التشخيصات العرفية

الميرزا الشيخ عباس العصفور
Latest posts by الميرزا الشيخ عباس العصفور (see all)

تبين مما سبق عبر استقراء الحالات الاجتماعية ونظرة المتشرعة أن العرفيات المسلمة عند المجتمعات منها ما هو موروث تأريخي أو ديني كما أسلفنا سابقا، وكذلك منه ما هو ثابت وما هو متغير بحسب الحاجة الاجتماعية والدينية الخاصة، كما وأن منها ما هو تلقائي عفوي وما هو مدروس.

ومن العرف ما يتم الإقناع بالحاجة إليه على نحو الترغيب وإبرازه كنوع من أنواع الحلول لمشكلة ما في المجتمع عادة، وحينما يعجب الناس دوره ووضعه يتسالمون عليه ومن ثم يشيع استحسانه فيتعاملون به بينهم.

حينها تتدخل الشريعة من عدة وجوه مهمة على نحو تنظيمي وتشريعي حسب مقتضى الحال وبروز عناوين مختلفة تحتاج للتشريع لكونها متعلقات بأحكام تختص بتلك العناوين.

اشتبه كثيرون حينما اعتبروا بأن التسالم تحت عنوان التراضي كاف لتصحيح كافة المعاملات عبر السياقات والصور العرفية، وذلك _في نظرهم_ كافٍ لتغيير صور المعاملات عبر تحويلها لجعليات خاصة في صور التراضي دائما، ولكن ذلك قد يتوقف في حالات شرعية كثيرة كالربا والمعاملات المحرمة حيث وجود المانع الشرعي من التداول بهذه الصورة.

كما لا يمكن أن نحكم على خمرٍ مثلا بكونه خلا، إن كان مازال بحكم الخمرية شرعا ولم يستوفِ كافة شروط فساده ليحكم بكونه خلا ولو تسالمت الناس على ذلك.

نعم، قد يمضي الشارع بعض العرفيات والمعاملات حسب المقتضي وإن خالفت واقعا ما بشرط أن إمضاء أمثالها تكون لتدارك مصلحة عامة للمجتمع، ودفع مفسدة واقعية كبيرة بحال من الأحوال، ولكن العناوين المحرمة غير داخلة في مثل هذه الإمضاءات إلا في حال الاضطرار وهذه قضية شخصية للفرد وظرفية للمجتمع بلحاظ آخر مجموعي، لا يمكن جعلها عرفا أو قانونا عرفيا يعمل به دائما.

وقد يتغير الحكم الشرعي المتعلق بعنوان ما قد تم تشخيصه عرفا كلباس الشهرة مثلا، بحسب تغير التشخيصات، فما كان شاذا بالأمس قد يكون متعارفا اليوم، وما كان مكروها ومرفوضا قد يصبح مرغوبا بحسب ما يشيع ويشتهر بين الناس، فيصبح لباس الشهرة عاديا لا شهرة له فينتفي سبب المنع عنه.

كما قد تتغير ملابس الحداد للمتوفى عنها زوجها بحسب التسالم العرفي، فالمتعارف في النصوص الشرعية لبس الملابس الداكنة، ولكنها تتحول لملابس فاتحة في شرق آسيا حيث يتسالمون على جعل اللون الداكن للفرح والفاتح للحداد، فيتحقق عنوان الحداد الشرعي عندهم بلبس الأبيض.

فالحقائق الشرعية والمتشرعية تمثل واقعا حكميا وتشخيصا خاصا له طرقه الخاصة المختلفة عن التشخيص العرفي فلا يمكن جعل العرف حاكما أو مشخصا فيها بحال ولا التصرف بتحويلها لعناوين كي يغير متعلق الحكم الشرعي وإن كانت الحقيقة المتشرعية تخص عرف المتشرعة ولكن لتسالم ذلك العرف معاييره الخاصة المتمسكة بالسياق الشرعي وهذا يختلف عن السياق العرفي المجرد ..

 

والحمد لله رب العالمين

 

الميرزا عباس العصفور

النجف الأشرف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *