الشك العلمي وشك الجاهل

الميرزا الشيخ عباس العصفور
Latest posts by الميرزا الشيخ عباس العصفور (see all)

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ..

لا تكاد فكرة ما أو قضية ما تخلوا من جهات مسكوت عنها أو يتم البحث فيها بشكل علمي واضح وفق معطياتها ومدعاها، ولكن الجهة المتيقنة فيها يكون الحكم قد وصل للحقيقة واليقين الذي يطمئن له العقلاء وتسكن النفس، بل قد يقطع الإنسان بما لديه من معرفة تطابق معلومات القضية ونتائجها المستخرجة حسب الطرق العلمية المعتمدة..

ولكن!

قد تطرأ احتمالات متعددة تحتاج للتتبع والبحث والتنقيب للوصول للنتائج المعتمدة الجديدة التي قد تغير مسار بحث القضية ولو بوجه من الوجوه أو تغير فهمها ومعرفتها كليا، وهذه الاحتمالات التي يتوقف عندها الاستدلال الذي يقال فيه أنه الاحتمال الذي يبطل عنده الاستدلال، فهو يحتوي على حجج معترف بها ومثبتة للمعلومات والرؤى بحسب القانون الطبيعي للعلوم ومن زوايا معينة، فقد يكون الاحتمال من جهة مؤثرا ومعتبرا وفاعلا للشك والفضول لحل مسألة علمية ذات ثمرة علمية أو عملية، وهذا النوع من الشك يدركه العلماء ومن لديهم أوليات المعرفة وقدرات الاستنباط في مسائل العلوم ولا يمكن تسليط غير ذوي الاختصاص فيه وذلك لكون كل المعلومات المطروحة غائبة عن غير المختص فتكون جميعها ذات معنى مشكوك عند المتلقي حتى يبدأ بتجريبها وتقليبها بين معرفياته في عملية تلقي هاضمة قد تنجح في استقبال المعلومة أو قد تتعسر في هضم المتلقي فترتكز مشوهة.

فالعالم القادر على فهم الكبريات والصغريات والمدرك لهيئات ومواد القضايا وحدود التأليف والإسناد التي تنتج كميات وكيفيات لا يختلف عليها اثنان من العلماء، يدرك الشك في محال بناء القضايا ، ويعلم مظان التفكيك واللزوم ،والعلة والترتبيات، والتجريبيات التي يبحث هو في عللها بحسب المصاديق الخارجية… الخ، فهو يدرك أماكن الاحتمال والشك وفق معلوماته، وطريقية الإثبات والنقض واضحة عنده للوصول للنتائج المجهولة بخطوات معلومة وعلمية، ومن هنا يتبين له الأصل في الحقائق وغيره من المشكوكات التي قد يلتفت إليها أو لا يلتفت ، وكل ذلك يحتاج للعلم والقناعة واليقين لمعرفة الأصل والحقيقة للمحافظة عليها وتمييز المشكوك المبحوث في احتمالات يلتفت إليها.

وهناك من شك في كل شيء يطرح، وفي كل حقيقة، حيث المدعى أنه لا توجد حقيقة مطلقة لوجود شوائب الشك في كل معلومة علمية، وأنها معرضة لطروء الاحتمالات التي قد تبطل الاستدلالات كما توجه لها بعض الفلاسفة التشكيكيين والتفكيكيين، وتوقفوا عند كل اليقينيات بنقضيات يعرفونها من معلومات في جزئيات الحقائق بما يعرفونه كما يعرفونه مع فرض ظروف مانعة في المفاهيم والمباديء والحقائق.

إن سلم الفرد مثل هذا المنهج فسيلتزم بنفي الأصول والمعطيات ويحطم جدران وحدود وأسوار القضايا بالضبابية التي ستطال الحدود والتعاريف والتآليف فيتعذر الإسناد والجمع بين المعاني، فلذلك لجأوا إلى التقيد بالمعنى اللفظي ومدلولاته، والتقيد بما يفهم من مراده، ولكن هذا المنحى قد ضيع كثيرا من المعاني العقلية والحمليات الأولية التي لا يقدر اللفظ على سد معانيها التامة والتعبير عنها بشكل مطابق، فلو تأملنا ودققنا أكثر سنجد أن مثل هذا المنهج النقضي والتفكيكي يطال حتى المنطق الرياضي الذي استعاض عن اللفظ بالرموز التي جعلها بمدلول ثابت هروبا عن التفاوت المدعى، فالتفاوت حاصل حتى مع التشكيك النقضي.

إن طريقة النقض للأصول والجزئيات في كل صغيرة وكبيرة لا تعد شكا أكثر من كونها جهلا بالمواضيع وحدودها وأصولياتها، وليس بأكثر من محاولة للتشكيك في المعلومات المتيقنة أو المعلومة في أجزاء متفاوتة منها لخلق الشك في جزئيات قد تكون لها مدلولات منفصلة عن القضايا لعدم شمولها في التأليف والإسناد بين الموضوع والمحمول، بل إنها لا يمكن التفريق بينها وبين أسئلة الجاهل المستفسر لما لا يعرفه !! لذلك فلا يتناولها الاستدلال في وجهته وسياقه وموضوعه وتصبح مسكوتا عنها.. وسيأتي الكلام حول ذلك..

فلو قلبنا هذا الأمر النقضي على الناقض ونفينا كلامه، فما كان من كلامه مدعى للحجة سيكون مثبتا لو كان شكه علما معلوما، ولكن! شكه وتفكيكه للجزئيات لدرجة تحول الموضوع الواحد والعنوان الجامع لعناوين متعددة ثم تأليفه وتركيبه لمثل هذه الجزئيات بطريقة تشوه المعنى أو تغيره كاف لعدم جدارة هذا المنهج بإثبات أي معلومة، فالعلم يتألف من معلومات لا من مجهولات كما لا يخفى، لأننا لو سلمنا بهذا المنهج فكيف ستثبت التشكيكات والتفكيكات نتيجة أكثر من مشكوكة وغير ثابتة؟!!

 

والحمد لله رب العالمين

 

عباس العصفور

النجف الأشرف

تعليق واحد على “الشك العلمي وشك الجاهل”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *