فضلُ صلاةِ الجماعة

الشيخ زهير الشيخ محمد الشيخ جعفر الخال

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين الرسول المسدد والنبي المؤيد أبي القاسم محمد بن عبدالله وعلى آله الهداة الطيبين الطاهرين..

? روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ): { ومن حافظ على الجماعة حيثما كان مرّ على الصراط كالبرق الخاطف اللامع في أول زمرةٍ مع السابقين ووجههُ أضوأ من القمر ليلة البدر، وكان له بكل يوم وليلة حافظ عليها ثوابَ شهيد }.المصدر: وسائل الشيعة للحر العاملي، الجزء الثامن، الصفحة: ٣٠٧.

? إن { صلاة الجماعة } من أعظمِ شعائِر الدين الحنيف، ومن المستحبات الأكيدة التي أكد عليها القرآن الكريـم، وأكد عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيتِ العصمةِ والطهارة (عليهم أفضل الصلاة والسلام).
? لقد بُنيت الثقافة الإسلامية على أساس طرد الأنانية، وإخراج الإنسان من عزلته وانفراده، فكلُ واحد من تعاليم الشارع المُقدس والإلتزامات الشرعية تدفع بالفرد والمجتمع إلى الإنضمام إلى عموم البشرية.

إن للدين أبعاداً عديدة، وقيماً وتعاليماً، ومناهجاً تنظم حياة الناس وشؤونهم الإجتماعية، مع ما فيه من عبادات ومناسك يؤديها الإنسان بينهُ وبين الله تبارك وتعالى، فهناك بعض المناسك والعبادات تقوم على حالة جماعية يمارسها الناس مع بعضهم البعض، وأبرز ذلك ( مناسك الحج ) الذي يجتمعُ فيه الناس من كل أقطار المعمورة في وقتٍ واحد وموسمٍ محدد.
? ومن تلك التعاليم والمظاهر التي أكد عليها الإسلام الحنيف هو { صلاةُ الجماعة }، فقد شرعها الله عز وجل ورغبَّ في حضورها في قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) سورة البقرة: آية ٤٣.، فهنا دعوةٌ إلهيةٌ مباركة لصلاة الجماعة، حيثُ عبرت الآية الشريفة بأهم أركان الصلاة وهو الركوع ( واركعوا مع الراكعين ).

? وقد أكد سيدُ الأنبياء (صلى الله عليه وآله) في حديثه على صلاة الجماعة والحث عليها، في قوله (ص): (( صلاةُ الرجل في جماعةٍ خيرٌ من صلاته في بيته أربعين سنة )) فقيل يا رسول الله: صلاةُ يوم ؟ فقال (ص): (( إذا كان العبد خلف الإمام كتب الله له مائة ألف ألف وعشرين درجة )). مستدرك الوسائل ج١، ص٤٤٦.

? وفي حديثٍ آخرٍ رويَّ عنه (ص) قولهُ: (( من لزم الجماعة مرّ على الصراط كالبرق وظفر بالجنة )). ثواب الأعمال ص٣٢٣.

? وأكد رسول الله (ص) على نيةِ العبد القاصد للمسجد من أجل صلاة الجماعة والثواب الذي يعطيه اللهُ تبارك وتعالى إليه، ما روي عنه (ص): (( مَن مشى إلى مسجدٍ يطلبُ فيهِ الجماعة، كان لهُ بكل خطوةٍ سبعُونَ ألفَ حسنة .. فإن ماتَ وهو على ذلك وكّل الله به سبعون ألف مَلَكٍ يعودونهُ في قبرِه ويُبشرونه ويؤنسونهُ في وحدته، ويستغفرون لهُ حتى يُبعَث )). وسائل الشيعة/ صلاة الجماعة: باب ١، ح ٧.

? وفي رواية يحثُ فيها على الجماعة، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (( أما الجماعة فإن صفوفَ أُمتي كصفوفِ الملائِكة، والركعة في الجماعةِ أربعٌ وعشرون ركعة، كل ركعةٍ أحبُ إلى الله – عز وجل – من عبادة أربعين سنة )). وسائل الشيعة/ صلاة الجماعة: باب ١، ح ١٠.

? وإن لِصلاةِ الجماعة فوائِدٌ وآثارٌ وعوائد مباركة، نذكُرُ بعضها:
١) تعرف المسلمين والمؤمنين على بعضِهم البعض: من أَنْجَحِ الطُرُق في التعارف والتواصل بين المؤمنين برنامجُ ( صلاةِ الجماعة )، من بين كل تلك البرامج والخطط والأساليب للتعارف أقواها عاطفة وأَنْفَسها قِيمة، التعارف في بيت الله عز وجل.

فعن إمامنا وسيدنا ومولانا الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): (( مَن صلى خمس صلواتٍ في اليوم والليلة في جماعةٍ فظنوا بهِ خيراً وأجيزوا شهادته )). بحار الأنوار، ج٨٨، ص٨.

فإن هذا البرنامج العبادي الذي يجتمع فيه المؤمنون يجعلهم قادرين على التعاون فيما بينهم، وأن يواجهوا أيَّ موقفٍ يعرضهم للإبتلاء، ويؤيد أبناء المسجد الواحد، فإذا احتاج أحدهم لمعونةٍ أو حاجةٍ أو أمر، يتكاتفون ويتعاونون مع بعضهم البعض، أو إذا احتاج أحدهم لشهادةٍ في محكمة، وعبر الإمام عنه ( أجيزوا شهادته ).

بل أكثر من ذلك، أن تواجد الإنسان في صفوف صلاةِ الجماعة يجعلُ من تواجده أنَّ المجتمع يعرفه، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (( إذا سُئِلتَ عَمَنْ لا يشهدُ الجماعة، فَقُل: لا أعرفه )). مستدرك الوسائل للنوري، ج٦، ص ٤٥١.

٢) التفقهُ في الدين: التواجد في المسجد وصلاة الجماعة، طريقٌ للمؤمن في أن يتفقهَ أحكامَ دينه، فمن لا يستطيع بأي حالٍ من الأحوال الحصول على تعاليم الدين الفقهية، فالحضور في الجماعة طريقٌ للتعلُم، من سبيل سؤال إمامِ الجماعة للمسائل التي يحتاجُها.

وكذلك ما نُشاهِده اليوم من حديث أئِمة الجماعة بعد الصلاة، الذين يتحدثون ويُرشدون المجتمع الإسلامي لتعاليم الدين سبيلٌ وطريقٌ مُباركٌ للتعلم الديني المبارك، فمساجدُنا مدارسٌ مباركة، فقد كان المسجدُ منذُ صدر الإسلام الأول مدرسةً تبثُ التعاليم السمحة المباركة.
٣) عرض الإسلام على المجتمع: الصلاة نموذجٌ من النماذج العالية والوسائل المباركة في اجتذاب الأشخاص والتأثير عليهم، لنقلهم من الظلمات إلى النور، وهي عقيدة مجسدة للدين ومثال حي معبرّ عن الإسلام، كما رويَّ عن سيدنا ومولانا الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام): (( أنها تتمُّ الحُجة على كثيرٍ من الناس، فلا يعتذرون بجهلهم عن الإسلام والعقيدة )). وسائل الشيعة: ج٥، ص٣٧١.

٤) بث الخوف والرعب في الأعداء: صلاة الجماعة مظهرٌ مِن مظاهر قوة المسلمين، والتي تُدخِل الرُعب في صفوف الأعداء، فهيَّ طريقةٌ سلمية وسليمة وهادئة لإستعراض قوة المسلمين.

إعلانٌ عن الوجود والصمود في وجه الكفار، فعندما أمرَ الله سبحانهُ وتعالى نبيهُ المصطفى (ص) أن يُعلن عن الدين الحنيف، كانت إقامة صلاة الجماعة التي شاركَ فيها رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع)، وجعفر بن أبي طالب (ع)، أولى خطواته في هذا المنهج والطريق.
وأعظم شاهد على أنها تُدخل الرعب في قلوب الأعداء، صلاةُ الإمام الحسين (عليه السلام) بأصحابه يوم العاشر من المحرم بعدما أوقف الحرب من أجل الصلاة، لأن النهضة الحسينية المباركة كانت تكليفاً إلهياً ووظيفة شرعية، وعبادة عالية، فالبُعد العبادي كان جلياً في عاشوراء.

? يقولُ الرواة: (( لما حلَّ وقتُ صلاة الظهر يوم العاشر من المحرم، أمرَ الحسينُ (ع) زهير بن القين وسعيد بن عبدالله الحنفي، أن يتقدما أمامهُ بنصف ممن تخلّف معه، ثم صلى بهم صلاة الخوف، فوصل إلى الحُسين سهمٌ، فتقدم سعيد بن عبدالله الحنفي ووقف يقيه بنفسه .. حتى سقط إلى الأرض وهو يقول: اللهم إلعنهم لعن عادٍ وثمود، اللهم أبلغ نبيك عني السلام وأبلغهُ ما لقيتُ من ألم الجراح، فإني أردت ثوابك في نصر ذرية نبيك، ثم قضى نحبه رضوان الله عليه، فوُجدَ به ثلاثة عشر سهماً سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح )). اللهوف ص ٦٦.

? الصلاة جماعة في تلك الظروف غير الطبيعية لها نكهةٌ خاصة، تُزود الإنسان المقهور بشحناتٍ من النور، وتشد من عزيمته وتخفف من وطأة الخطوب عنه، وتزيد الرعب في قلوب الأعداء الذين ينظرون إليه، فلولا رعبُ بني أمية من صلاة سيد الشهداء (عليه السلام) لما هجموا عليه وهو يصلي.

فهنا دروس كبيرة وحكم عظيمة:

أ) الإصرار على أداء شعائر الله عز وجل والتي هي من تقوى القلوب، وقاصداً بها رضى الله سبحانه وتعالى.
ب) المحافظة على أداء الصلاة في وقتها، وأدائها جماعة.
ج) رسالةٌ للأجيال المؤمنة للمحافظة على هذا الواجب العظيم وهو ( الصلاة ).
د) إقامة الصلاة هي أحدُ أهداف نهضة الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد ورد في زيارة وارث ( وأشهدُ أنك قد أقمتَ الصلاة )، فبجهادِهِ (ع) وتأكيده على الصلاة قد بث روح اقامة الصلاة في قلوب المؤمنين .
هـ) إقامة الصلاة إنتصارٌ للإسلامِ الحنيف ضد الكُفر، والصلاة يتقدمها الأذان، والأذان يتضمن عبارة ( لا إلـه إلا الله ) وهي تعني نسف عقيدة أبي سفيان جد يزيد، لأن معبودهم هو الوثن، وبالتالي انتصار العقيدة المحمدية العلوية، عقيدة التوحيد، على عقيدة الشرك، كما أن عبارة ( أشهدُ أن محمداً رسول الله {ص} ) تعني انتصار رأس الإسلام وهو منقذ البشرية من العمى والضلال النبي الأكرم محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم) جدُ الإمام الحسين (ع)، على رأس الشرك والإلحاد أبي سفيان جد يزيد ( لعنهما الله ).

? وهنا أختتم مقالي هذا، بأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) في فضل صلاة الجماعة، راجياً من الله القبول:

١) عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : ( الصلاة في جماعة تفضل على كل صلاة الفرد بأربعة وعشرين درجة ، تكون خمسة وعشرين صلاة) . التهذيب 3 : 25 | 85 .
٢) عن جعفر بن محمد ، عن آبائه ـ في وصية النبي لعلي ( عليهم السلام ) ـ قال : ( ثلاث درجات : ـ منها ـ المشى بالليل والنهار إلى الجماعات ). وسائل الشيعة ج8 ص 287.

٣) عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال :

( من صلى الفجر في جماعة، ثم جلس يذكر الله عزوجل حتى تطلع الشمس، كان له في الفردوس سبعون درجة، بعد ما بين كل درجتين كحضر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة ، ومن صلى الظهر في جماعة كان له في جنات عدن خمسون درجة، بعد ما بين كل درجتين كحضر الفرس الجواد خمسين سنة، ومن صلى العصر في جماعة كان له كأجر ثمانية من ولد إسماعيل كلهم رب بيت يعتقهم، ومن صلى المغرب في جماعة كان له كحجة مبرورة وعمرة مقبولة، ومن صلى العشاء في جماعة كان له كقيام ليلة القدر . أمالي الصدوق : ج١، ص٦٣.
والحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمدٍ وأهل بيته الطيبين الطاهرين ..

خادم الآل

الميرزا زهير الخال

البحرين – جزيرة سترة

الثلاثاء ٢٦ / جمادى الآخرة / ١٤٣٧هـ.

الموافق ٥ / ٤ / ٢٠١٦م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *