرنا، فسبحنا لتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقون، وأنه منزه عن صفاتنا، فسبحت الملائكة بتسبيحنا، ونزهته عن صفاتنا، فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله وإنا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن يعبد معه أو دونه ، فقالوا: لا إله إلا الله.

فلما شاهدوا كبر محلنا كبرنا لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال عظم المحل إلا به، فلما شاهدوا ما جعله لنا من العز والقوة قلنا: لا حول ولا قوة إلا بالله  لتعلم الملائكة أن لا حول لنا ولا قوة إلا بالله.

فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا: الحمد لله لتعلم الملائكة ما يحق لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه فقالت الملائكة:

الحمد لله، فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده. 

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (، يا إلهي وإله العالمين، وإله السماوات السبع ومافيهن وما بينهن، وإله الأرضين السبع ومافيهن وما بينهن صل على محمد وآل محمد، وامنن علي بالجنة، ونجني من النار إنك أنت المنجي المنان).

يقسم المؤمن و يتمنى الفوز في هذا الشهر الكريم بالجنة والنجاة من النار، بالله وبمحمد وآل محمد، لأن محبهم سيدخل الجنة وإن كان عاصياً، ومبغضهم يدخل النار وإن أطاع الله وعبده حتى تنكسر رقبته.

روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي إن فاطمة بضعة مني، هي نور عيني وثمرة فؤادي، يسوؤني ما ساءها ويسرني ما سرها، ثم رفع يديه إلى السماء .

فقال: اللهم إني أشهدك أني محب لمن أحبهم، مبغض لمن أبغضهم، سلم لمن سالمهم، حرب لمن حاربهم، عدو لمن عاداهم، ولي لمن والاهم.

الحق يعرف في العباد بتميزهم في عبادتهم وأعمالهم التي تكون سبيل نجاتهم المرجوة من الله لهم، وأن أسروا ما في قلوبهم يعلمه الله فيجازيهم بما عملوا ، أما في الدنيا، وأما في الأخرة، ولكن لكل شئ فريضة وفريضة قبول عمله وعبادتهم هي ولايتهم ومحبتهم لأمير المؤمنين عليه السلام. 

روي عن أبي الصلت الهروي قال: 

قال المأمون لعلي الرضا ابن موسى الكاظم عليهما السلام: اخبرني عن جدك أمير المؤمنين علي عليه السلام بأي وجه هو قسيم الجنة والنار؟

فقال له الرضا (عليه السلام): (ألم ترو عن آبائك عن عبد الله بن عباس أنه قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: حب علي إيمان وبغضه كفر؟

 فقال : بلى.

فقـال الرضا (عليه السلام): لما كانت الجنة للمؤمن والنار للكافر فقسمة الجنة والنار إذا كان على حبه وبغضه فهو قسيم الجنة والنار.

فقال المأمون: لا أبقاني الله بعدك، إنك وارث جدك رسول الله. 

هذه لياليه الباقية تعجل بالرحيل ونحن الصائمون الخائفون من رحيلها قبل نزول رحمته ومغفرته علينا، نرفع أكفنا بدعاء الإمام الصادق عليه السلام:

اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد عليك صل على محمد وآل محمد، واجعل النور في بصري، والبصيرة في ديني، واليقين في قلبي، والإخلاص في عملي، والسلامة في نفسي، والسعة في رزقي، والشكر لك أبدا ما أبقيتني.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *