مفهوم العرف

الميرزا الشيخ عباس العصفور
Latest posts by الميرزا الشيخ عباس العصفور (see all)

بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين

مفهوم العرف

العرف هو ما تسالم عليه الناس وقبلته طبائعهم حيث تتركب قضاياه من أقيسة بسيطة ومشهورات عند المتعارفين تحيطه مبان عقلية وطبعية وطبعية مستقاة من المشهور على نحو استعمالات ومداليل لفظية من الأمثال الشعبية وأقوال أعلام وقادة تنظيم المجتمع فيما يختص بالأمور الحياتية على نحو انتزاعي خاص..
فتارة يبنى على الطبائع المشتركة في أفراد المجتمع على نحو يحفظ الطباع الشخصية للفرد منفردا بملاحظة المشترك الطبعي بين الأفراد مع غض النظر عما اختلفوا فيه وأخرى يبنى على التكيف مع وضع اجتماعي معين تسالم الجميع على إمضائه اقتناعا أو قهرا …وهكذا.
إن الأعراف الاجتماعية شملت حتى العناصر المجتمعية المختلفة في الحياة كالمهر والحرف والقبائل والإقتصاد العام كل حسب نسبته لأهل الخبرة في حقول الحياة حتى صارت فيصلا في نزاعات الناس وتنظيما للحياة على نحو تصالحي بالمتعارف أو طريقته عبر طريقيته.
ومن هذا المنطلق التصالحي أو ذاك التسالمي اعتبره الأصوليون من بعض المذاهب أصلا اشتباها بين مفاهيم الإجماع أو سيرة العقلاء مترددين بينهما وبين ما يتوافق مع حدود التعريفات من جهة تداخلهما وتحقق القدر الجامع في المصاديق العرفية مما جعل لهم شبهة في المفاهيم خلقت تشويشا في تشخيص المواضيع الشرعية الجلية وحدودها الواضحة.
فلو دقق المحققون على تعريفات الإجماع وأفراده لوجدوه غريبا من جهات مختلفة وأهمها أن إجماعهم الذي يحتجون به هو اجتماع فقهاء الأمة ومجتهديها باعتبارهم أهل الحل والعقد بينما نحتج نحن الإمامية بوجود المعصوم عليه السلام بين المجمعين عبر أمور وسياقات شرعية وكشف متعارف عليه ليكون منقولا ويصح الاحتجاج به شرعا وسيأتي بيانه في المقالات القادمة بعونه تعالى.
وأما عن سيرة العقلاء فهي تأبى أن تستند على مشهورات مطلقة إلا بعد التنقيب والفحص والتدقيق حيث أن بعض المشهورات لا أصل لها ، كما أن العقلاء يعتبرون القضايا الذهنية والحقيقية والفعلية وما يمكن بناء وتأليف الأقيسة الحقيقية عليه بمعايير وموازين المنطق والكلام.
وقد احتار كثير من المثقفين والباحثين في اعتبارات العرف الشرعية بمنطق الرياضيات الذهنية والمعايير الأولية في الممايزات بين التنسيق الشرعي مع العرف على نحو يكاد أن يبين الحيرة بكل أشكالها ..ولكن الفقهاء والمجتهدين والمتخصصين بإمكانهم تشخيص الأمر على نحو قواعد وأصول تشريعية وشرعية واضحة المعالم ..
فما تسالم عليه الناس وقبلته طبائعهم لا يمكن البناء الشرعي عليه دائما ولا البناء العقلي بشكل تقنيني نظرا لكونها قضايا طبعية أو شخصية غالبا في أشكالها عموم لا ينتظم مع أفراده بميزان عقلي واضح يمكنه أن يؤسس قاعدة عامة لأن المعايير في نفس العام قد تتنوع بحسب ما تقتضيه النتيجة العرفية المنشودة من جهة الملاءمة والمنافرة الطبعية أو تشخيص مصاديق الحسن والقبح الخارجية بضميمة الظروف والتسالمات..
فالطباع قد تكون متوارثة عبر سياق التطبيع البيئي من قبل الأولياء في سلطنتهم التربوية على أولادهم بشكل أو بآخر حسب متطلبات المتسالم الاجتماعي حيث تتحول البيئة لحاضنة عامة بمحيط تربوي خاص.. فمثلا نرى البوذيين يربون أولادهم على الاستجداء باعتبارهم قد توارثوا هذا السلوك باعتباره من مكارم الأخلاق في شريعتهم! أو أهل الصين مثلا يربون أولادهم على تقبل أكل الزواحف والحششرات فتألفها طباعهم! ويكون التطبع بهذا السلوك طبعا اجتماعيا عموما إذا شب عليه الطفل حتى يشيب على تسالمه ويبني ملاءماته ومنافراته على ذلك في أعرافه..

والحمد لله رب العالمين

عباس العصفور
النجف الأشرف