شرح دعاء الليلة التاسعة و العشرين

دعاء الليلة التاسعة و العشرين

بسم الله الرحمن الرحيم

توكلت على السيد الذي لا يغلبه أحد، توكلت على الجبار الذي لا يقهره أحد، توكلت على العزيز الرحيم الذي يراني حين أقوم وتقلبي في الساجدين، توكلت على الحي الذي لا يموت، توكلت على من بيده نواصي العباد، توكلت على الحليم الذي لا يعجل، توكلت على الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، توكلت على القادر القاهر العلي الأعلى الأحد، توكلت- سبعا – ، أسألك يا سيدي أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن ترحمني وتتفضل علي ولا تخزني يوم القيامة، إنك شديد العقاب غفور رحيم.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (توكلت على السيد الذي لا يغلبه أحد، توكلت على الجبار الذي لا يقهره أحد، توكلت على العزيز الرحيم الذي يراني حين أقوم وتقلبي في الساجدين، توكلت على الحي الذي لا يموت، توكلت على من بيده نواصي العباد).

رؤية المؤمنين انقضاء شهر الرحمة وهم يعلمون أن تقبل الله لأعمالهم، بتوكلهم عليه لأن التوكل أحد أركان مراتب الإيمان، والاعتماد على حول الله وقوّته وأن لا مؤثر في عالم الوجد إلا هو، ولا يتنافى التوكل والسعي والعمل، لأن الأسباب والعلل الظاهرية ليس لها تأثير مستقل، الأمور كلها بمشيئة الله وأوامره التي يتوكلون بها عليه.

قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة الأنفال:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.

روي عن الإمام علي عليه السلام قال: صلاح العبادة التوكل.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:

سبعون ألفا من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب، هم الذين لا يكتوون، ولا يكوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون.

هدية السماء لخير الأنبياء تعطى فيفوز بها المؤمنين المريدون لدرجات ترفعهم فيكونوا من الذين قال تعالى في سورة العنكبوت: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}.

روي أن جبرائيل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال يا رسول اللَّه، إن اللَّه تبارك وتعالى أرسلني إليك بهدية لم يعطها أحداً قبلك، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: قلت، وما هي؟ قال: الصبر وأحسن منه، قلت وما هو؟ قال: الرضا وأحسن منه، قلت وما هو؟ قال الزهد وأحسن منه، قلت: وما هو؟ قال: الإخلاص وأحسن منه، قلت: وما هو؟ قال: اليقين وأحسن منه، قلت: وما هو؟ قال: إن مدرجة ذلك التوكل على اللَّه عزَّ وجلّ‏َ، فقلت: وما التوكل على اللَّه عزَّ وجلّ‏َ؟ فقال: العلم بأن المخلوق لا يضرُّ ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع، واستعمال اليأس من الخلق، فإذا كان العبد كذلك لم يعمل لأحد سوى اللَّه، ولم يرج ولم يخف سوى اللَّه، ولم يطع أحداً سوى اللَّه، فهذا هو التوكل.

المؤمنين يسألون ربهم بحلمه وهو الأخذ بنواصيهم يعلمون أن الأمر إليه، وهو القائل في محكم كتابه العزيز في سورة الطلاق: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}.

روي أن نبي الله سليمان عليه السلام كان جالسا على شاطئ بحر، فبصر بنملة تحمل حبة قمح تذهب بها نحو البحر، فجعل سليمان ينظر إليها حتى بلغت الماء فإذا بضفدعة قد أخرجت رأسها من الماء وفتحت فاها، فدخلت النملة فاها وغاصت الضفدعة في البحر ساعة طويلة، وسليمان يتفكر في ذلك متعجبا.

ثم إنها خرجت من الماء وفتحت فاها فخرجت النملة من فيها، ولم تكن معها الحبة فدعاها سليمان وسألها عن حالها وشأنها وأين كانت، فقالت: يا نبي الله في قعر هذا البحر الذي تراه صخرة مجوفة، وفي جوفها دودة عمياء، وقد خلقها الله تعالى هنالك فلا تقدر أن تخرج منها لطلب معاشها، وقد وكلني الله برزقها، فأنا أحمل رزقها وسخر الله هذه الضفدعة لتحملني فلا يضرني الماء في فيها، وتضع فاها على ثقب الصخرة وأدخلها، ثم إذا أوصلت رزقها إليها خرجت من ثقب الصخرة إلى فيها فتخرجني من البحر، قال سليمان: وهل سمعت لها من تسبيحة؟

قالت: نعم، تقول: يا من لا تنساني في جوف هذه الصخرة تحت هذه اللجة برزقك لا تنس عبادك المؤمنين برحمتك.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (توكلت على الحليم الذي لا يعجل، توكلت على الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، توكلت على القادر القاهر العلي الأعلى الأحد، توكلت- سبعا -).

إن توكل المؤمنين على الله لها آثار تدخلهم الراحة التي يسعى إليها عباد الله.

روي عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال: من أراد أن يكون أقوى الناس، فليتوكل على الله.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من توكل على الله كفاه مؤنته ورزقه من حيث لا يحتسب.

ومن آثار المهمة في التوكل حبّ أهل البيت عليهم السلام يجسّد حبّ الله تعالى وحبّ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في أجلى صوره، وذلك غاية أمل المؤمنين، قال تعالى: ﴿ والَّذِينَ آمَنُوا أشدُّ حُبّاً للهِ  ﴾. وقال تعالى :﴿  قُلْ إن كُنتُم تُحبُّونَ اللهَ فاتَّبِعُوني يُحببكُمُ اللهُ.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أراد التوكل على الله فليحب أهل بيتي، ومن أراد الحكمة فليحبّ أهل بيتي، فوالله ما أحبّهم أحدٌ إلاّ ربح الدنيا والآخر.

حرص المؤمنين على أفعالهم وتوجهاتهم تعطيهم حيز يكونون فيه مع ولاة أمرهم وحبل نجاتهم في توكلهم، و الإخلاص لهم يعطيهم الفوز بما عملوا لأجله.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من رزقه الله حب الاَئمة من أهل بيتي، فقد أصاب خير الدنيا والآخرة، فلا يشكّنّ أحدٌ أنه في الجنة، فإنّ في حبّ أهل بيتي عشرين خصلة، عشر منها في الدنيا، وعشر منها في الآخرة.

أما التي في الدنيا: فالزهد ، والحرص على العمل ، والورع في الدين ، والرغبة في العبادة ، والتوبة قبل الموت ، والنشاط في قيام الليل ، واليأس ممّا في أيدي الناس ، والحفظ لأمر الله ونهيه عزَّ وجل ، والتاسعة بغض الدنيا ، والعاشرة السخاء .

وأما التي في الآخرة: فلا ينشر له ديوان ، ولا ينصب له ميزان ، ويعطى كتابه بيمينه ، وتكتب له براءة من النار ، ويبيَضّ وجهه ، ويكسى حلل من حلل الجنّة ، ويُشفّع في مائة من أهل بيته ، وينظر الله عزَّ وجلّ إليه بالرحمة ، ويُتَوّج من تيجان الجنة ، والعاشرة يدخل الجنة بغير حساب ، فطوبى لمحبي أهل بيتي.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (أسألك يا سيدي أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن ترحمني وتتفضل علي ولا تخزني يوم القيامة، إنك شديد العقاب غفور رحيم).

أمل المؤمنين في وداع شهر رمضان أن يرحمهم الله ويغفر لهم، ويعفو عنهم في الدارين، فيرفعون أكفهم بالدعاء منا ورد عن الإمام السجاد عليه السلام بدعائه بخواتم الخير:

فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، واجْعَلْ خِتَامَ مَا تُحْصِي عَلَيْنَا كَتَبَةُ أَعْمَالِنَا تَوْبَةً مَقْبُولَةً لَا تُوقِفُنَا بَعْدَهَا عَلَى ذَنْبٍ اجْتَرَحْنَاهُ، ولَا مَعْصِيَةٍ اقْتَرَفْنَاهَا. ولَا تَكْشِفْ عَنَّا سِتْراً سَتَرْتَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، يَوْمَ تَبْلُو أَخْبَارَ عِبَادِكَ. إِنَّكَ رَحِيمٌ بِمَنْ دَعَاكَ، ومُسْتَجِيبٌ لِمَنْ نَادَاكَ.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *