منزلة آية البسملة

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد

الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*)

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد                                                                          

تدبر في آية البسملة

منزلة آية البسملة وفيها لحاظ

الأول: إنها أعظم وأكرم آية في القرآن

– في كتاب تفسير العياشي: عن خالد بن المختار قال: سمعتُ جعفر بن محمد عليهما السلام يقول:

<<مالهم قاتلهم الله، وعمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله فزعموا أنها بدعة إذا أظهروها وهي بسم الله الرحمن الرحيم >>(1).

– وفي كتاب تفسير العياشي أيضا: عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سرقوا أكرم آية في كتاب الله بسم الله الرحمن الرحيم (2).

وواضح لما هي أعظم لعظم كرمها في الفضل كما تكلمنا في فضل تعلمها و كتابتها و قراءتها و الاستماع إليها، بل واضح العظمة لما جاء من تفسير حروفها و مفرداتها و فضل حروفها أيضا، و سيجيء من الروايات و الموضوعات القادمة ما يبين عظمتها و كرمها وحتى لحاظ منزلتها الذي نحن بصدده.

الثاني: إنها في كل سورة إلا سورة البراءة،

  • روى عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال: <<البسملة تيجان السور>>(3).

آيات الله التي في السور تظهر بواطن رحمة الله من آية البسملة التي هي رأس السور، أو قل جواب آية البسملة هو ما يجيء بعدها من آيات، إلا سورة البراءة، ومن المعلوم أن التاج هو أعلى ما في الجسد، إلا سورة البراءة لعدم وجود الرحمة للمشركين وبراءة الله و رسوله و المؤمنين من هؤلاء.

وعلة ذلك واضحة في آيات البراءة ورواية الإمام علي عليه السلام وهي أن من ينقض العهد ننتظره بعد الأشهر الحرم ودمه مباح وقبل ذلك نذيع في الحج الأكبر هذه البراءة، فإن تاب ودخل الإسلام غفرنا وإن استجار أجرنا.

– قوله تعالى: {بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ ۚ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ  إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ ۚ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ  إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ  فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ  وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ }(4)

– عن الإمام علي عليه السلام: << لم ينزل بسم الله الرحمن الرحيم على رأس سورة براءة، لأن بسم الله للأمان والرحمة، ونزلت براءة لرفع الأمان بالسيف>>(5).

رب العزة رحيم في سورة البراءة إذا التزم المشركون أو تابوا أو استجاروا، لا زالت الرحمة يستحقها هؤلاء، و لكن المعنى في عدم وجود آية البسملة هو في كل السور قدم اسمه و رحمته على كل شيء، و في كل السور بدأ بالتزامه بهاتين الصفتين، و في كل السور إذا قلنا بتكثر المعاني: { قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا }(6).

أقسم على نفسه بباء القسم في آية البسملة بهاتين الصفتين و هي مقدمة بوجودها لمن يتوب و لكن في سورة البراءة كل هذه الامتيازات مرفوعة أي تقدم الصفتين والالتزام والقسم … و غيرها.

وهناك أمر آخر: إن الذين يشركون مع الله الأصنام و الأوثان فرب العزة يخاطبهم بهذا الخطاب قبل البراءة: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا}(7)، نضيف هذه الخطابات مع تجاوزات الاعتداء في الأشهر الحرم التي هي من أحكامهم أيضا.

——————————————————————

*-الطبرسي/الإحتجاج ج1من ص294.

1-العلامة المجلسي – بحار الأنوار – ج 89- الصفحة 238- حديث39.

2-نفس المصدر -ص 236 – حديث28.

3- القرطبي – تفسير القرطبي – ج1 – الصفحة 92

4- التوبة 1,2,3,4,5,6.

5-الشيخ الطبرسي – تفسير مجمع البيان – ج 5 – الصفحة 6.

6-الكهف:109.

7-النساء:48.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *