علامة الفعل المضارع وأحكامه – 4

الشيخ فواز سرحان
Latest posts by الشيخ فواز سرحان (see all)

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين

 

علامة الفعل المضارع وأحكامه – 4

 

انتهى الكلام عن الفعل المضارع المبني والمعرب- المرفوع منه والمنصوب -، وبقي المجزوم لتكتمل حلقة الفعل المضارع وأحكامه.

يقال للجازم في اللغة: القاطع، والجازم هو العامل، والمجزوم هو المقطوع- أي: الفعل -، ويُجزم الفعل يعني تُـقطع حركته الأخيرة ويحل مكانها السكون، أو يقطع حرف العلة إن كان الفعل معلول الآخر، أو يجزم الفعل المضارع بحذف النون إذا كان من الأفعال الخمسة، فالأول نحو: (يضربُ) تقول: (لمْ يضربْ)، والثاني نحو: (يأتي) تقول (لمْ يأتِ) و(يَنْمو) تقول (لمْ يَنْمُ)، فتحذف حرف العلة وتضع الحركة المناسبة لحرف العلة على الحرف السابق، والثالث نحو: (يَضرِبون) تقول: (لمْ يَضرِبوا)، والخلاصة أن هناك ثلاث علامات للجزم: (السكون، وحذف حرف العلة، وحذف النون).

سيكون الكلام – بعون الله – على محاور ثلاثة: (ما يقلب زمن المضارع إلى ماضٍ، وما يقلب المضارع أمرا، والشرط).

 

ما يقلب زمن المضارع إلى المضي:

تم ذكر ست مواضع لقلب زمن المضارع إلى الـمُضيّ في مقالة (معنى الفعل المضارع ودلالاته)، والمراد هنا موضع واحد منهم، يقلب المضارع إلى ماضٍ ويجزمه، وهو اقترانه بـ (لمْ) و(لما):

  • لمْ:

وهو حرف نفي وجزم وقلب، يقلب زمن المضارع إلى الماضي، نحو قولك: (لمْ أحضر درس الأمس)، ونحو قوله تعالى: {أَشْرَكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا}[1]، وقوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ}[2]، وقال سيبويه في كتابه[3] أنها لنفي (فَعَلَ)، فتسأل: (هل حَضَرَ زيدٌ الدرس؟)، فيأتي الجواب: (لمْ يحضَرْ).

وذكر الدكتور السامرائي[4] نقلا عن شذور الذهب والـمُغني ثلاث معانٍ لطيفة لـ (لمْ):

  • أن يكون المنفي مُنقطعا، نحو قوله تعالى: {لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا}[5]، ونحو قولك: (لم يحضرْ زيدٌ درس الأمس).
  • أن يكون متصلا بالحال، نحو قوله تعالى: {وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا}[6]، أي: لم أكُن ولا زلت.
  • أن يكون مستمرا، نحو قوله تعالى: {يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}[7]، {وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ}[8].
  • لـمَّا:

حرف نفي وجزم وقلب، يقلب زمن المضارع إلى الماضي، نحو قوله تعالى: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}[9]، {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ}[10].

  • فائدة: تأتي لـمّا في ثلاث معانٍ: (حينيّة، وإلا، وجازمة).
    • لـمَّا الحينِيّة: تدخل على الفعل الماضي، بمعنى (حينَ)، وهي حرف عند سيبويه أنزلها بمنزلة (لو)، وظرف عند ابن السرّاج والفارسي وابن جني، نحو قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا}[11]، {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ}[12]، وإعراضا عن الإطالة، تُطلب الزيادة في محلّها.
    • لـمَّا الإستثنائية: بمعنى إلا، مواضعها قليلة في اللغة، وتفيد الإستثناء، نحو قوله تعالى: {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}[13]، وفيها تفصيل يُطلب في محله[14].
    • لـمَّا الجازمة: وهي محل البحث.
  • مواضع المشاركة في (لمْ) و (لـمَّا):
    • أربعة مواضع كما ذكرها ابن هشام[15]، وهي: الحرفية، والإختصاص بالمضارع، وجزمه، وقلب زمانه إلى المضي.

 

  • الفرق بين لمْ ولـمّا:

ذكر ابن هشام أربعة فروقٍ بين (لمْ) و (لـمَّا)، وزادت بعض الكتب فرقا خامسا، ومفادها:

  1. أنَّ المنفي بـ (لمْ) قد يكون منقطعا وقد يكون مستمرا، نحو قوله تعالى: {يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}[16] فالنفي يفيد الإستمرار، ونحو قوله تعالى: {لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا}[17] الذي يفيد النفي فيه الإنقطاع، بينما المنفي بـ (لـمَّا) يكون مستمر إلى زمان التكلم فقط، فلا يصح أن تقول: (لـمَّا ينجح ثم نجح)، ومن جهة أخرى إنْ قلتَ: (لـمَّا يَـمُتْ زيدٌ) كان المعنى أنه لمْ يَـمُتْ إلى زمن التكلّم، وإن قلتَ: (لمْ يَـمُتْ زيدٌ) كانت تحتمل أنه لم يَـمُتْ إلى زمن التكلّم أو لم يَـمُتْ في زمان ماضٍ ثم مات.
  2. أنَّ منفي (لـمَّا) قريب من الحال ولا يكون بعيدا، ولا يشترط ذلك في منفيّ (لمْ) الذي يكون قريبا أو بعيدا، فلا يصح قولك: (لـمَّا يكن مقيما قبل سنتين)، بينما يصح قولك: (لمْ يكن مقيما قبل سنتين).
  3. المنفيّ بـ (لـمَّا) فيه معنى التوقع، بينما (لمْ) ليس كذلك، فعندما تقول: (لمْ يأتِ زيد)، فيُفهم أن زيدا لمْ يأتِ ولكنه سيأتي، بخلاف قولك: (لـمَّا يأتِ زيد)، فإنها لا يُفهم منها أنَّ زيدا سأتي، قال تعالى: {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ}[18]، والمعنى أنهم لمْ يذوقوا العذاب بعد، وسيذوقوه (والله أعلم).
  4. تقترن (لمْ) بأداة شرط، نحو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}[19]، {وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ}[20]، بعكس (لـمَّ) التي لا تقبل أداة الشرط.
  5. يجوز الإستغناء عن (لـمَّا) بذكر منفيّها إذا دلَّ عليه دليل، نحو: (قابت البلد ولـمَّا)، أي لـمَّا أدخله، بينما يقال ذلك في (لمْ).

 

ما يقلب المضارع إلى أمر:

وقد أوردتها بعض الكتب بعنوان (الطلب)، وذلك مردود لأن الطلب يشمل: (الإستفهام ، والتمني، والترجي، والعرض، والتحضيض وغير ذلك)، وتلك الأدوات لا تجزم إلا إذا اندرجت تحت عنوان الشرط، فالأصح قول: (ما يقلب المضارع إلى أمر) وتخصيص ذلك بـ (لام الأمر) و (لا الناهية):

  • لام الأمر:

وتُدعى (لام الطلب) كذلك، فإنها إذا دخلت على الفعل المضارع تُفيد الطلب، نحو قوله تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ}[21]، فـ {يُنفِقْ} مجزومة بلام الأمر وعلامة الجزم السكون.

وفي الأصل تُكسر (اللام) ، بينما تُسكَّن بعد (الواو) و (الفاء) نحو قوله تعالى: {فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي}[22]، وقد تُسكَّن بعد (ثم) نحو قوله تعالى: {ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ}[23]، وقرأتها قبيلة سليم بالفتح ليس لها محل من الإعراب.

وقد يكون الفعل المضارع مجزوما بـ (لام أمر) مقدرة إن كان يُفهَم من الفعل الطَّلَب، نحو قول أبو طالب (ع):

محمد تَفْدِ نفسك كلُّ نفسٍ               إذا ما خِفْتَ من أَمْرٍ تَبَالَا

والتقدير: لـتَفْدِ، والفعل مجزوم بلام مقدرة وعلامة الجزم حذف حرف العلة (الياء).

ويمكن استعمال – لام الأمر – للمتكلم نفسه، والغائب كذلك:

  • المتكلم نفسه:

نحو قولك: (لأشهدْ لديه) و (لأذهبْ إليه) و (قوموا لأُصَلِّ بكم)، ومنه قوله تعالى: {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ}[24].

  • الغائب:

نحو قولك: (ليخبرْه عليٌّ بما حصل)، وتجد ذلك في قوله تعالى: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ}[25]، ومن فروع الغائب (المبنيّ للمجهول)، نحو: (لتُخبَرْ بما جَرى) و (لأُعطَ حقّي).

  • فائدة: قد يتعطل الجزم في (لام الأمر) في بعض المواضع، نحو:
    • إذا كانت بمعنى الدعاء، نحو: (ليغفرَ الله لك).
    • إذا كانت بمعنى التهديد، نحو قوله تعالى: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}[26].
    • إذا كانت بمعنى الخبر، نحو قوله تعالى: {مَن كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا}[27].
  • فائدة ثانية: إذا جاء الأمر بصيغة غير مباشرة، وكان الفعل متصل بنون النسوة، يُقدَّم إعمال نون النسوة في الفعل المضارع، نحو قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}[28]، فإن المعنى: ليتربصن، أي: أمر بالتربص، وكذلك قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ}[29].

 

  • لا الناهية:

تُستخدم لطلب الترك، نحو قوله تعالى: {لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ}[30]، {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[31]، {لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}[32]، {وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ}[33].

ومن أساليب اللغة العربية أن يُنهى الفاعل ويكون المقصود غيره، نحو قولك: (لا أرَيَنَّكَ ههنا)، فالنهي للمتكلم نفسه، وبتفكيك الضمائر مع المسامحة: (لا أرى أنا زيد هنا)، كأنما القصد نهي نفسه عن الرؤية، ولكن المقصود هو المخاطب، والتقدير الصحيح: (لا تَكُنْ هنا حتى لا أراك)، ونحو قوله تعالى: {وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ}[34]، جاء إسناد الإعجاب للأموال، فالنهي للأموال، بينما المنهي في الواقع هو المخاطب.

وكذلك قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ}[35]، فالنهي للشيطان، ولكن في الحقيقة للمخاطب.

فائدة: إذا جاء النهي بصيغة الخبر – لا بصيغة النهي المباشر -، فإنه يُرفع ولا يُجزم، نحو قولك مخاطبا أحدهم: (لا يُكرهُ أحدٌ في الدين)، وتجد ذلك واضحا في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ}[36]، {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ}[37].

وبناء على اللفتة الأخير تواجهنا مشكلة في مسألة أوردها بعض النحاة بدون علاج، فقد يخرج المجزوم بـ (لا الناهية) عن معنى النهي إلى معنى آخر، كالدعاء نحو: (لا يَفضضِ الله فاك)، والتهديد نحو قولك مخاطبا إبنك: (لا تقرأْ ولا تذهبْ إلى المدرسة) وأنت تقصد: ( إن لم تفعل سترى ما لا يُعجبك)، وكالتمني ومنه مخاطبة ما لا يعقل، نحو: (يا عَـيْـنَيَّ لا تجمدا).

وهنا تقع بين أمرين – مُقتَرحَيْن – لحل الإشكال:

إما تقول أنَّ النَّهي ما زال موجودا – ولو ضمنيا -، بِـحَيْث أنَّ المعنى مع تَغيّره بَـقِيَ نَهياً (مع ضميمة المعنى الآخر) والـمُراد الجدّي هو النَّهي.

وإما تقول أنَّ المعنى تغيَّر فِعليًّا ولكنه اندرج تحت جواب الشرط، وهو قسم آخر من الجوازم، فيبقى مجزوما كما هو ولكن السبب تغير، بحيث تُقدِّر معنى للجملة فيها شرطٌ وجوابه، وقد لَـمَّحَ لذلك سيبويه في (الكتاب) – بشكل جزئي – وذكر بعض الآراء المخالفة، وأيّدَهُ الدكتور السامرائي أيضا[38]، كما رفض عباس حسن[39] حل مشابه عَلَّلَّهُ بأنه قول الكوفيين وأنه يستلزم فوضى التعبير ويترتب عليه – بغير داع – اضطراب الفهم واختلافه، وخلاصة الكلام أن توسعة معنى الشرط وإدراج الجوازم تحته[40]، من شرط واضح أو ضمني هو الحل للمسألة أعلاه، ورسم التشجير في أعلى المقالة يوضح المقصد.

وسأتي الكلام إن شاء الله على الشرط في المقالة القادمة إن شاء الله.

 

والحمد لله رب العالمين

 

فواز سرحان

النجف الأشرف

8 مارس 2016

28 جمادى الأولى 1437

 

 

[1] سورة آل عمران: 151.

[2] سورة الأنفال: 17.

[3] كتاب سيبويه (الكتاب) ج1 ص460.

[4] معاني النحو ج4 ص8.

[5] سورة الإنسان: 1.

[6] سورة مريم: 4.

[7] سورة التوحيد: 3.

[8] سورة محمد: 15.

[9] سورة الحجرات: 14.

[10] سورة ص: 8.

[11] سورة آل عمران: 165.

[12] سورة القلم: 51.

[13] سورة الطارق: 4.

[14] انظر النحو الوافي ج2 ص282، والأشموني ج4 ص254 باب الجوازم عمد ذكره لـمّا الجازمة.

[15] قطر الندى ص115.

[16] سورة التوحيد: 3.

[17] سورة الإنسان: 1.

[18] سورة ص: 8.

[19] سورة المائدة: 67.

[20] سورة البقرة: 249.

[21] سورة الطلاق: 7.

[22] سورة البقرة: 86.

[23] سورة الحج: 15.

[24] سورة العنكبوت: 12.

[25] سورة النساء: 102.

[26] سورة الكهف: 29.

[27] سورة مريم: 75.

[28] سورة البقرة: 228.

[29] سورة البقرة: 233.

[30] سورة لقمان: 13.

[31] سورة التوبة: 40.

[32] سورة طه: 61.

[33] سورة القصص: 77.

[34] سورة التوبة: 85.

[35] سورة الأعراف: 27.

[36] سورة البقرة: 84.

[37] سورة البقرة: 88.

[38] معاني النحو ج4 ص11.

[39] النحو الوافي ج4 ص 310، الطبعة الأولى، مكتبة المحمدي بيروت.

[40] باستثناء ( لَمْ، ولـمَّا، ولا الناهية، ولام الأمر).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *