العرف والأحكام الشرعية

الميرزا الشيخ عباس العصفور
Latest posts by الميرزا الشيخ عباس العصفور (see all)

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
الأحكام الشرعية الخمسة من وجوب واستحباب وتحريم وكراهة وإباحة معروفة عند المتشرعة بمصطلحاتها وملاكاتها على نحو معروف وحقيقي، إلا أن الخلاف في الإباحة حيث وجود الملاك وعدمه وكلام طويل موسع يحتاج لبحثه في كتب الأصول أحيانا.
وكذلك قد يختلف العلماء في موردية الاختلاف بين الوجوب والاستحباب بين من يقول بالاختلاف وبين من يرى أنه لا يعدو عن كونه قوة وضعفا في منطوق الأمر ، وكذلك في التحريم والكراهة نفس النقاش على نحو زجري ونهي ..وما مضى هو من كلام المتخصصين .
أما المثقفين والعوام غير المتخصصين فلا يعلمون بمثل هذه التقسيمات ولا مقسمها ولا نقاشات العلماء فيها، ولذلك قد يتوجهون لعرف المعنى اللفظي، فينتزعون المفهوم منه بحسب ما يتبادر لهم دون الاهتمام بجهة الخطاب الشرعي وخصوصياته وإنما لعموميات الألفاظ ومعانيها فتضيع الخصوصيات فتصبح المعاني عامة بعموم قد يتناول الوجوب والاستحباب تحت مسمى الطلب كفرد واحد ، والنهي والحرمة تحت مسمى الزجر والنهي كفرد واحد ، بل يمكن أن يحصل الضد في أفراد الوجوب بعموم حكم حرمة الترك ، أو في أفراد الحرمة بعموم حكم وجوب الترك .. وقد بحث الشيخ الآخوند (قدس سره) في الكفاية هذا الأمر معتبرا أن لا ضد بينهما في كلام واضح ورد من يقول بالضد فيهما..
ومن منطلق انتزاع المفهوم من معاني الألفاظ عرفا دون الرجوع للمصطلحات والحدود التامة، قد لا نجد هذا الضد أصلا في الاستحباب لأنه لا يحرم تركه، كما لا نجده في المكروهات لأنه لا يحرم فعلها ، بل وقد يتحاوز المفهوم العرفي باعتبارها مرخصة الترك في المستحبات، ومرخصة الفعل في المكروهات، رغم الأمر والنهي في الخطابين الشرعيين ..
لذلك فمن الضروري مراعاة هذا التفاوت في الملاكات والموارد التي تنظر لهذه الخصوصية.
فمن الممكن ارتفاع هذه الأضداد في فرد إن تم مراعاة السياق فيه، كالزجر عن ترك الصلاة لامتثال الأمر بأدائها، والنهي عن ترك المستحبات لتحصيل ثوابها وضرورة التقرب إلى الله، والأمر بترك المكروهات لتحصيل ثواب ذلك بالقربة لله سبحانه وتعالى، والزجر عن المحرمات بالأمر بتركها للنجاة من النار، فهذه الجهة فرعية..
فالجمع العرفي لا يأبى مثل هذه السياقات لعدم تناقضها وإمكان ارقفاع ضدها في الفرد الواحد وعدم امتناعه، حيث أن الامتناع يحصل فيما لو حصل في فردين متمانعين .
فالجمع العرفي يأبى الجمع بين فردين متمانعين مختلفين إلا إذا كان هناك ما يجمعهما في المورد فيتقيد العرف بهذا المورد الجامع ..
أما تحويل مسألة تقسيم الأحكام للجهة الأصولية العقدية فقد يصادر هذا المورد حتى خصوصيات الأحكام العلميةوالمصطلحاتية، لذلك فقد ترى كثيرين يقولون: كيف لا ننتهي عن المكروهات وقد نهانا عنها الإمام المعصوم مفترض الطاعة؟
إن نهي الإمام عليه السلام منه ما فيه الترخيص بالأدلة المتصلة أو المنفصلة فيكون مكروها ومرخصا بخطابه .. ومنه ما فيه الأمر بالفعل مع الترخيص بالترك فيكون كذلك بحسب توجيهات الإمام عليه السلام، بل وأن جعل المستحب واجبا في قول الإمام عليه السلام وتقريره، وجعل المكروه حراما، تشريع وادعاء لنسب مالم يصدر منه إليه وهو من الكبائر، فالظهور يأبى في خطابه إلا ما بتبادر إلينا منه في مقام التلقي والامتثال.

والحمد لله رب العالمين
عباس العصفور
النجف الأشرف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *