ميزان الابتلاء

الشيخ زهير الشيخ محمد الشيخ جعفر الخال

رواية ودرس 22

بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
روي عن الإمام جعفر الصادق (عليه أفضل الصلاة والسلام): ( إنما المؤمن بمنزلة كفة الميزان كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه ). الكافي ج2، ص254.
من السنن الإلهية في الأرض هي سُنة البلاء والإبتلاء، وهذا شأن الحياة الدنيا التي خلق فيها الإنسان، فلا بُد أن يتعرض الإنسان في دار الدنيا إلى البلاء والإبتلاء، ولقد تعرضت المجتمعات البشرية عبر مراحل التاريخ إلى هذه السنة الإلهية، والشواهد على ذلك عديدة.
– البلاء في اللغة: هو الإختبار والإمتحان، وتأتي الفتنة بمعنى الإبتلاء كما ذكره صاحب مجمع البحرين: قوله تعالى: ( واتقوا فتنةً ) سورة الأنفال، آية 25، أي: ( بليةً وقيل ذنباً وقيل عذاباً ). ج6، ص291. وقد ذكرها الله عز وجل في كتابه الكريم، قال تعالى: ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) ). سورة العنكبوت.
– إن البلاء والابتلاء يرافق المؤمنين في كل مراحل الحياة وبحسب درجاتهم، وأشد الناس ابتلاءا هم الأنبياء كما ورد في الروايات الكثيرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن أهل بيته (صلوات الله عليهم)، كما روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): ( إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم الأمثل فالأمثل ). الكافي ج2، ص252. قوله (ع): الأمثل فالأمثل، أي: من كان أمثلهم في الفضل والقرب عند الله عز وجل.
– والبلاء والابتلاء في أمور عديدة وأنواعه كثيرة، وقد ذكر القرآن الكريم ذلك في قوله تبارك وتعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155-157].

وهذا إخبار من الله سبحانه وتعالى بأنه لا بد أن يبتلي عباده بالمحن، ويختبرهم لكي يتبين الصادق من الكاذب، والجازع من الصابر، ويعتلي المؤمن في درجات الإيمان بصبره وتحمله ليحصل على البشارة التي وعد الله بها في كتابه وهو أصدق القائلين: (وبشر الصابرين).

فالعطية الإلهية العظمى منه عز وجل (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).

وهذه سنة الله في عباده، لأن السراء لو استمرت لأهل الإيمان، ولم يحصل معها محنة وابتلاء، لحصل الاختلاط الذي هو فساد، وحكمة الله سبحانه تقتضي تمييز أهل الخير من أهل الشر. وهذه فائدة الابتلاء، فهو ليس إزالة لما مع المؤمنين من الإيمان، ولا ردهم عن دينهم، فما كان الله ليضيع إيمان المؤمنين.
فالبلاء للمؤمن تمحيص للذنوب التي يقترفها ويعملها في دار الدنيا، فيُعد الابتلاء للمؤمن تطهيرٌ له، ومحوٌ لذنوبه، وهذا ما بينهُ إمامُ المتقين وأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام) فيما روي عنه: { ما من الشيعة عبدٌ يقارف أمراً نهيناهُ عنه فيموت حتى يبتلى ببليةٍ تمحص بها ذنوبه إما في مالٍ وإما في ولدٍ وإما في نفسه حتى يلقى الله عز وجل وماله ذنب وأنه ليبقى عليه الشيء من ذنوبه فيشدد به عليه عند موته }. الخصال ج2، ص635.
وقد أكدت الروايات على هدف البلاء والابتلاء أنهُ ليس شراً بل هو خيرٌ للإنسان، وأسلوبٌ ناجح لثنيه عن طريق الفساد والإفساد، ومنه ما روي عن أميرالمؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): ” إنّ البلاء للظالم أدب، وللمؤمن امتحان، وللأنبياء درجة وللأولياء كرامة “. بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج64، ص235.
فالبلاء الذي ينزل حتّى على الظالم ليس شرّاً محضاً بل فيه تأديب له، ومحاولة لإعادته إلى طريق الصواب، وهذا ليس شرّاً. وقد ورد عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): { ما من بليّة إلا ولله فيها نعمة تحيط بها }. تحف العقول ص489.
والحمدلله رب العالمين .
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الجمعة ٣٠ ربيع الأول ١٤٣٨هـ.

النجف الأشرف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *