العلم والعقل

الميرزا الشيخ عباس العصفور
Latest posts by الميرزا الشيخ عباس العصفور (see all)

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد و على آله الطيبين الطاهرين.

قد مر آنفا بأن العلوم متعددة لأغراض متعددة بآلات معيارية متعددة حسب الحاجة، فتارة نتعلمه لغاية وأخرى لتدوينه وحفظه والكل له غرضه في التعلم والفهم والحفظ، وهناك ما انفصل لغاية أو لحفظ عن كونه من مما يصلح أن يكون علما أو يوجب علما متفاوت النتيجة والحصيلة المترددة .

ولكن المعرفة بشكل عام تنتقي كل ما يصلح أن يكون علما أو ترفضه بحسب الفطرة والقوة العاقلة المميزة بالمعايير الأولية مثل الأطول والأقصر والمساوي والعمليات الرياضياتية المستوحاة من الكليات المنطقية التي تعد معيارا عقليا لما يطرح على البشرية.

فلذلك ترى العقل يرفض العلوم الغيبية كالرمل والأعداد القائمة على نتائج متعددة يومية والألواح المستعملة عند كثير من الأديان التي تعتمد على السحر، ولو كان المدعى أن ما ذكر من العلوم إلا أنه من غير الملاحظ في مسائلها أي إسناد واقعي حقيقي بين الموضوع والمحمول ولا يمكن الركون لعلة الحد الأوسط فيها نظرا لعدم وحدة الموضوع ولا قابلية الإسناد عقلا مهما كان ، ولا معايير إلزام العاقل بالمحصلات والنتائج من مسائل مثل هكذا علوم.

وفي كثير من الأحيان قد يزهد العقل بعلوم لا تعد لها غايات نبيلة أو غير محددة بحدود واضحة ولا نتائج ملزمة للعقلاء في سياق العقل، كعلم الأنساب وأخواته .. فالغاية موجودة وقد يلتزم الكثيرون بمعطياته ولكنه في حال التشكيك وضياع أسماء الأجداد يتوقف عن الإثبات.. اللهم إلا إذا كان هناك غرضا شرعيا للرجوع إليه..

فالضابط المعرفي الملتزم بالمنطق ومعاييره والمعايير الفطرية يلتزمه جميع البشر في استلهام وتلقي المعلومات المتدفقة من أي جهة كانت.

فلو ابتكرنا علوما فعلية طبيعية مادية وألفنا منها شكلا قياسيا مستوحين من احتمالاتنا المفتوحة والخيالات المصادفة، بمساعدة معايير محسوسة، فهل أن هذا السياق والأسلوب يمكنه أن يصير علما يمكن اعتماده؟ وهل أن نتائجه يمكن أن يركن إليها رغم تفاوت مديات المواضيع ؟

مثلا: ماذا لو ادعى أهل الحساب التجربة في معرفة ما في بطن الحامل من ذكر أو أنثى؟ فهل أن ادعاء عدم الخطأ كافي لاعتبار العلمية عن طريق التجربة المدعاة ووجود الشهود على عدم خطأ هذه المسألة مثلا؟!

فاحترام العاقل والعقل للعلم يكون بمدى مصداقية الاحتمال ومدى انطباقه على الواقع، فعلم الرمل وغيره من علوم المغيبات، والمشكوكات التي لا تفرخ إلا مزيدا من المشكوكات، يتعذر على العقول اعتبارها معيارا فضلا عن كونها علما، لأنها لا تحصل نتائجا مقبولة يمكن الركون إليها ولا السكون بنتائجها.

نعم! إن العلوم التي تغير نتائجها وفقا لاكتشافاتها الجديدة تحترم بنفس المقدار الذي يوجب طمأنينة في النفس بالنتيجة، ولكن العاقل يدرك هذه التغيرات ولا يقطع بها جازما نظرا لكونها نظريات وفرضيات تمر بعدة مراحل في سياق مسائلها العلمية، وتقع تحت ضابطة تفسير المشاهدات من نفس العالم الباحث في العلم ! فلو انحرفت لاحتمالات مفتوحة وعموميات فوقانية فإن المسألة ستتفجر لعدة شكوك لا تحلها حتى الفلسفة التي امتطاها الفاعل لذلك على كل حال، وقد وضحنا سابقا كيف أن المسألة الواحدة اذا ما اشترك فيها عدة علوم من عدة جهات لاختلاف المعايير والأغراض ومواضيع العلوم ، فكيف بخائض يسترسل بتفجير كل هذه العلوم ويحاول معالجتها بمعيار فلسفي تشكيكي نقضي خاص، في سياق تفسيري واحد ! وكيف سيثبت بنفس هذا المعيار النقضي ما يقتنع به بعد أن ينقض الباقي ؟!

الحمد لله رب العالمين

 

عباس العصفور

النجف الأشرف

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *