من المخلص؟ ( أفكار وتيارات)!

الميرزا الشيخ عباس العصفور
Latest posts by الميرزا الشيخ عباس العصفور (see all)

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين..
تعددت الأفكار والاعتقادات حول المخلص، كما تعدد زوايا رؤيته، فمنهم من قال أنها فكرة تبحث في علة الخلاص، والآخر قيدها بأشخاص، والنتيجة أنها تعددت على نحو ترويجي تارة وتسويقي لأفكار معينة تحت ذريعة النهوض بواقع البشرية، والأديان حددت أشخاصا بمواصفات متقاربة لتحديد من سيقود العالم، ومن هنا تظهر جهتان:
* جهة تروج لأفكار تياراتها وأحزابها الفكرية والسياسية لتقدمها كمخلص..
* جهة دينية لديها النصوص والتراث المتمثل بظهر شخص منقذ يخرج بالعالم لبر الأمان من مآزقه.
ففي الجهة الأولى :
الليبرالية:
كان الأبرز فيهم فوكوياما في كتابه (نهاية التاريخ) حيث اتخذ الليبرالية مخلصا للبشرية مدعيا ثبات ورتابة التأريخ في كلامه، والغريب أن هناك كثير من المؤاخذات على الليبرالية كالعلمانية وفضائعها، وتناقضاتها فيما يخص حرية الفرد وتقييده بأغلبية أفراد آخرين بقانون لا يقتنع فيه، وعدم ثباتها بين مركزية الفرد أو تقييده بقانون الجماعة، ففي الواقع أن المطبقين لها في أوروبا والهند وغيرهما لم يحلوا مشاكلهم فعلا ولم يخلصهم هذا الفكر من البؤس الذي يطلبون الخلاص منه، ومازالت أديان الناس تبحث عن المخلص متخطية ذلك، ولازالت هذه الليبرالية مبررا لسلب الأوطان والأراضي من الناس تحت ذرائع متعددة، كالهنود الحمر والأقليات فعلا وعلى أرض الواقع، وفي الأخير ادعى فوكوياما أن زمن الإسلام الذي تقدم على الليبرالية في ساحات كثيرة قد ولى لعجزه عن تقديم نفسه للعالم ! وإنه ليس له جاذبية ليغزو الناس ثقافيا!
بغض الطرف والنظر عن اتخاذ الليبرالية نفسها مسميات دينية كالليبرالية المسيحية والإسلامية واليهودية وأمثالها لترويجها بشكل ديني ، ولكن لم توفق في جعلها دينا..
وكان على فوكوياما قراءة الإسلام وفكره ومقارنته في كل الزوايا بعيدا عن اختيار نموذج تكفيري أو منحرف ليجعله مثالا للإسلام ومقارنته، فالفكرة تناقش بالفكرة لا بالأشخاص..
الماركسية:
وفي جهة أخرى يتطلع الفكر الماركسي ليجعل نفسه حلا ومخلصا للبشرية بأفكاره الوضعية، والسيطرة الفكرية المادية الواعدة بإلغاء الملكية الشخصية والدولة حيث اعتبرتهما من عوامل التسلط على البشرية لجعل الجميع سواسية، كانت انعكاسا واضحا لجحيم الشيوعية التي كلفت أكثر من خمسين مليون نسمة ضحية في الصين والاتحاد السوفيتي وتفككه بسبب ذلك، وظهرت حقيقة استعباد البشرية وقتل راحته وسلب ممتلكاته لتكون جميعا تحت تصرف الماركسيين إداريا!
المفكرون:
أنصار العلوم:
كثير من العلماء يروجون لقدرة العلم والاعتقاد به أنه قادر على كل شيء رغم عجزه عن تفسير وبيان ومعرفة كثير من الظواهر الطبيعية حولنا، واستمراره بالتغير والاكتشاف وعدم ثبوت نظرياته كلما تقدم البحث العلمي وتطور.
إن العلم وسيلة جيدة جدا للقيام باحتياجات البشر طبيا وتقنيا، وما توصل له البشر جيد أيضا ومفرح وقد تسبب بزيادة الراحة..
لكن!
لم يسهم هذا التطور بحفظ المجتمعات حيث كان سببا للقنابل والصواريخ والأسلحة المخيفة التي يهدد وجودها كوكبنا بأسره، وتعج وكالات الأخبار يوميا بالتهديدات التي ساهم العلم بإيجادها كمواد تم تركيبها لإبادتنا إن شاء مالكها ذلك! تلك الأسلحة استعبدت شعوبا وأبادت آخرين بسبب هذا التطور العلمي، فلا نتصور أن يعطي هذا الكابوس حلما جميلا فالتطور سيعطي نصيبا للتدمير أيضا وذلك مستمر عبر التاريخ العلمي.

حتى علم النفس الذي يعالج البشر تطور في جهة أخرى الدعارة والإغراء والتهتك والترويج لأمور محرمة شرعا ومدمرة اجتماعيا وبشريا..

وهكذا باقي العلوم في جانبها الآخر.
القانونيون:
قد روجوا لحلم وصول الخبرة البشرية للتكامل الذي يعتمد عليه في سن قانون موحد متكافيء سيجعل البشرية تحل جميع مشاكلها وتتخلص من البؤس، والوقت كفيل بتحقيق ذلك لكل البشرية.
ولكن!
الغريب أن هذا القانون المطلوب منه توحيد العالم قد تعرقله العرفيات المجتمعية من مجتمع لآخر، وقد تدهوره حالات النزعات بين البلدان بمدى قوة ولائهم لأراضيهم وأماكنهم وما يجمعهم من عرق أو لون، فمن الطبيعي أن يدافعوا عن تميزهم وسلبهم هءا التمؤز جناية في حق هويتهم وانتماءاتهم.
القانون نفسه لم يعط لنفسه الحق في نسف المدارس القانونية التشريعية المختلفة، بل قد يشكل هءا الفانون مشكلة حدودية بين بلدين أو فردين أو مجتمعين إذا ما وقف بإسم العدالة مثيرا ومتصادما مع تعدديته في مواطن الخلاف!
فمفهوم العدل عند المجتمع الإنساني يحمل في أحد كفتيه الميزان بين المنفعة والمضرة كما يحمل ميزان السواسية، فبعض الأحيان يرفض القانون مبدأ المساواة والسواسية نفسها ولا يراها عدلا دائما..
لذلك تكفل القانون السماوي بتوحيد ذلك، عبر شريعة تنظم الجميع بمواد شمولية واضحة تصلح لكل زمان ومكان وتحفظ الإنسانية من الفساد والأمراض والكوارث بأحكامها الصالح لكل فطرة سليمة..
وما مر يوضح أنه لا يمكن الترويج لجعل التيارات والعقول البشرية الوضعية والفكرية مخلصا للبشرية..وإنما لو راجعنا التاريخ لوجدنا عكس المدعى فيها.

والحمد لله رب العالمين

عباس العصفور

النجف الأشرف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *