بين ” حُسن الخُلق ” و ” سُوء الخُلق “..

الشيخ زهير الشيخ محمد الشيخ جعفر الخال

بسم الله الرحمن الرحيم

 

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والحمدلله رب العالمين، وصلى الله على نبيه المصطفى الأمين محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ..

 

روى الشيخ الكليني (رضوان الله عليه) في كتابه الكافي، عن الإمام الصادق (عليه أفضل الصلاة والسلام) أنهُ قال:

(( مَنْ ساءَ خُلقه عَذّبَ نفسه )).(١)

 

تُعتبرُ الأخلاق مفتاحاً لصلاحِ الإنسان، وباباً كبيراً يمكن للإنسان المسلم أن يرتقي لدرجات الكمال الرفيعة من خِلالها.

وإن مِن طبيعة الإنسان أن يرتبط بالمجتمع، ويقضي عهد حياته مع الآخرين، فيكون المجتمع مِن ضروريات نظامه الوجودي، فلهذا لا يستطيعُ الإنسان أن يقطع أواصر الإرتباط بأبناء جنسه ويعتزلهم عزلة تامة، فلو اعتزلهم دخلَّ في ظلامِ الوحشة والوحدة التي تجعل وجه الحياة عليهِ عبوساً قمطريراً، وتكون روحهُ في حالةٍ من الإحتباس والضِيق الشديد، ويعيشُ غريباً عن مجتمعه.

 

ومن هنا نقول: إن العامل الذي يقوي الإنسان في ارتباطه بالمجتمع والناس وتكوين الناس معه علاقة الصداقة والمحبة والمودة، هو عامل ” الأخلاق الحسنة “.

 

ولهذا نجدُ أنَّ القُرآن الكريم والروايات الشريفة قد أكدت على أهمية الأخلاق الحسنة.

وقد اهتمّ القرآن الكريم بمكارم الأخلاق وذمّ مساوئها، ولعل من أوضح الآيات الشريفة التي تؤكد على أهمية حُسن الأخلاق وخطورة الأخلاق السيئة، قول الله تبارك وتعالى: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ).(٢)

والفظّ هو: الغليظُ الجانب السيّئ الخُلُق، والآيةُ مقصودها أن من أهداف البعثة النبوية أن يبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تكاليفَ الله إلى خلقه، ولا يتمُ الهدف والغرض إلا إذا مالت قلوب الخَلقِ لرسول الله، وسكنت نفوسهم لديه، ولا يكون ميلان القلب وسكون النفس إلا إذا كان رحيماً كريماً، ولهذه الأسباب وَجَبَ أن يكون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مبرأً عن سُوء الخُلُق، ولذا لو كان غليظ القلب لما مالت له القلوب وسكنت له النفوس، وأخذت منه واتبعته، ولو انفضوا من حوله لفات وانتفى الهدف والغاية من البعثة والرسالة.

ولذا أكد القرآن الكريم على الخُلُق العظيم الذي يمتلكه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث قال الله سبحانه: ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ).(٣).

 

ونجد مجموعة من الروايات الشريفة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكرت وبينت هدف البعثة النبوية على إِتمام مكارم الأخلاق، من خلال ألسنة متعددة وبيانات مختلفة، فقد ورد عنه أنهُ قال:

( إنما بعثت لأتمّمَ مكارم الأخلاق )

وفي رواية:

( إنما بعثت لأُتمّمَ صالح الأخلاق )

وفي رواية أخرى:

( إنّ بعثتي بتمام مكارم الأخلاق وكمال محاسن الأفعال ). (٤).

 

فإذا اتضحت لنا أهميةُ ” حُسن الخُلق “، فتتضح لنا الخطورة الكبيرة في ” سُوء الخُلُق “.

فإن سوء الخُلق يبعدُ الإِنسان عن الخالقِ والمخلُوق، وهذا ما رويَّ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنَّهُ قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ( أبى الله عزَّ وجلَّ لصاحب الخُلق السيء بالتوبة، قيل: وكيف ذاك يا رسول الله ؟ فقال: لأنه إذا تاب مِن ذَنبٍ وقعَ في ذنبٍ أعظم منهُ ).(٥)، فسوء الأخلاق ذنبٌ يُبَعد الإنسان عن التقرب إلى الله تبارك وتعالى، ويجعل الإنسان غير مقبول ومرغوب به عند الناس، فيبتعد عن الخالق والمخلوق لسوء خُلقه. ولذا يعيش سيء الأخلاق عذاباً نفسياً دائماً تَسَببهُ لِنفسهِ بِسَبَب اِرتكابه للرذائل الأخلاقية وتعامله مع مجتمعه بالأخلاق السيئة، وهذا ما وضحته الرواية التي صدرتُ بها هذا المقال، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنهُ قال: (( مَنْ ساءَ خُلقه عَذّبَ نفسه )).

 

فلذا على الإنسان المسلم أن يتجنب ” سوء الخُلق “، وأن يسعى لفلاحه ونجاحه في التحلي بـ ” مكارم الأخلاق “، وأن يزكي نفسه فقد قال اللهُ تعالى: ( أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ).(٦)، وعليه أن يتحلى بالأخلاق الحسنة فإنها أفضل صفات الأولياء، وهي طريق التقرب إلى الله سبحانه وتعالى وإلى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوليائِه الصالحين، فقد رويَّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنَّهُ قال: ( إنّ أحبّكُم إليَّ وأقربكُم منّي يوم القِيامةِ مجلساً أحسنُكم خُلقاً ).(٧).

 

والحمدلله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

 

خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الأربعاء 8 ربيع الآخر 1439هـ.

النجف الأشرف

 

1. الكافي، ج2، ص242، ح4.

2. سورة آل عمران، آية 159.

3. سورة القلم، آية 4.

4. مستدرك الوسائل، ج11، ص187.

5. الكافي، ج2، ص242، ح2.

6. سورة الشمس، آية 9، 10.

7. الكافي، ج2، ص81، ح1، باب حُسن الخلق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *