المهدي المنتظر (عج) وعدُ السماءِ وبشارةُ الأنبياء..

الشيخ زهير الشيخ محمد الشيخ جعفر الخال

بسم الله الرحمن الرحيم

 

والحمدُللهِ رب العالمين، والصلاةُ والسلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمين النبيِّ الأمين محمد بن عبدالله وعلى أهل بيته سفن النجاة الطيبين الطاهرين ..
? روى أبو سعيد الخدري قال: سمعتُ رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) يقول على المنبر:

(( إن المهدي مِن عترتي، من أهلِ بيتي، يخرجُ في آخرِ الزمان، تُنزِلُ لهُ السماءُ قطرها، وتُخرِجُ لهُ الأَرضُ بذرها، فيملأُ الأرضَ عدلاً وقِسطاً كما ملأَها القومُ ظُلماً وجَوراً )). الغيبة / الطوسي: ص180.
? العقيدةُ التي اختصَ بها الشيعةُ الإِمامية من جِهَةِ أنَّ الإمام الحجة المنتظر (عليه السلام، وعجل اللهُ تعالى فرجَهُ الشريف) هو آخر الأئمة مِنْ ذُرِيةِ الإمامِ الحُسين (عليه السلام)، وأنهُ حيٌ يُرزق، وسوفَ يكونُ خلاصاً للبشرية مِنَ الإِستبدادِ والظُلم، بعدَ أن تمتلأ الدُنيا بالظُلمِ والجور، وليسَ ذلك إلا وعدٌ مِن قِبل اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَعَدَ به المُضطهدين والمظلومين في جميعِ بِقاعِ الأرضِ.

فَفي الروايةِ الشريفة أنَّ الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) قرأ الآية الكريمة قول الله تعالى: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) سورة النور، آية 55.، فقال (عليه السلام): (( واللهِ هُم مُحبونا أهل البيت، يفعلُ الله ذلك بهم على يدِ رجلٍ منا، وهو مهديُّ هذه الأُمةِ.، قال رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم): لو لم يبقَ منَ الدُنيا إلا يومٌ لطوَّلَ اللهُ ذلك اليوم حتى يأتي رجلٌ من عترتي، اسمُهُ اِسمي، يملأُ الأرضَ قسطاً وعدلاً كما مُلئتْ ظلماً وجوراً )). ينابيع المودة ج3، ص245. / مجمع البيان ج7، ص267.
فالخلاصُ وَنِهايَةُ الظُلمِ والجورِ يكونُ بظهورِ هذا المُصلحِ العظيمِ (عجل اللهُ تعالى فرجه الشريف).
وهذهِ العقيدةُ ليست وليدةَ الإِسلامِ بل كانت الأديانُ السابِقة تُؤمِنُ بوجود مُخلِصٍ يكونُ الإِصلاحُ على يديه، والكُلُ يتطلعُ إلى ذلك اليومِ بِسَبَبِ انتشارِ الظُلم والفساد، ولا تُوجدُ قدرةٌ لدفعِ ذلك الظُلم، والناسُ في عَجزٍ أمامَ هذا الظُلم والإِضطهادِ ولا يوجدُ لديهم إلا هذا الأمل الموعود لِخَلاصِ البَشرية.
? وإذا نظرنا إلى الأهدافِ التي بُعِثَ مِنْ أَجلِها الأنبياءُ، والغاية مِن بعثهم، نجدُ أنَّ الهدفَ الرئِيس والأول هو إتمامُ الشُروطِ التي يلزم توفرها لرُشدِ البَشَرِ وَتَكَامُلهمُ الواعي، والذي يَتمُ مِنْ خِلالِ إِبلاغِ الوحي الإلهي للناس، وجعلَهُ بِمُتَناولِ أيديهم، حتى يهتدوا ويعملوا على وفق القوانين السَماوِية وَتُكتَبُ لهمُ السعادةُ في الدُنيا والآخِرة، وهذا هدفٌ إلهيٌ في قوله تعالى: ( يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) سورة المائدة، آية 16.
وهُناكَ هدفٌ وغايةٌ أرادَ أنْ يصلَ لها الأنبياءُ (عليهم السلام) وهي تشكيل “المجتمع المثالي” القائِم على أساسِ عبادَةِ الله والقِيم والتعاليم الإلهية ونشر العدل والقسط في جميعِِ أرجاءِ المعمورة، وأن يوجد تطبيقٌ لحُكمِ اللهِ سُبحانهُ ولا يُوجدُ حُكمٌ لغير حُكم الله عزَّ وجلَّ،

وقد سعى كلٌ مِنَ الأنبياءِ بِحَسَبِ وسعِهِ في هذا السبيل، وقد تمكن بعضُهم من إِقامةِ دولةٍ إلهيةٍ في منطقةٍ أو مرحلةٍ زَمَنِيةٍ مُعينة، ولكن لم تتوفر لأيٍّ منهم الظروف والشروط المُناسِبة لِإِقامَةِ الحكومة العالمية.

ولكن لم تكن الظروف مُآتيةً لكي تَتَحَقق هذه الغاية والأُمنية للأَنبياء ليرو العدل منتشراً بين الناسِ جميعاً، فلا يكون ظلم ولا استحوادٌ على الخيراتِ لجهةٍ دون جِهةٍ أُخرى، فتَتَحقق بذلك “الدولة الفاضلة”.
والمُلاحظ أنَّ عدم توفر مثل هذه الظروف والشروط المناسِبة لا يعني أنَّ الأنبياء (عليهم السلام) لم يبذلوا جهدهم ولم يسعوا في تحقيق هذهِ الغاية أو النقص في إِرادتهم وقيادتهم، بل بذلَّ الأنبياءُ كلَّ غالٍ ونفيسٍ مِنْ أجلِ الحقِ والعدلِ، ولكنَّ الناس لم يأخذوا بالنُظُمِ والقوانين بل اعرضوا عما جاءَ بهِ الأنبياءُ (عليهم السلام).
وكذلك أيضاً إنَّ الهدف الإلهي هو توفير الأجواء والظروف التي تتناسب مع حركةِ البشر الإِختيارية، قوله تبارك وتعالى: ( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) سورة النساء، آية 165.

لا إِلزام الناس وقهرهم على اعتناق الدين الحق واتباع القادة الإلهيين وقد تحقق هذا الهدف.
ولكن الله سُبحانهُ وَعَدَ بِإِقامَةِ الحكومة الإلهية على الأرضِ كلها، والوعدُ الذي جاءَ بهِ الأنبياء (عليهم السلام) بأنَّ الله عزَّ وجلَّ سوف يستخلف المؤمنين وسوفَ ينصرهم، وهذا نوعٌ مِنَ الإِنباءِ عنِ الغيبِ بالنسبةِ لتوفر الأجواء المناسبة لتقبل الدين الحق ونشر العدل والقسط، ويمكن اعتبار هذه الغاية والهدف والوعد هو الهدف النهائي لِبعثةِ النبي الخاتم محمد بن عبدالله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) ودينه الخالد الذي قال عنهُ الجليل جلََ وعلا: ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) سورة التوبة آية 33، سورة الفتح آية 28، سورة الصف آية 9.
وبما أننا نؤمنُ وَنَعتقدُ بأنَّ الإمامةَ هيَّ اِمتدادٌ للنبوةِ ومُتَمِمَةٌ لها، فنتوصل إلى أن هذا الهدف والغاية والوعد الإلهي سَيتَحَقَقُ على يدِ الإمامِ الحُجةِ بن الحسن (عجل اللهُ تعالى فرجه الشريف).
والأدلة على ذلك كثيرة، منها:
# القرآن الكريم:
1. قول الله تعالى: ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) سورة الأنبياء، آية 105.

فهذه العقيدةُ وهذا الوعدُ ليس في القرآن الكريم فقط، بل ذكرها في الزبور وغيره من الكتب السماوية الأخرى، كما بشرت بالنبي محمد (صلى الله عليه وآله) الذي تكون النبوة ختامها على يديه، كذلك بشرت بالعدل الذي سيملئ الأرض.
2. قول الله تعالى: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ) سورة النور، آية 55.
في الرواية عن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) قال: (( نزلت في القائم المهدي )).

ينابيع المودة ج3، ص245.
# الروايات الشريفة:

إنَّ الروايات التي نقلها الشيعة والسُنة عن النبي (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) حولَ الإمام المهدي (عليه السلام) تبلغ حد التواتر، بل إنَّ الروايات التي نقلها أهل السُنة وحدهم تبلغ حد التواتر بإعتراف جماعةٍ من علمائهم، مثل ابن حجر في الصواعق المحرقة ص99.، ونور الأبصار للشبلنجي ص155.، وغيرهم.
ومن تلك الروايات:
1. عن رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم):

(( لو لَمْ يبقَ مِنَ الدَهرِ إلا يوم لبعثَ اللهُ رجلاً مِنْ أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً )).

صحيح الترمذي ج2، ص46. / مسند ابن حنبل ج1، ص378.
2. عن أم سلمة أنَّ رسول اللهِ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) قال: (( المهدي مِن عترتي ومِن وُلدِ فاطمة )).

اسعاف الراغبين ص134.، نقلاً عن صحيح مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجة.
3. عن ابن عباس قال: قال رسولُ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم): (( إنَّ علياً إمامُ أُمتي مِن بعدي ومِن وُلدِهِ القائمُ المنتظر الذي إذا ظهر يملأُ الأرضَ عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً )). ينابيع المودة ص 494.
اللهم عجل فرجهُ وسهل مخرجه واجعلنا مِن أنصارِهِ وأعوانه، والمسارعين إلى خدمته، والمستشهدين بين يديه ..
والحمدُللهِ ربِّ العالمين ..

وصلى اللهُ على محمدٍ وآلهِ الطيبين الطاهرين ..
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الإثنين 11 شعبان 1438 هـ.

النجف الأشرف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *