الصدقةُ تكافلٌ اجتماعي

الشيخ زهير الشيخ محمد الشيخ جعفر الخال

رواية ودرس 25

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
روي عن أميرالمؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام):

( الصدقة جنـةٌ مِـن النـار ).

وسائِل الشيعة ج9، ص371.
لقد ركزَ الإِسلامُ المُبارك على عملِ الخير والفضائل والقيم الأخلاقية التي لابُد للإنسانِ المُسلم أن يتحلى بها، ويجعلها نصبَ عينيه.
ومِنَ صفاتِ وخصائِص المُجتمعِ الإسلامي ومِنَ القِيَّمِ التي دَعـا الإسلام لهـا ( التراحِم والتَواصل والبِر والترابط الإنساني والأخوي )، فَلِذا مِن رَوائِعِ المجتمع الإسلامي أنـهُ ( مجتمعٌ تكافُلي ).
لِذا وضعَّ الإسلامُ نِظاماً فريداً للعِلاقاتِ الإنسانية والروابِطِ الأَخوية ومِن ثوابتِهِ وأُسُسِهِ الحَكِيمة أنْ جَعَلَ فضائِل الأعمال ومكارم الأخلاق هي المُرتكز الذي على أَسَاسِه تَقومُ دعائِم بناء المُجتمعِ الإِسلامي.
ومِنْ تِلكَ الأعمال والفَضائِل التي يَتَقَربُ بها الإِنسان إلى الله سبحانَهُ وتعالى، وهي تبني مجتمعاً متكافلاً صالحاً مترابطاً هي : ( الصـدقة ).

وَتُعَرَّف الصَدَقة على أنها كُل ما يتم اعطاؤُه للمحتاجين مِن أجلِ التَقرُب لله عز وجل وطَلَباً لِرِضاه وثوابـه.
وَقَد حَثَّ اللهُ تبارَك وتعالى عِبَادَه على البَذلِ والإِنفاق في سبيلِهِ، والإِنفاق محمودٌ بكُلِ أشكالِه في قولِهِ تعالى: { الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } سورة البقرة، آية 274.، وهذه الطُرق المُختلفة يتم سلك أحدٍ منها بِمُراعاةِ الشرائِطِ الأفضل للإِنفاق، فالمُنفق عليهِ أن يُراعي الجوانبِ الأخلاقية والإجتماعية في انفاقِهِ الليلي أو النهاري، العلني أو السري.

فإِذا لا يكون هناك ثمة مبرر لإظهار الإنفاق على المحتاجين فينبَغي أن يكون في الخفاءِ لحفظِ كرامتهم وتركيزاً لإِخلاصِ النية، وإما إذا تطلبت المصلحةُ اعلان الإنفاقِ واِظهاره كـتعظِيم الشعائِر الدينية والترغيب والحث على الإنفاق شريطَةَ أن لا يُؤدي ذلك إلى هتك حُرمةِ أحدٍ مِن المُؤمنين فَليُعْلِن.
وقد وَرَدَتْ روايات تُؤكد على فضل صدقةِ السِر، ففي الحديثِ النبوي الشريف عنه (صلى الله عليهِ وآله): ( صدَقةُ السِر تُطفئ غَضَبَ الرب ). الكافي ج4، ص7.، وعن عمار الساباطي قال: قال لي أبو عبدالله (عليهِ السلام): ( يا عمار الصدقةُ واللهِ في السِرِ أفضلُ مِن الصدقة في العلانية وكذلك واللهِ العبادة في السِر أفضلُ منها في العلانية ). الكافي ج4، ص8.، وهذا ما ذكرهُ الله سبحانهُ في كتابه المجيد: ( وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) سورة البقرة، آية271.

وقَد أكدَ الفُقهاءُ على أن صدقةَ السِر أفضل إذا كانت مندوبة أي: مستحبة، أما إذا كانت واجبة فالأفضلُ اظهارها لما رواه في الغوالي عن ابن عباس عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): ( إن صدقة السِر في التَطوعِ تفضل علانيتها بسبعين ضعفاً، وصدقةُ الفريضةِ علانيتها أفضلُ مِن سِرِها بخمسة وعشرين ضعفاً ). مستدرك الوسائِل الباب 11 من أبواب الصدقة حديث 13.، وَلِخَبرِ أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام): ( كلما فرضَ اللهُ عليكَ علانيته فإعلانه أفضل من اسراره، وكلما كانَّ تطوعاً فإسرارُهُ أفضل من اعلانِه ). الوسائِل الباب 54 مِن أبواب مستحقي الزكاة حديث 1.

وقَد ذَكَرَ الشهيد الأول الشيخ محمد بن جمال العاملي في كتابه اللمعة الدمشقية: ( وصدقة السِر أفضل إلا أن يُتهم بالتَرك ) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ج3، ص192.

فإذا خافَ الإنسانُ أن يتهم بتركِ الصدقة المُستحبة فالأفضل له اظهارها وكذلك الأفضل اظهارها إذا قصدَ بهِ متابعة الناس لهُ فيها، لما في الاظهارِ من التحريض على نفع الفقراء.
ولِذا حثت الروايات الشريفة على فضل الصدقة وبينت لنا آثار الصدقة، ومنها:
١- تطفئ حر القبور: في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( إن الصدقة لتطفئ عن أهلها حر القبور، وإنما يستظل المُؤمن يومَ القِيامة في ظل صدقته ). كنز العمال 15996.
٢- تدفع ميتة السوء: في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( الصدقةُ تدفعُ ميتةَ السُوء ). الكافي ج4، ص2.
٣- تدفع البلاء: في الحديثِ عَن رسولِ الله (صلى الله عليه وآله): ( بكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها ). الكافي ج4، ص6.

وفي الرواية عن أبي عبدالله (عليه السلام): ( مَن تَصَدَقَ بِصَدَقةٍ حين يصبح أذهَبَ اللهُ عنهُ نحس ذاك اليوم ). الكافي ج4، ص6.
٤- تزيد في المال: في الرواية عن السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( تصدقوا فإن الصدقة تزيد في المال كثرة، فتصدقوا رحمكم الله ). الوسائِل الباب 1 من أبواب الصدقة الحديث 8.
٥- دواءٌ للمريض: في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( داووا مرضاكم بالصدقة ). الوسائِل الباب 1 من أبواب الصدقة الحديث 18.
٦- تكسر ظهر الشيطان: في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( الصدقةُ تكسِرُ ظهرَ الشيطان ). بحار الأنوار ج60، ص264.
وللصدقةِ آثارٌ كثيرة ذكرتها الروايات الشريفة عن أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم أفضلُ الصلاةِ والسَلام)، وما ذكرناهُ هنا هو بعضٌ منها.
والحمدللهِ رب العالمين، وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين .
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

النجف الأشرف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *