المقدمة

الميرزا الشيخ عباس العصفور
Latest posts by الميرزا الشيخ عباس العصفور (see all)

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

للعلم تعاريف متعددة ولكن الشائع عند المناطقة هو حضور صورة الشيء في الذهن .. مع غض النظر عن جدليات ودياليكتيكيات التعريف والتحديد بين الإضافة والزيادة في التعريف، إلا أن القدر الجامع من التعريف هو ما يستحضره الإنسان من صور الأشياء في ذهنه ولكن ليست أي صورة كيفما شاء كي لا يشتبه ويهيم في مخيلته الخاصة المتأثرة ببيئيات ومعلومات استقاها من طرفه الوحيد .. ولو قيل ببحثه في خزينة معلوماته الخاصة سينتج أحد أمرين وهما المطابقة أو المشابهة بحسب ما يحتفظ به عقله من معلومات يختزنها، وعلى هذا ظهر أهل الاختصاص بجودة معلوماتهم بما يحملونه من علوم ونتائج وخبرات أكثر من غيرهم ويتفوقون عليه مهما تشبث برأيه أو تمسك به..

لكل علم موضوع أو مسائل يناقشها كما هو متعارف عند المناطقة والمتخصصين ٫ فاللغة العربية موضوعها أواخر الكلمة، والصرف موضوعه بنية الكلمة، والفلسفة موضوعها الوجود والعدم، والمنطق موضوعه التصور والتصديق، والكيمياء يبحث في ماهيات المواد، والفيزياء في معايير المواد…وهكذا

ولكل علم من هذه العلوم قواعده ومبانيه ومختصيه طالما تمسكوا به بحسب مناهج بحثه واحتياجتهم لمنطقه وطرقه التي تكون منطقية لا يتطرق لها الاحتمال والوسوسة ولا تكون تحصل نتيجة بمرة واحدة في حال وأخرى تخرج بنتيجة أخرى ، فإن مثل هذه القواعد تعد ناقصة وغير تامة وغير فاعلة ولا يمكن التعويل عليها لعدم كون النتيجة واضحة المعالم.

والعقلاء جميعا يعتمدون معايير هذه العلوم إذا كانت ذات مؤدى واضح من حيثيات العلة والمعلول الواضحة والمترتبات واللزوميات والدلالات وغيرها من النتائج الملزمة والتي لا يتطرق إليها الشك ولا تعدد الاحتمالات مع الإلتزام بموضوع العلم الذي يسلكه الباحث ، وإلا لاستدعى الأمر بحثا مطولا حتى القضاء على جميع المشكوكات حسيا ومعرفيا والوصول لحالة من الطمأنينة التي تسكن لها وتركن لواقع نتائجها.

بعض من الناس يجمع معلومات متعددة كثيرة في ذهنه من التواصل الاجتماعي ومن القنوات الفضائية وغيره دون البحث المنظم ويملك أدلة وشواهد خاصة ولكن لا يفهم مدى تأليفها وتصبح كل صورة من الصور في ذهنه تبحث في معلوماته التي جمعها دون معرفة هيئة تأليفها فيتيه عليه موضوع النقاش العلمي وتتيه المقدمات فيظن أنه بملكية هذه الأدلة والشواهد ـمجردة بتصور مجرد وخامة دون انتاج مقدماتهاـ صار عالما يسكن إليه ويملك الحقيقة، فتراه تارة مع فكرة اقتبسها ثم يناقضها بأخرى اقتبسها، دون وعي لولا تنبيه السامعين! ويدعي الإلحاد أو العلمانية أو الليبرالية وهو ليس إلا عقل تشوش بداروين تارة والانفجار الكبير أخرى ودافنشي كود وأمثالهم رغم أن الملحدين الذين يتبعون هذه النظريات مختلفين ومتناحرين في نقاشاتهم أصلا يجمعهم إنكار الخالق فقط، ومن المضحك أن تخبره أنه لايعد حتى ملحدا وما هو إلا خزانة من مقولات جرته للتشويش دون أن يدرك ذلك! وبهذا يكون عقله الذي ادعى تحرره قد خرج من إدراك الخالق إلى عقل عبدة المخلوقين ، ولوتراه كيف يقدس آراءهم ويذكرهم بهالة من العصمة وعدم الخطأ في نتائجهم لأدركت كيف يتعبد بهم رغم رفضهم له نظرا لتشويش أفكاره فلا يعدونه حتى تبعا لهم..

إن العلم والعلمي والدليل والحجة أدوات تسخدم في البحث العلمي المنظم ولكن بإدراك العقل ومعاييره الأولية التي يجمع ويقتنع بها العقلاء كافة، ومنها وضوح الاحتمالات بلا مصادفات .. فمثلا لو بحثنا بسبب اشتعال نار في خشبة ما في الغابة في الصومال مثلا، فالمحققون سيبحثون عن أسباب مؤثرة أوصلت هذه الخشبة لنقطة الاشتعال ، فما رأيكم لو خرجت نتائج التحقيق بأن سبب اشتعال النار هو غاز الهيدروجين الذي جلبته الرياح من أمريكا بعد أن أشعله أحد الناس بولاعة سيجارة من هناك؟ تحت ادعاء أن غاز الهيدروجين سريع الاشتعال ويدعمها ببحوث كيميائية ـ تختص بكون الهيدروجين سريع الاشتعال فقط ـ من هذا وذاك ويصرخ في وجهك أن هذا قول عالم كيميائي يا جاهل! من آنت ؟؟ فهذا فلان العلاني !! الهيدروجين سريع الاشتعال!! الهيدروجين ناره لا ترى عيانا !! الهيدروجين عنصره الكيميائي h!! وكل ماذكره من معلومات لا تمت لتأليف نتيجة الموضوع بأي صله..وهكذا دوليك..

لا غرو أن جميع العلوم يجمعها المنطق، والمؤثرات قد تفسرها الظروف المحيطة التي لها قابلية التأثير الفعلي الذي لا يتخلف عادة عن مؤثره، والمتأثر له قابلية الانفعال بالمؤثر، فالنار تصهر العنصر الكيميائي ولا تحرقه لعدم كونه مركبا ولكنها تحرق الخشب ليتحول إلى رماد لكونه مركبا ..وهكذا فيجب أن لا تتخلف القابليات والملازمات عن المثير ولو صدفة، ولكن الظروف المدعاة هي محل النقاش والصدف المتكررة هي مكان السخرية عند العقلاء نظرا لغرابة اتفاقها متسلسلة في قصة متناغمة من الانفعالات بين المثير والمادة..

ونظرا لكون الطرق التي يسلكها الباحثون والبحاثة هي المعيار بقبول النظريات والدعاوى تحت معايير منطقية معقولة، فلذلك حينما استحدث الأحفوريون والفيزيائيون الفيزياء التفسيرية والأحياء التفسيرية وغيرها من الحداثويات بعد أن رأوا عجز المادة وظروفها عن تفسير ما يشاؤون الوصول إليه بنتائج مسبقة صاروا مع الفلاسفة و المناطقة وجها لوجه في نقاش محتدم بالإلزام العلمي والإلتزام به في الوقت الذي ادعى فيه هؤلاء أنهم أهل اختصاص والفلاسفة والمناطقة ليسوا كذلك وكأن الموضوع مازال في الأحياء ومازال في الفيزياء وكأن احتمالاتهم المفتوحة التي تضم فوق قابلية المادة وتحتها وتفرض قصص الصدف عليها ليست أفكارا فلسفية صرفة تستدعي النقاش والثبات العلمي!!

بمعنى آخر :

لو تفلسف النجار في تركيبات أخشابه الكيميائية لكان قد تدخل فيما لايعنيه ولو كانت الخشب مواده، ولو تفلسف الكيميائي بكيفيات صنع الطاولات الخشبية والكراسي والأثاث لأتلفها لنا وكان النجار أولى بها ، ولو تدخل كليهما في معايير الخشب الفيزيائية لخرج الفيزيائي محتجا.. ولكنهم تجمعهم معايير عامة في نوعية وصور الأثاث المختلفة حسب الحاجة ولا يختلف ثلاثتهم عليها، كما ويستطيع الكل النقاش فيها إن كان يملك دراية لازمة لذلك..

فإدخال العلوم التفسيرية المختلفة بمعايير الفلسفة في جوانب عقائدية أو تخص مواضيع عامة كالخلق لا يستدعي دراسة الفيزياء والأحياء والكيمياء نظرا لكون الاحتمالات مفتوحة عند التفسيريين لا ملزم بها لأحد بل غرابتها تجعلها غير صالحة حتى للنقاش! فهي لا تعدو كونها تأويلات ، والتأويل بيد الكل ، ولكنه تحكمه القرائن المقبولة فلسفيا ومنطقيا طالما آنهم جعلوها أداة لبحوثهم التفسيرية، فلا داعي أن يتعرض لهم أهل الاختصاص أو يخصهم بفئة دون فئة،  لأن علومهم ليست تقليدية محكومة بالمادة والمتأثرات والعلل العقلية بل إنهم فلسفوها، لذلك تصدى لنقاشهم أهل المنطق والفلسفة والعقائد ورفض مخرجاتهم أهل الاختصاص من علوم ادعوا اختصاصهم بها ..

والحمد لله رب العالمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *