المسكوت عنه !

الميرزا الشيخ عباس العصفور
Latest posts by الميرزا الشيخ عباس العصفور (see all)

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين

كثيرا ما يلجأ العلماء في بحث جزئيات القضايا العلمية في مسائل تبحث في أسئلة المسكوت عنه، وغير المبحوث فيه، وما شابه ذلك جملة وتفصيلا..
فالقضايا الحاوية لحمل موضوع بإسناده أو علته تحت سياق ما ستكون عامة من جهة و خاصة من جهة أخرى بحسب السياق الحملي من حيث اختصاص الموضوع بما يميزه من جهة واندراجه تحت كلي أو عام من جهة أخرى ..
مثلا : الإنسان ماشي ..
فاختيار الإنسان من بين ما يمشي من فرس وفيل وزرافة وغيرها له خصوصية تمنع غير الإنسان من الماشين في الاندراج بنفس المحمول في فحوى هذا الخطاب، كما وأن هناك خصوصية له في إرادة المتكلم، فمن جهة أخرى هناك عام يحويه ويجعله مع الباقين، ولكن ذلك ليس مذكورا في الخطاب ..
لأن مدلول اللفظ لا يبحث سوى الإنسان وإسناد المشي له فلا دخل لغير ذلك، ولا نزج أي استدلال آخر لم تتناوله الدلالة في هذا التأليف اللفظي ..
فلو حملنا جميع الماشين في محمول المشي فلن نجد للخصوصية أي سبيل في أي تمييز يقصده المتكلم ولا يمكن للعالم إفراد أي حكم ومورد يختص بالإنسان من جهة كونه ماشيا ، والحكم الجامع لكل أفراد هذه الصفة، أو ما هو كلي ، يختلف عن مدلول الفرد وإسناده للعام منفردا.
كل هذا يأتي في سياق الإثبات، والعمل بالمدلول ثبوتا، ففي طريقية الدلالة ألف المستدل كل ما يحتاجه لحفظ هذا التمييز بين الأفراد في العام على نحو كلي.
أما في القضايا الجزئية فهناك أجزاء أخرى مسكوت عنها وذلك لكون القدر المتيقن هو هذا الجزء والباقي خارج عن ذلك الحكم، إما للمغايرة أو للمجهولية ، فيسعى الباحث لإثبات حكم خاص لهذا المجهول عبر البحث في الأدلة، وهذا طبيعي ولا غبار عليه.
ولكن المنهج التشكيكي والنقضي اذا ما فكك هذه الأواصر فقد يتحول لعدة صور مختلفة :
* صورة تشويش الهيئة اللفظية التي تقيد المادة وتضيع أسباب التأليف بالكيفية التي ركب اللفظ لأجله .،
* مصادرة دلالات الإثبات وخصوصيات المعاني التي ساقت الأحكام إلى نتائجها بحسب المعنى المقيد .
* ضياع النسبة الكمية المتيقنة فيما تألف بين الموضوع والمحمول .

لذلك رفض كثير من العلماء حالة تغيير الهيئة التركيبية في القضايا.
وهناك من يحول القضايا البسيطة إلى مركبة باحثا عن الإمكان لكسر اليقينيات وجعلها إما مطلقة كما مر أو ممكنة أو مقيدة بظرف ليفتح موضوعا آخر قد خلق منه فسحة مسكوتا عنها، وهذا قد يتبعه المنهج العلمي الباحث في الظرف والإمكانات.
أما أن يتبع التفكيكيون والمشككون والنقضيون طريقا لجعل هذا المسكوت عنه المجهول النتيجة عامل نقض للثابت علميا بعد ثبوته فذلك ما يرفضه العلماء عادة .
فالقضايا المذكورة والثابتة والواضحة طريقها الإثبات عبر الدلالات بحسب حدودها وتأليفها الخاص وما كان دون ذلك أو مغايرا له فهو إضافي ولا يناقش إلا بالمعنى الإضافي، فنا ثبت بالدليل ثابت وما امتنع فهو ممتنع كمعنى إضافي ولا يمكن مصادرة الثابت يقينا به.
فالمعنى الكلي في القضايا الكلية لا ينقض بالمسكوت عنه لأنه تناول المعنى الكلي بتمامه وثبت بالأدلة، فلا يناقش إلا في أدلة الإثبات دون إضافة المعاني الإضافية أو تركيبه بما يزيد على معناه وضعا.
أما المعنى الجزئي فالمتناول هو الثبوت بنفس الكم في التأليف بين الموضوع والمحمول وماهو مسكوت عنه في الجزئي الآخر عبر التبعيض والبعض الآخر فلم يتناوله الدليل ليكون ناقضا للبعض المتيقن بل حكمه أجنبي عن مقام الجزئية، لذلك فمن الطبيعي أننا إن أخذنا الجزئية في النتائج العلمية مأخذ الكلية فتكذب النتيجة حتما ، ولو نقضوا بهذه الطريقة لعد ذلك تلاعبا لا نقضا علميا .
فالمسكوت عنه في كل الحالات غير مأخوذ في الإعتبار فكيف يصلح لنقض المعلومات عند اللاأدريين، فالأمر ليس فيه حيرة بقدر مافيه من سوء تطبيق الأقيسة ونتائجها المتبعة علميا ولا تبرير ذلك وتفسيره بأي حال..
فالإنسان الذي خصه الله بالضحك نظرا لكونه عاقلا يتعجب فيضحك لا يمكن مقارنته بالحيوانات التي تقلب عضلات وجهها لتبدوا في هيئة الضاحك لأنها لا تعقل فتتعجب .. والإنسان الماشي على رجلين لا يمكن مساواته بالحيوانات الماشية على أربع في صفة المشي إن كنا نبحث في خصوصيات الإنسان وهيئته الخاصة..

والحمد لله رب العالمين
عباس العصفور
النجف الأشرف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *