مشروعية زيارة قبور أهل البيت (ع) والتبرك بهم

الشيخ زهير الشيخ محمد الشيخ جعفر الخال

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

روي عَنْ الإِمام محمدٍ بن عليٍ بن الحُسينِ (عليهم السلام) قال:

قال رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم):

(( مَنْ زارني أو زارَ أحداً من ذريتي زرتُهُ يومَ القِيَامةِ، فأنقذتُهُ من أهوالها )).

كامل الزيارات – للشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي (قدس سره) المتوفي (368 هـ)، تحقيق الشيخ جواد القيومي، الباب (1)، حديث (4)، ص41.
لقد اِمتازت الشيعةُ الإِمامِيَةُ بالإِهتمامِ والعناية بأمرينِ تجاهَ النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيتهِ (عليهم السلام)، وهما: زيارة قبرِ النبيِّ (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ) وقبور أهل بيتهِ (سلامُ اللهِ عليهم)، والتبرُكُ بآثارِهِم (عليهم السلام).
ويُضَحِي الشِيعةُ بِكُلِّ غالٍ ونَفِيسٍ عن إِيمانٍ ويقينٍ راسِخ، ويرخصُ كلُ شيء عندَهُمُ مِنْ أجلِ نبيِّ الهُدى وأهلِ بيتهِ (صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين)، ومن أجلِ التبرُكِ بهم وبِزيارةِ مَراقدهم.
وقَدْ أدبَ أهلُ البيتِ (عليهم السلام) شِيعتهم وحثوهم بالرِواياتِ المستفيضةِ عندنا عنهم على الزيارة، وعلموهُم كيفِيَةَ الزِيارة وآدابها، وترغيبهم فيما لها مِنَ الثوابِ الجزيلِ عند الله عزَّ وجلَّ.
حتى اِتُهِمَ الشيعةُ بالشِركِ لِزيارتهم لقبر النبي (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ) وقبور أهلِ بيتِهِ (عليهم السلام)، والتوسُل بِهِم، والتبرُكِ بآثارهم.
وملخص الإتهام هو: إن اللهَ تبارك وتعالى هو النافِعُ والضار، ولا يجوزُ للمسلم التوسلُ بغيرِهِ تعالى، فما هيَّ المنفعةُ التي تُرجى من التبرك بأهلِ البيتِ والتوسل بهم وزيارة قبورهم ؟!
ومعَ التَأَمُلِ في هذا الإِتهام المُوَجَهِ إلى الشيعة نَجِدُ هذا الإتهام لا يرقى إلى الحقيقة أبداً، وما عَمِلَ الشيعةُ هذا بِدُونِ دليلٍ، بل يبتنون على قواعد وأدِلَة ثابتَةٍ عندَ المُسلمين، ولقد كانت سيرة المسلمين بأجمعهم على التبرك بآثارِ النبيِّ (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ) وأهل بيته (عليهم السلام) وزيارة قبورِهِم والتوسل بِهِم إلى الله تبارك وتعالى، وقد ذُكرت روايات عديدة في كُتُبِ أكابِرِ علماءِ العامةِ، تدل على زيارة القبور، وتدل على التبرك بآثار النبي (صلى الله عليه وآله).
ومِنْ تِلك الروايات:-
1 – عن عبد الله بن أبي مليكة: ( أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر، فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر عبد الرحمن بن أبي بكر، فقلت لها: أليس كان رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم: ثم أمر بزيارتها). وفي رواية عنها ( أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – رخص في زيارة القبور ). أخرجه الحاكم (1/ 376) وعنه البيهقي (4/ 78) من طريق بسطام بن مسلم عن أبي التياح يزيد بن حميد عن عبد الله بن أبي مليكة، والرواية الاخرى لابن ماجه (1/ 475).

قال البوصيري في (الزوائد) (988/ 1): (إسناده صحيح رجاله ثقات). وقال الحافظ العراقي في (تخريج الإحياء) (4/ 418): (رواه ابن أبي الدنيا في (القبور) والحاكم بإسناد جيد).
٢. روى الترمذي بسنده عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها فإنها تذكر الآخرة ).

سنن الترمذي، كتاب الجنائز عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، باب ما جاء في الرخصة في زيارة القبور: 1054.
3. روى مسلم بسنده عن انس قال: (( رأيتُ رسول الله (صلى الله ُعليهِ وآلِهِ) والحلاق يحلقه وقد طاف بهِ أصحابه ما يريدون أن تقعَ شعرة إلا في يدِ رجل )).

صحيح مسلم بشرح النووي: 15: 83.
4. روى البخاري بسنده عن أبي جحيفة قال: (( أتيتُ النبي (صلى اللهُ عليهِ وآله) وهو في قبة حمراء من أدم ورأيتُ بلالاً أخذ وضوء النبي (صلى اللهُ عليهِ وآله) والناس يتبادرون الوضوء فمن صاب شيئاً تمسَّحَ به ومَن لم يُصِبْ منهُ شيئاً أخذ مِن بَلَلِ يدِ صاحِبِهِ )).

صحيح البخاري، كتاب اللباس، باب القبة الحمراء ح5859، أخرجه مسلم 503.
5. روى البخاري في صحيحه بسنده عن موسى بن عقبة قال: رأيت سالم بن عبدالله يتحرَّى أماكن من الطريق فيصلِّي فيها ويحدث أنَّ أباه كان يصلِّي فيها، وأنه رأى النبي (صلى اللهُ عليهِ وآله) يصلِّي في تلك الأمكنة. وسألت سالماً فلا أعلمه إلا وافق نافعاً في الأمكنة إلا أنهما اختلفا في مسجد بشرف الروحاء.

صحيح البخاري: 1 / 130، الإصابة لابن حجر: 2 / 349. ترجمة عبدالله بن عمر.

قال ابن حجر في كتابه فتح الباري في مقام شرحه للحديث: (( عُرِفَّ مِن صنيعِ ابن عمر استحباب تتبع آثار النبي (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ) والتبرُك بها )).

فتح الباري في شرح صحيح البخاري: 1: 469.
فهذهِ بعض من الروايات، وإلا فالرِوايات بهذا الخصوصِ كثيرةٌ، تدُلُ على مشروعية زيارةِ القبور وأنها أمرٌ من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتدلُ كذلك على أنَّ الصحابة والمسلمين في زَمَنِ حياةِ النبي وبعد حياته كانوا يتبركون بآثارِهِ (صلى الله عليه وآله)، وقد شَهِدَ بها علماءُ العامةِ في كتبهم.
وبلا شكٍ ولا ريب بأنَّ أهل بيتِ النبي (صلى الله عليه وآله) هُم أعظمُ آثارِهِ وهُم قُربى رسولِ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلم)، فإِن جازَ واستُحِبَ التبرُكُ بشعرهِ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ)، أو بماءِ وضوءٍ توضأَ بِهِ، أو بِمَوقعِ صلاةٍ صلى فيه، أو دفن فيه، فإن التبرُكَ بأهلِ بيتهم (عليهم السلام) مِن بابٍ أولى أن يتبرَكَ بهم، وهُمُ الذين مَدَحَهُمُ الله سبحانهُ وتعالى في كِتابِه المجيد فقال: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) سورة الأحزاب، آية 33.، وقال تعالى: ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) سورة الشورى، آية 23.

وهمُ الذين قال فيهم رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ): (( إن مثلهم في هذهِ الأُمةِ كسَفِينَةِ نوحٍ مَنْ رَكِبها نجـا ومن تخلفَ عنهُم غَرِقَ وهوى )).

دعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي (363هـ.): 1: 28: 80.، الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي (974هـ.): 152.، عيون أخبار الرضا (381هـ): 1: 30.

وقد رُوِيَّ عنهُ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ):

(( النجومُ أمانٌ لأهل السماءِ، وأهل بيتي أمانٌ لأُمتي )).

عيون أخبار الرضا: 1: 30، باب فيما جاء عن الرضا من الأخبار المجموعة، ح14.
فأهلُ البيتِ (عليهمُ السلام) هم وصيةُ النبيِّ (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلم)، في أن نقتدي بهم ونعظمهم، فإنَّ التبرُكَ بآثارِهِم وزِيارَةِ قبورهم ليست شركاً.

وإن اِعتبرها أحدٌ انها شرك، فمن باب أولى أن يكون التبركُ بِآثار الرسول (صلى الله عليه وآله) شرك كذلك، وإن لم يكن التبرُك بآثار الرسول شركاً فكذلك التبرُكُ بآثار أهلِ بيتهِ ليس من الشِركِ في شيء.
هذا بالإِضافةِ إلى أمرٍ آخر:
إنَّ جَعْلَ أيِّ شيء طريقاً للنفع ودفعِ الضررِ بإعتِقادِ اِسْتِقلاليتهِ عن اللهِ عزَّ وجلَّ فهو يكون شركاً.

أما لو كانَّ الإِعتقادُ بأنهُ طريقٌ لِتَحصِيلِ النفعِ أو لِدَفْعِ الضررِ مع الأخذِ بعينِ الإِعتبار أن الذي ينفع والذي يدفع الضرر حقيقةً هو اللهُ تباركَ وتعالى فذلك ليسَ مِنَ الشركِ.
وأبسطُ مِثال واضح: إنَّ الإِنسانَّ إِذا مَرِضَ يَذْهَبُ إلى الطبيب لتحصيلِ النفعِ وَلِدَفعِ أَضرارِ المَرَضِ الذي نزل بهِ، فهذا توسلٌ مِنَ المريضِ بالطَبِيبِ المعالج، فهذا ليسَ مِنَ الشرك، لأنَّ المريض لا يعتقد بأن علاج الطبيب هو الشافي والمعافي من المرض.
كذلك التوسلُ بأهل البيت (عليهم السلام) لتحصيل الخير والبركة ليس شركاً، لأننا ما توسلنا بهم إِلا من اِعتقادٍ ثابتٍ بأنَّ اللهَ سُبحانهُ وتعالى جعل آثارهم وقبورهم طريقاً لتحصيل البركة.

فتحصيلُ الخير والبركة في آثارهم (عليهم السلام) هيَّ مِن اللهِ وحده.
والأدلة القرآنية في هذا واضحة، كانَّ النبيُ عيسى بن مريم (على نبينا وآله وعليهِ أفضل الصلاة والسلام) يبرئ الأكمه والأبرص ويُحيي الموتى، قول الله تعالى:

( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ ) سورة المائدة، آية 110.
فالأدلة على مشروعية التوسل وزيارة القبور كثيرةٌ في الكُتُبِ، واضحةٌ كالشمس الساطعة لا تُغطى بالغربال، قول الله تعالى: ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) سورة المائِدة، آية 35.
فمن أجلى مصاديق الوسيلة إلى الله (سبحانه وتعالى) هو رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ) وأهل بيتهِ (عليهمُ السلام)، ففي كتاب تفسير البرهان للعلامة المحدث السيد هاشم البحراني (قدس سره الشريف)، في الجزء الثاني، الصفحة 449، حول الآية الشريفة، نقل عن تفسير القمي: علي بن إبراهيم قال: ( تقربوا إليه بالإمام ). ونقل كذلك عن ابن شهر آشوب قال: قال أميرُ المؤمنين (عليه السلام) في قوله تعالى ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ): ( أنا وسيلَتُه ).

وجاء في كتاب ( وفاء الوفاء ) لمؤلفه العالم السنّي المشهور ( السمهودي ) إن طلب العون والشفاعة من النّبي (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ) أو التوسل إلى الله بجاهِ النّبي وشخصه جائز قبل أن يولد (صلى اللهُ عليهِ وآله) وبعد ولادته ووفاته وفي عالم البرزخ وفي يوم القيامة، ثم ينقل السمهودي في هذا المجال عن عمر بن الخطاب الرواية المعروفة التي تتحدث عن توسل آدم (عليه السلام) إلى الله بنبي الإسلام محمد (صلى اللهُ عليه وآلهِ) وذلك لعلم آدم بأن هذا النبي سيإتي إلى الوجود في المستقبل، ولعلمه بالمنزلة العظيمة التي يحظى بها عند الله، فيقول آدم: ( ربّ إنّي أسألك بحق محمد لما غفرت لي ). وفاء الوفاء، ج3، ص1371.
وقد ذُكرَّ في التاريخ عن توسل أكابر علماء العامة بقبور المعصومين (عليهم السلام)، وهنا أذكر شاهداً واحداً – وإلا فالشواهد عديدة – لأحد علماء العامة الذي كانَّ يتوسلُ بقبرِ إِمامنا وسيدنا باب الحوائج الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام).

ما أخرجهُ الخطيب البغدادي بإسناده عن أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي قال: سمعت الحسن بن إِبراهيم أبا علي الخلال شيخ الحنابلة في عصره يقول: (( ما أهمني أمرٌ فقصدتُ قبر موسى بن جعفر فتوسلتُ بهِ إلا سهلَّ اللهُ تعالى ليَّ ما أُحب )). تاريخ بغداد: 1 / 120.
فما قدمناه في هذا المقال يؤكد على أن الشيعة الإمامية قد استندوا إلى أدلةٍ ثابتة يعترف بها المسلمون في زيارة القبور والتبرك بآثار الرسول (صلى الله عليه وآله) وآثار أهل بيته (عليهم السلام)، وإنها ليست من الشرك بل هي ذات غاياتٍ عظيمة وأعظم غاية فيها التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بأشرف خلقه الذين شرفهم وكرمهم.

ثبتنا الله وإياكم على محبتهم.
والحمدلله رب العالمين وصلى اللهُ على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الخميس ٢٩ رجب ١٤٣٨هـ.

النجف الأشرف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *