صناعة العرف

الميرزا الشيخ عباس العصفور
Latest posts by الميرزا الشيخ عباس العصفور (see all)

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .

لكل فعل اعتبار من جهة ما عند العقلاء، فتارة تقوّم لشخص الفاعل وظرفه وتارة للظرف العام وفينة لمن وقع عليه الفعل، فالحكم العرفي حينئذٍ يكون مختصا بجهات الاعتبار في لحاظ المصلحة والمفسدة، فما كان ظرفا عاما أو خاصا يتقيد به وما كان ذاتا أو موضوعا يندرج تحت عناوينه العرفية المحكومة به.

فالجهات الظرفية المأخوذة في عين الاعتبار الشرعي هو مما له الأثر الموضوعي وعنوانه الشرعي في المعاملات بين الناس، كتقويم الأسعار حال تفضيلات السلع في موسم ما وفرقه مع ظرف عادي غيره حال تعلق قيمته في الذمة حين التلف زادت أو نقصت، رغم أن هذه القيمة تتغير بتغير الظرف والأحداث حولها.

والذوات يلحظ في ماهيتها عناوين الموضوع الشرعي من قريب أو بعيد بحسب تصنيفه وما كان منه وما يُحكم به، ككون المعاملة ذات ماهية ربوية أم لا؟ أو كون العقد المستحدث يحمل على الصحة أو البطلان في حكمه وحكم التعامل به، وبهذا قد تتقيد الذات بقيود المحمول من مفهوم العنوان الشرعي من حيث وجوده أو عدمه في تباين خاص بحسب ما يخلفه من أثر شرعي في سياق شرطي من الوجود والعدم، فما عد صحيحا كان موجودا وما عد باطلا كان في حكم المعدوم شرعا، وفي نفس السياق قد تؤخذ حتى العناصر العرفية الزائدة عن مفهوم العنوان الشرعي بشرط الإضافة له إن تعلقت بالعقود والعهود وجودا أو صحة.

فقد يهرع وجهاء قوم أو أهل الحرف والمهن لصناعة عرف ما كالقيمة السوقية أو أجور المنافع أو كيفيات المنافع وتسمياتها أو تجزيئها وتقسيمها خصوصا في المدن الصغيرة حيث يكونون معدودين على الأصابع، فيتفقون ويتسالمون ويشيعون عرفا معينا يحكمون به في السوق وفي الحياة الاجتماعية من كيفيات الزواج والطلاق الخارجة عن الصيغة الشرعية في أمورهم الحياتية حتى يشيع ويصبح جزءا من حياتنا كم يفعله الإعلام في المجتمع ضمن هذه الكيفيات حتى في المأكل والملبس.

فلو نظرنا للعرف وطبيعته الظرفية وتأملناه نجده محلا للحوادث والمتغيرات بحدوثيات العالم من تطورات حادثة ومتغيرة تؤثر في تغير الثقافات عبر تلاقحاتها الفكرية حيث تتعدد المعايير في البيع والشراء أو تتغير فيترك المعيار السابق في المكيل والموزون بل قد لا يباع بالمعيارين السابقين ويتحول بيعه معدودا بحسب الاستهلاك السوقي واتفاق التجار في المجتمع أو ما يفرضه عليهم القانون الوضعي في الاستيراد والتصدير، أو جنوحهم لتقليل العرض ليحصلوا كثرة الطلب بين الناس.

لذا فإن الشريعة السمحاء تلحظ ذاتية البيع وتقيد ماهيته بمفهوم العنوان الشرعي وتحليل كل تلك التغيرات بقانون التراضي عرفا ولا تتدخل بتحولات المكيل والموزون والمعدود ولا تتقيد بأحدهم لأنها تلحظ في اعتباراتها ما يؤثر في البيع فقط من تحديد الكم والعوض عن المعوض ولا تمنع إلا بما له مانع شرعي حتى لو تراضى عليه العرف كالربا المحرم بدليل تحليل البيع وتحريم الربا .

قد يرجع العالم المجتهد والحاكم الشرعي للعرف لبيان هذه المقادير في أحكامه الفعلية والنزاعات بين الناس باعتبار كلام أهل الصنف والخبرة في تحديد المشكوك والمبهم لتحقيق الحكم بالظاهر.. وما نراه اليوم من تصحيح البيع المعاطاتي بالتراضي وبلا صيغة لفظية مخصوصة بالبيع دليل على إمضاء صورة البيع الحاصلة بالتصرف الدال على الإيجاب والقبول عرفا بين الطرفين.

وقد يتعدى الناس على نحو متعارف بزيادة ما لا يضر بماهية المعاملات كزيادة أيام الخيار أو إضافة متاع للعروس كهدية خارجة عن المهر أو داخلة فيه يعده الشارع اتفاقا أو تراضيا على أمر مشروع وقد يصنف مثل هذه الأمور شروطا في العقود إن تم ذكرها ضمنيا، فتتعدى حينها عن كونها اتفاقا أو تراضيا محضا لتكون شرطا في صحة العقد.

الحاكم الشرعي يرجع في نزاعاتها للمتعارف حيث مهر المثل للعروس، والتقويم بحسب العرف في القيمة السوقية، حتى الأرش كذلك يكون بما تعارف عليه أهل الحرف والصناعات والأصناف ليخضع لأقوال أهل الخبرة لمعرفتهم بهم وبالحال السائد عرفا.

 

والحمد لله رب العالمين

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *