علامة الفعل المضارع وأحكامه – 5

الشيخ فواز سرحان
Latest posts by الشيخ فواز سرحان (see all)

أدوات الشرط

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين

 

علامة الفعل المضارع وأحكامه – 5

 

ذكرنا في المقالة السابقة ما يجزم فِعلًا مضارعًا واحدًا، وبقى ما يجزم فِعلَيْن، وهو أسلوب الشَّرط، وفيه يُـجزَمُ فِعْلُ الشَرط وجوابه.

واستيعاب اسلوب الشرط بتمامه – كلامٌ – فيه إطالة، نخرج بذلك عن المطلب، لأنَّ الموضوع هو جوازم الفعل المضارع، بينما الشرط عارضٌ يَعرضُ على الفعل المضارع والماضي وشبه الجملة كذلك، ولكن لا بأس بالتعرض لبعض المسائل للتَوْضيح بشكل مختصر، من باب استيضاح المقسم في الأبواب وذكر التعدد.

 

تعريف أُسلوب الشرط:

قالوا في معنى الشرط: أنْ يقع شيء لوقوع غيره، وبعبارة أخرى: أن يتوقف وقوع شيء على تحقق شيء قبله، فإذا وقع الأول وقع الثاني، نحو: (إنْ تَـزُرْني أُكرمْك)، ونحو قوله تعالى: {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ}[1]، فـ {فَإِنْ} الفاء استئنافية، إنْ أداة شرط جازمة، {قَاتَلُوكُمْ} فعل ماضي مبني على الضم لإتصاله بواو الجماعة، الواو في محل رفع فاعل والكاف في محل نصب مفعول به، والفعل الماضي في محل جزم فعل الشرط إن، {فَاقْتُلُوهُمْ} الفاء رابطة لجواب الشرط، اقتلوهم فعل أمر مبني على حذف النون والواو في محر رفع فاعل والهاء في محل نصب مفعول به، والجملة من الفعل والفاعل في محل جزم جواب الشرط.

 

تنبيه:

قد يخرج أسلوب الشرط عن المعنى السابق، أي: لا يكون الثاني مُسَبَّبـًا عن الأوَّل ولا متوقفًا عليه، نحو قوله تعالى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}[2]، فالكلب في الآية يلهث سواء حملت عليه أم لم تحمل، أي: لم يتوقف تحقق الثاني على تحقق الأول، ولكن إعرابيّا تبقى إن الشرطية جازمة لِفِعْلَيْن، فـ {إِنْ} حرف شرط جازم، {تَحْمِلْ} فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط وعلامة جزه السكون، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، {عَلَيْهِ} جار ومجرور متعلقان بـ {تَحْمِلْ}، {يَلْهَثْ} فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط وعلامة جزمه السكون، والفاعل ضمير مستتر، {أَوْ} حرف عطف للتخيير، {تَتْرُكْهُ} فعل مضارع مجزوم لأنه معطوف على فعل الشرط وجوابه ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت، {يَلْهَثْ} فعل مضارع مجزوم لأنه معطوف على فعل الشرط وجوابه، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو.

ومثال آخر قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}[3]، فالله لا يُـحِبُ الكافرين، سواء تَوَلَّوا أم لا، و{فَإِنْ} الفاء اسئنافية، إنْ شرطية جازمة، {تَوَلَّوْا} له وجهان من الإعراب، أحدهما أن يكون فعلا مضارعا حُذِفَتْ تاؤُهُ، مجزوم لأنه فعل الشرط وعلامة جزمه حذف حرف النون، فيكون في الأصل (تَتَوَلَّوْن)، والآخر أنْ يكون فعلا ماضيا في محل جزم فعل الشرط، {فَإِنَّ اللَّهَ} الفاء واقعة في جواب الشرط، إنَّ حرف توكيد ونصب، لفظ الجلالة إسم إن، {لاَ يُحِبُّ} (لا) حرف نفي، (يحب) فعل مضارع مرفوع وعلامه رفعه الضمة، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو، {الْكَافِرِينَ} مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم، والجملة من (الفعل والفاعل) في محل رفع خبر إنَّ، وجملة {لاَ يُحِبُّ} في محل جزم جواب الشرط.

ونحو قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ}[4]، فهو لا يعبد غير الله سواء شَكُّوا أم لم يشُكُّوا.

قال الدكتور السامرائي: (فليس الشرط على هذا من باب السبب والمسبب دومًا وإنما الأصل فيه أن يكون ذلك)[5].

 

تنبيه آخر:

وقبل الشروع في ذكر أدوات الشرط الجازمة، لا بد من معرفة أنَّ فعل الشرط وجوابه يَأْتِيان بصيغة المضارعة والـمُضِي، فتجزم المضارع مباشرة والماضي محلًّا، ويأتي بصيغة جملة اسمية فيُجزم محلًّا.

المضارع نحو قوله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ}[6]، قال الشاعر:

رُدُّوا السيوفَ إلى الأغمادِ وآتَّئِدُوا              مَنْ يُشْعِلْ الحربَ يُصْبِحْ مِنْ ضحاياها

والماضي نحو قوله تعالى: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا}[7]، قال الشاعر[8]:

صُم إذا سَمِعُوا خَيْراً ذُكِرْتُ بِهِ                وإنْ ذُكِرْتُ بسُوءٍ عِنْدَهُمْ أَذِنُوا

وشبه الجملة اذا حلَّت محل الجواب:

نحو قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}[9]، حيث جملة {لاَ يُحِبُّ} في محل جزم جواب الشرط ، قال الشاعر:

إنْ كنتَ عَنْ خَيرِ الأنَامِ سَائِلا                 فَخَيْرُهُمْ أكثَرُهُمْ فَضائِلا

 

أدوات الشرط:

المهم هو أدوات الشرط الجازمة، وذِكْرُ القِسْمَان الآخَرَان لتوضيح حدود أدوات الشرط الجازمة وأن الباقي خارجين عنها.

 

أدوات الشرط الجازمة:

هناك خلاف على عددهم، فأقلُّهم قال ستة، وأكثرهم اثنا عشر، ونذكر منها أحد عشر، وتنقسم إلى قسمين، أسماء وحروف:

 

أولا: الحروف:

ليس لهما محل من الإعراب، وهما حرفان:

  1. إنْ: ولها ستة أنواع تقريبا[10]، واحد منها الشَّرْطِيّ الجازم، قال الدكتور السامرائي: (تُسْتَعمل “إنْ” في المعاني المحتملة الوقوع)[11]، نحو قوله تعالى: {إِن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً}[12]، {وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ}[13].
  2. إذْما: انقسم النُّحاة إلى قسمين، فقال أكثرهم أنها حرف بمعنى (إنْ)، وقال البعض أنها اسمٌ تشبه (متى) الظرفية للاستقبال، ومثالها: (إذْما تَذهَبْ أذهَبْ)، قال الشاعر:

وَإِنَّكَ إِذْمَا تَأْتِ مَا أَنْتَ آمِرٌ                  بِهِ تُلْفِ مَنْ إِيَّاهُ تَأْمُرُ آتِيَا

فـ (إِذْمَا) أداة شرط جازمة، (تَأْتِ) فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط وعلامة جزمه حذف حرف العلة، (تُلْفِ) جواب الشرط مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة.

 

ثانيا: الأسماء:

تُعرب حسب موقعها في الجملة، وهي كما يلي:

  • مَنْ: أداة شرط جازمة وتستخدم للعاقل، نحو قال تعالى: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}[14]، {وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا}[15]، ونحو قولك: (مَنْ يَدْرُسْ يَنْجَحْ).
  • ما: أداة شرط جازمة لغير العاقل، نحو قوله تعالى: {مَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ}[16]، {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}[17]، ونحو قولك: (ما تفعل أفعل).
  • مهما: أداة شرط لغير العاقل أيضا، نحو قولها تعالى: {وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}[18]، ونحو قولك: (مهما يحدثْ فإني أُعزّك)، قال الشاعر[19]:

أغَرّكِ مِنِّي أنّ حُبّكِ قاتِلي            وأنكِ مهما تَأْمُرِي القَلْب يفعلِ

  • أيّ: أداة شرط جازمة تستخدم للعاقل ولغير العاقل، حسب إضافتها، نحو:
    • العاقل: (أيُّ رجلٍ تُحبْ أُحِبْ) و (أيُّ فقيرٍ تُعطِ أُعْطِ).
    • غير العاقل: (أيُّ سيرٍ تَسِرْ أسِرْ) و (أيُّ كتابٍ تقرأْ أقرأْ)، وللزمان نحو: (أيُّ يومٍ تعملْ أعملْ)، وللمكان نحو: (أيُّ أرضٍ تنزلْ أنزلْ).
    • وقد تدخل عليها (ما) نحو قوله تعالى: {أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى}[20].
  • متى: أداة شرط جازمة لظرفيّة الزّمان، نحو قولك: (متى تتعلمْ تتقدمْ) و (متى تأتِني أُكرمكْ).
  • أيَّان: أداة شرط جازمة لظرفيّة الزّمان أيضا، نحو قولك: (أيَّانَ تطعِ اللهَ يساعدْكَ) و (أيَّان تُنادِ أُجِبْك)، قال الشاعر:

أَيَّانَ نُؤْمِنْكَ تَأْمَنِ غَيْرَنَا، وَإِذَا                  لَمْ تُدْرِكِ الأَمْنَ مِنَّا لَمْ تَزَلْ حَذِرَا

  • أينما: أداة شرط جازمة لظرفية المكان، نحو قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ}[21]، وقولك: (أينما تَكُنْ تَنجحْ)، قال الشاعر[22]:

صَعْدَةٌ نابِتَة في حَائِرٍ                  أَيْنَما الرِّيحُ تُميِّلْهَا تَمِلْ

  • حيثما: أداة شرط جازمة لظرفية المكان الـمُبْهَم، نحو قوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}[23]، ونحو قولك: (حيثما تنزلْ تُحتَرَمْ)، قال الشاعر:

حيثُمَا تَسْتَقِمْ يُقَدِّرْ لكَ              اللَّهُ نَجاحًا في غابِرِ الأزمانِ

  • أنّى: أداة شرط جازمة لظرفية المكان (عموم المكان)، نحو قولك: (أنّى تذهبْ أذهبْ)، قال الشاعر:

فَأَصْبَحْتَ أَنَّى تَأْتِهَا تَسْتَجِرْ بِهَا                 تَجِدْ حَطَبًا جَزْلاً وَنَارًا تَأَجَّجَا

 

أدوات الشرط المختلف فيها:

وهي ثلاث أدوات إذا أُريد باستخدامهم الشرط:

  • إذا: ظرف زمان مستقبل، وشرطية في أغلب استعمالاتها، والجزم بها مقصور على الشعر، قال الشاعر[24]:

وَإِذَا تُصِبْكَ خَصَاصَةً فَارْجُ الغِنَى               وَإِلَى الَّذِي يُعْطِي الرَّغَائِبَ فَارْغَبِ

  • كيف: وهي للسؤال عن الكيفية والهيئة، وتستخدم كأداة شرط لبيان الكيفية، (وتحتاج لجملة شرطية وجملة جوابية)[25]، والظاهر من كلماتهم أنها تفيد الشرط ولكنها لا تجزم.
  • لو: قال عباس حسن: (وأما “لو” الشرطية، فخير الآراء أنها لا تجزم مطلقا، لا في النثر ولا في الشعر)[26].

 

أدوات الشرط الغير جازمة:

وهي أدوات نفيد الشرط، لكنها لا تجزم، وهي خارج محل البحث كسابقتها، وهم: (لو، لولا، لوما، كلما، إذا، لما، أما).

 

وسيأتي الكلام عن فعل الشرط وجوابه وبعض النقاط لـخِتامِ المطلب في المقالة القادمة إنْ شاء الله.

 

والحمد لله رب العالمين

 

فواز سرحان

النجف الأشرف

27 مارس 2016

16 جمادى الثاني 1437

 

[1] سورة البقرة: 191.

[2] سورة الأعراف: 176.

[3] سورة آل عمران: 32.

[4] سورة يونس: 104.

[5] النحو العربي ج2 ص455 نقلا عن معاني النحو.

[6] سورة ابراهيم: 19.

[7] سورة الإسراء: 8.

[8] قيل أنه قعنب ابن أم صاحب بن ضمرة.

[9] سورة آل عمران: 32.

[10] النحو الوافي ج4 ص326.

[11] معاني النحو ج2 ص458.

[12] سورة الأنفال: 29.

[13] سورة الأنفال: 19.

[14] سورة النساء: 123.

[15] سورة آل عمران: 145.

[16] سورة البقرة: 197.

[17] سورة البقرة: 106.

[18] سورة الأعراف: 132.

[19] القائل هو امرؤ القيس.

[20] سورة الإسراء: 110.

[21] سورة النساء: 78.

[22] كعب بن جعيل.

[23] سورة البقرة: 144.

[24] هو النمر بن تولب.

[25] النحو الوافي ج4 ص334.

[26] النحو الوافي ج4 ص334.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *