فرضية النتيجة العلمية

الميرزا الشيخ عباس العصفور
Latest posts by الميرزا الشيخ عباس العصفور (see all)

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ..

قد قسم العلماء العلوم لعدة أقسام مختلفة كالإنسانية والتجريدية  والطبيعية على نحو تجريبي وعملي وبين تفسيري ونظري وهكذا، تتوالى المسائل المختصة بكل علم على حده حسب نوعه وموضوعه وسياقه وغرضه، وقد حاول العلم الحديث توجيه بعض توجهات العلوم ليزيدوا من أقسامه الفرعية بحسب الحاجة والغرض التطويري والتقسيمي كعلم الهندسة حين يقسم إلى علم المثلثات منبثقا من علم الرياضيات ، كما وقد أنتجت هذه الطريقة علوما تعد كالأبناء الغير شرعيين لعلوم أخرى فلم يعترف بها العالم كعلم البرمجة اللغوية وأمثاله حيث عد مشتقا من علم النفس للمعترفين به وعد مقلدا لمعلومات متفرقة ونصائح متعددة عند آخرين.

وعلى كل حال، فالملاحظة العلمية للإشكاليات والفرضيات والتجارب قد توصل الباحث لاستنتاجات على وفق تفسيره للظواهر والعلل عبر المعلولات بملاحظة المادة، وهذه الملاحظة لها زواياها وجهاتها لدراستها..

مثلا، حينما يلاحظ العلماء تمدد المعادن بالحرارة وانكماشها بالبرودة، فقد يقيس الفيزيائي مقدار التمدد ويتعرف الكيميائي على عنصر المعدن وكلاهما يستعمل معاييرا رياضياتية مختلفة حسب المعيار العلمي ! فالظاهرة واحدة والعلوم متعددة كل حسب جهته.

وادعاء العلم في كل ظاهرة نظريا أو عمليا قابل للتغيير كلما بحث الباحثون أكثر وعملوا على تتبع الاحتمالات الموجودة بحسب المادة المعرفية والمسائل الخاصة بأي جهة علمية.. فلذلك ترى المتغيرات العلمية تتطور يوما بعدما كل ما أدرك العلماء شيئا جديدا وتموت نظريات واستنتاجات قديمة بلا حياء ولا تردد نظرا لخطأ احتماليتها وانكشاف سوء مدركاتها.

وما جزم العلم به بالأمس قد يكذبه اليوم بمجرد تشكيك بسيط قد لا يجد تفسيرا عبر الأدوات المعرفية الخاصة نظرا لعدم ترابط الاحتمالات أو الخطوات بين الملاحظة والاستنتاج حتى بالترتب والترتيب التسلسلي ، وهذا لا يمكن البناء عليه عقائدا لعدة أمور مختلفة وخصوصا بالعلوم التفسيرية التي فتحت أبواب الملاحظة والفلسفة.

العلوم التفسيرية تعمل بالملاحظة والمشاهدة حتى الاستنتاج ناكرة كل تدخل من المنهج الخارجي على فرضيات العلم الذي يتبنونه أحفوريا كان أو فيزيائيا أو غيره ثم نجد في استنتاجاتهم التفسيرية الجنوح للعموم الأعم بحيث تضيع خصوصيات الموضوع الذي يدرسونه ، والمجهول المشكك المتتبع للاشكاليات تحت فرضيات (ربما، في مكان ما، من محل ما، بشخص ما، ببصمة ما) القائمة على فرض الصدفة الخارجية مهما كانت بروابط وهمية دخيلة على السياق العلمي ومنهجية استدلاله والقفز على جهات علوم المادة من رياضيات وفيزياء وكيمياء لخلق رابط متكلف جدا يشوه منهج البحث العلمي المتبع لتحقيق غاية ما ، ومثل هذا المسلك العلمي مرفوض علميا عند أهل العلم لعدم ترابط حلقات الاستنتاج بجانب عجز الجامع المصادفاتي بينها فكيف تتحول لعقائد جزمية حسب هذا المسلك!

أما العلوم الدينية والعقائدية فهي لها طريقها من الله سبحانه وأنبيائه ورسله والمؤمنين الذين يصدقون من الخالق ما نزل عن خلقه  ويفسرون بتفسيره عبر نص واضح يفسر الظواهر عبر مسلك علمي لا يتنافى مع العقل والتفكير البشري، لذلك فالجزم بما جاء من الله سهل وبسيط ويمكن الاعتماد عليه عقائديا.

وقد أشكل أحد مرة من المرات بأن هناك رواية واردة تقول بأن الحبة السوداء علاج من كل داء، فقال : دعونا نعطيها للمصابين بالإيدز لنشهد تجربة علمية! مما يدل على ظنه بأن العلم يقوم على التجربيات فقط متجاهلا أن للعلم استنتاجات وفق المشاهدة والتجربة تتغير بتغير الظروف .. ولكننا نتساءل معه _ لو فرضنا جزمية صدورها عن أهل البيت ع _ : إن كثيرا من الأدوية المستخلصة من الأعشاب كالمورفين والأسبرين والتاموكسفين وأمثاله لو لم يتوصل العلم بتجاربه تدريجيا له فهل كانت عشبته مجردة ستقوم بالمفعول الدوائي المطلوب؟! وهل ان عشبته إن أعطيت للمريض على حالها بلا استخراج الدواء منها ستقوم بنفس الدور؟

وهناك دراسات قائمة على قدم وساق حول نبتة سانجونز مثلا للتوصل لاستخلاص الدواء منها! وهناك آلاف النبتات التي لم تجرَ عليها أي دراسة لحد الآن، فإن لم يتوصل العلم اليوم سيتوصل غدا لعدة علاجات دوائية يمكن استخلاصها من هذه المادة أو تلك .. فعدم وصول العلماء لهذه المعلومة المبكرة لا يصلح لأن يكون سببا لرفض معلومات تصلنا من جهة موثوقة.

والعلم المتغير بنظرياته وتطورها وتغييرها لن يتوقف عند الحد الذي توصل له اليوم فهذا ظن خاطيء لا يقبله العلماء وإلا لتوقف العالم عن البحث والتنقيب، فالذرة قد فرضوها سابقا على شكل كرة واليوم إلكترونات ونيوترونات وبروتونات وجاري التعديل والتنقيب والبحث في النظرية من عدة جهات نسمع عنها يوميا في الإعلام العلمي .. فالمطالبة بالجزم بكل نتائج العلم والجمود عليها نوع من أنواع الاعتقاد بما يخلق التخلف العلمي ويوقف البحث حتما!

وهذا ما أشرت له سابقا من فلسفة العلم على نحو التخبط بين المراحل العلمية لطرق الاستدلال والاستنتاج.

وسيأتي الكلام على العلم والعقل لتكتمل الفكرة في المرة القادمة.

والحمد لله رب العالمين

عباس العصفور

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *