وجوب المعرفة

الشيخ فواز سرحان
Latest posts by الشيخ فواز سرحان (see all)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين

 

المعرفة

 

يرد العنوان في مباحث العقائد بأكثر من ائتلاف، فترى البعض يورده بـعنوان (وجوب المعرفة)، وغيره بـ (وجوب تحصيل المعرفة) و (وجوب النظر في المعرفة) و (وجوب تحصيل أصول الدين) وغير ذلك، والسبب في اختيار العنوان أعلاه أنه أعلاهم في السلّم وأشملهم في الموضوع.

وبالنسبة للقائلين بوجوب النظر، أهم أسباب الوجوب : قاعدة (مقدمة الواجب)، كما قال ابن ميثم البحراني[1] (قده): (إن النظر شرطٌ لحصول أمر واجب، وما كان شرطا للواجب كان واجبا)[2].

 

أولا: المراد من الوجوب:

سيأتي الكلام عن الأدلة، لكن لا بد من معرفة مسألة مهمة، أن الوجوب على قسمين، (عقلي) و (شرعي)، فأما العقلي فما يوجبه عقل (كل عاقل) على صاحبه، وأما الشرعي فما وصل إلينا عن الشارع المقدس، ولا تعارض بينهما.

 

ثانيا: ما هي المعرفة؟

لكل إنسان عاقل نظرة تجاه نفسه وأخرى تجاه الكون، ويعبر عن النظرة الأولى بـ (الرؤية الايدولوجية) والثانية بـ (الرؤية الكونية) بحسب الإصطلاحات الحديثة.

الايدولوجية:

كلمة يونانية قديمة (ايديا) تعني (فكرة)، والغرض في استخدامها أنها: فكرة الإنسان عن نفسه وسلوكه وأفعاله بشكل عام.

الرؤية الكونية:

محل البحث، وهي نظرة الإنسان إلى الكون، هل له خالق أو لا؟ وهل له نهاية أو لا؟ وهل هناك ما لا يدركه الإنسان في الكون؟

وتنقسم إلى قسمين رئيسيين:

  • (الرؤية الكونية الإلهية): النظر للموضوع وفق النظرة الدينية السماوية الحقّة.
  • (الرؤية الكونية المادية): النظر للموضوع وفق نظرة حسيّة محدودة خاطئة، مفادها أن ما لا يُرى بالعين، فهو غير موجود.

 

ثالثا: شروط المعرفة:

الكلام عن شروط (المعرفة المعتبرة)[3]، لكونهما في غاية الأهمية، وهما شرطان:

  • أن تكون قطعية:

نبذ الشكوك والظنون من أهم شروط تحصيل المعرفة، فالمعرفة الظنية والوهمية مرفوضة، ولا تورث اطمئنان.

اضافة قرآنية للتنوير: قال تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}[4]، وهو رفض واضح لكل معرفة خارج نطاق القطع {عِلْمٌ}، ومنها يُفهم أيضا عدم جواز التقليد في العقائد، قال تعالى: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ () وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ}[5]، والإشارة واضحة إلى تكرر قضايا تقليد الآباء في معتقادتهم ورفض اتباع الفطرة السليمة والدليل القاطع.

 

  • أن تكون نابعة من أدوات المعرفة المعتبرة:

ويقصد بالحس: الحواس الخمسة، ولعل أهمها في هذا المجال البصر والسمع.

والعقل: الإدراكات الصحيحة نتيجة استخدام القواعد العقلية الصحيحة في كل مجال.

الحس والعقل، هما الأكثر صوابا، في قبال إدعاءات المدعين، مِن (منامات، ولجوء للجن) وغير ذلك من الطرق الباطلة في تحصيل المعرفة القطعية.

اضافة قرآنية للتنوير: قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[6]، {السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ} من الحواس، و {الأَفْئِدَةَ} من الفؤاد أي القلب وهو محل الإعتقاد بعد تعقلها.

 

رابعا: الأدلة العقلية:

  • لزوم شكر المنعم:

العقل السليم يحكم بوجوب شكر المنعم والمتفضل، ويرى قبح ترك شكر المنعم.

قال العلامة حسن مكي العاملي: (إن للعقل النظري أحكاما يحكم بها على الأشياء من ملاحظتها بما هي هي، … وبغضّ النظر عن ملاحظة أيّة مصلحة شخصية أو نوعية قد تصاحبها، يدرك ذلك كل الناس، … فمن تلك، حكم العقل بلزوم شكر معطي النعمة، وثناؤه على ما أولاه من معروف، ومُـجازاته على ما أظهر من تودد ولطف)[7].

  • لزوم دفع الضرر:

من جملة ما يحكم به العقل، لزوم دفع الشرور والأخطار عن نفسه، فهو محب لها بطبيعة حاله، فكيف يتركها وهو يجد لها مهربا ومخلصا من ذلك؟

ومن هنا، يقف الفرد مرعوبا خائفا على نفسه، لأن خوفا حصل نتيجة احتمال صدق هؤلاء من عذاب المخالف لاعتقادهم.

والإنسان عندما يبلغ سن الإدراك يجد في مجتمعه وغير مجتمعه – وفيهم أهل العقل والرأي السديد – يتخبطون بالآراء المتناقضة والمذاهب المختلفة، وكل منهم يدعو إلى مذهبه لأنه يؤمنهم العذاب ويعطيهم السعادة – كما يعتقدون -.هناك خيارين لهذا الفرد، إمّا أن يجمع بينهم جميعا على نحو الإحتياط – وهو محال لأن كل مذهب يُـخطّيء الآخر -، وإما يختار أحدهم وفقا للأدلة الصحيحة والبراهين الواضحة، وهو المعبر عنه بضرورة النظر في المعرفة.

برهان نقضي:

ولأن اليقين بالعدم -كاليقين بالوجود- يحتاج إلى دليل، بطل قول (منكري وجوب المعرفة) لعدم وجود دليل قطعي بعدم وجوب المعرفة، وهو قول الأشاعرة وبعض أهل الحديث

  • المعرفة ضرورة فكرية:

كثير من الأسئلة تختلج في عقل كل إنسان، نحو:

من أين وُجِدت؟

ومن الذي أوجدني؟

ولماذا وُجِدت؟

وإلى أين سأذهب؟

ومن يُعرض عن إجابات هذه الأسئلة، يحس بنقص في باطنه لا يسده شيء، فتراه يبحث في كماليات ومسائل غير مهمة، لتلهيه عن هذه الأسئلة الجوهرية.

لا يُجيب على هذه الأسئلة إلا الدين الحقيقي، المنزل من السماء.

 

والحمد لله رب العالمين

 

فواز سرحان

17 فبراير 2016

8 جمادى الأولى 1437

[1] قال الشيخ يوسف البحراني (صاحب الحدائق) في لؤلؤة البحرين: أما الشيخ ميثم المذكور فإنه العلامة الفيلسوف المشهور، قال شيخنا العلامة سليمان بن عبد الله البحراني ــ عطر الله مرقده ــ في رسالته المسماة ( السلافة البهية في الترجمة  الميثمية ): هو الفيلسوف المحقق والحكيم المدقق، قدوة المتكلمين، وزبدة الفقهاء والمحدثين، العالم الرباني، كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني.

[2] قواعد المرام في علم الكلام للشيخ ميثم البحراني ص89، الطبعة الأولى – العتبة الحسينية المقدسة.

[3] راجع كتاب الإلهيات للشيخ جعفر السبحاني ج1 ص20، الطبعة الثامنة، مؤسسة الإمام الصادق (ع) ايران.

[4] سورة الإسراء: 36.

[5] سورة الزخرف: 22-23.

[6] سورة النحل: 78.

[7] بداية المعرفة ص59، الطبعة الأولى 1432، مؤسسة ذوي القربى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *