المعلومات بين الواقعية والخيال

الميرزا الشيخ عباس العصفور
Latest posts by الميرزا الشيخ عباس العصفور (see all)

سم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ..

في حركة العقل الباحثة بين المعلومات المختلفة، تتكرر عدة حالات من الكلام الشائع في النقاشات وتتردد الطرق المتبعة عند كثير من المتحاورين، فتطول النقاشات عبر تعددية فهم الفكرة وتنوع الاختصاصات المنهجية في تداولها وهذا صحي وطبيعي .

لكن !

هناك ما يمكن قبوله في الحوار العلمي ويكون ملزما في النقاش عبر السياق الاستدلالي بشقيه المباشر وغير المباشر، وهناك حالة من تداول نتائج يراها الملتزم بها ملزمة للكل نظرا لكونها علمية في نظره الخاص الشخصي، مع كون العلم لا يصلح في حالاته المجردة لأن يكون فيصلا دائما كما سيأتي في المقالات القادمة..

إن البحث في النتائج التي توصل لها العلم بالمعنى الشايع لايعد استدلالا يمكن أن تسكن له كل العقول، خصوصا إذا كان المستدل أو المستمع لا يعرف طريقية الاستدلال وشواهد الاستنباط المختصة بهذه النتيجة.

إن ترديد مخرجات نتائج دراسات هنا أو هناك ونظريات احتمالية مجردة لا يعد أكثر من شاهد على نتيجة قد تكون موثقة من جهة تتبنى المنهج العلمي المتبع والذي لا يلزم جهة علمية أخرى اتبعت منهجا علميا مغايرا رغم علمية الطرفين في نظر بعض المجادلين والمحاورين، فلو دققنا في كلام نفس الملحدين والماديين والعلمانيين لوجدناهم يتقاطعون فعلا في النتيجة الداروينية والانفجارية والتشكيكيات وكل نتيجة من تلك النتائج ستتسبب بتكذيب الأخرى ورفضها وإقصائها، فالتمسك بعدم وجود الخالق تحت هذه الشواهد المتناحرة والتي تكذب بعضها اذا ما تم الاعتقاد بها جميعا في آن واحد لا يعد علميا، ولا منهجا منتظما مقنعا ، حيث أنها لا تعدو كونها استعراضا لمعلومات تم الاحتفاظ بها في الذهن من نوعية النتائج وليست لها أي صورة من صور الاستدلال والاقناع لعدم وجود أي صورة من صور القياس العلمي والمنطقي..

من البديهي دخول الشخص في دائرة الشك ودورانه حول نفسه وتقاطعه مع عقله إذا ما اتبع هذا الطريق في تفكيره في صور أقوال ونتائج مجردة عليه أن يقتنع بها نظرا لتهويلات الشهادات الأكاديمية الممنوحة لهذا وذاك أو لتلك المؤسسة أو الهيئة، وكأنها بعد ذلك أصبحت معصومة في كل مخرجاتها ونتائجها ولها الحق بالخروج من الحالة العلمية المعيارية الملزمة إلى التأويلية التفسيرية الفلسفية المبهمة حيث يتشبثون باحتمال مع إمكان وجود احتمالات أخرى خصوصا وعموما في نفس الموضوع وظرفه دون وجود المعيار المرجح سوى تبريرات الصدفة التي قد تصل للاستحالة في فرضياتهم المعلنة.

وقد تلعب المخيلة دورها في ظرفية الصدفة وتجاهل امتناعية الموضوع واستحالاته في خلق صورة قصصية تحمل هيئة الاستدلال العلمي ولكنها لا تستطيع الاستقلال بالنتيجة ولا فرض واقعها الشخصي ضمن تسلسل القوانين العلمية لكونها لم تؤلف صورة القياس ولا مقدماته من صميم واقع موضوع العلوم أصلا، فالمعلومات المبحوثة فاقدة لوضعها الطبيعي وأصبح العقل يبحث في صور المخيلة بدلا من البحث في صور المعلومات الواقعية ولتصبح محمولاته الأولية في الذهن قابلة لكل شيء كشريك الباري وغيره حتى نصل لنسب قياس احتمالات الحدوث ودواليك.

وصورته مثلا أن نفرض:

إن كان لدينا عشرة قرود يمكن لخمسة منها أن تتحول لبشر واثنان لتماسيح حسب التأثير البيئي فما هي نسب احتمالات التحول ؟ فالجواب الحتمي سيكون نسبة 50% تتحول قرود و 20% ستتحول لتماسيح .. فالطريقة علمية رياضياتية لكنها من المخيلة وليست من الذهن لأنها أقرب للخيال من أن تكون واقعا ، فلا القرود تتحول لتماسيح ولا لبشر وإلا لتكررت الحالة في القرود..

ومن هنا تجد معضلتهم في فهم نصوصنا الدينية، فهو غير مستعد لأن يفهم بأن الغضاريف في اللغة والمصطلحات العلمية من العظام وهي عظمات ابتدائية حتى في المصطلحات الطبية، بل يطالبنا بصورة العظم الكامل الذي يتخيله في مخيلته، فهو لم يتخيل سوى نتيجة العظم النهائية ولم يتخيل أن الخلق يبدأ بالغضاريف في تكون العظام لأنه لم يبحث في المعلومات والمفاهيم وإنما في مخيلته ونتائج المعلومات ومنتهياتها، ومن هنا يمكنكم أن تفهموا أن هذا النموذج لا يتلقى المعلومة بل يفرض مخيلته الشخصية على مراداتنا في الكلام ! فهل له الحق في ذلك؟

والحمد لله رب العالمين..

تعليق واحد على “المعلومات بين الواقعية والخيال”

  1. بالتأكيد ليس له الحق في ذلك إذا كان فعلا يدعي أنه يحتكم إلى منهج علمي رصين على افتراض قبول منهجه، إنهم كما تفضلتم شيخنا إما أنهم لا يميزون بين الخيال والواقع ولا يشمون دخان الشبه والاشتباهات التي يعيشون فيها والتي ملئت عقولهم ونفوسهم بها وأصبحت بالنسبة إليهم بيئة نقية، وإما أنهم مأخوذون بغرور وتكبر وعناد.

    جزاكم الله خيرا على هذا النتاج العلمي الغزير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *