فضيلةُ الصِدْق

الشيخ زهير الشيخ محمد الشيخ جعفر الخال

بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والحمدلله رب العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خيرتِهِ مِنْ خلقهِ المبعوث رحمةً للعالمين الصادِق الأمين النبي الكريم محمد بن عبدالله وعلى أهل بيتهِ الطيبين الطاهرين ..
(( لا تَنْظُروا إلى كَثْرَةِ صَلاتِهِم وَصَومِهم وَكَثْرَةِ الحَجِّ والمَعرُوفِ وَطَنطَنَتِهِم بالليلِ ولَكِنْ اُنظُروا إلى صِدقِ الحَديثِ وأَداءِ الأَمانةِ ))(١).مِنْ رَوائِعِ الفضائِل الأخلاقِيَةِ المُباركة التي هيَّ مِفتاحٌ إلى نَيلِ جميعِ الفضائِل الأخلاقية والتحلي بها، وهيَّ المفتاحُ إلى الكَشفِ عن باطن شخصية الإنسان وإِلتزامه، ” فضيلةُ الصِدق ” تُشكِلُ الأَساس إلى الشخصية الإنسانية السوية والكاملة، فلذا لا يمكن إِطلاق اِسم ” الإِنسان الحقيقي ” لأي شخصيةٍ تخلو من هذه الفضيلة والصفة الأخلاقية ومع هذه الصفة صفةٌ عظيمةٌ أخرى هيَّ مِنْ لَوازِم فضيلة الصِدق وهي ” صفةُ الأَمانَة “.

 

فَبينَّ ” الصِدق ” و ” الأَمانَةِ ” أصلٌ واحدٌ وجذرٌ مشترك، فالصِدْقُ هو الأمانَةُ في القول، والأَمانةُ هيَّ الصِدقُ في العمل. لذا وردت في الروايات وكلمات الأئِمَةِ المعصومين (عليهم السلام) هاتان الصفتان سويةً، لا تفترقان كما سيتضح لنا إن شاء الله تعالى.

 

⁃ مفهوم الصِدْق:

إذا كان الكذب هو الإخبار عن الأشياء على خلاف ما هي عليه، فإنّ الصدق هو ضدّه (٢)، وهو – أي الصِدق – مطابقةُ القولِ للواقع الذي هو عليه. وهو أشرف الصفات المَرضِيَة، ورئيس الفضائل النفسية، وما ورد في مدحه وعظم فائدته من الآيات والأخبار مما لا يمكن إحصاؤه.

منها قولُ اللهِ سبحانهُ وتعالى: ﴿ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ (٣).

وقول رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم): ( تقبّلوا إليّ بست خصال أتقبّل لكم بالجنّة: إذا حدّثتم فلا تكذبوا، وإذا وعدتم فلا تخلفوا وإذا ائتمنتم فلا تخونوا، وغضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم، وكفّوا أيديكم وألسنتكم )(٤).

 

⁃ أهميَّةُ الصِدْق:

إن التأمل الدقيق فيما وَرَدَ مِن الآيات الكريمة والروايات المُباركة في التأكيد على هذه الفضيلة يَتضحُ لنا أهميتها، والنتائج المترتبة بسبب التحلي بهذه الفضيلة.فمما يبين لنا أهمية ” فضيلة الصدق ” أنها هيَّ المفتاحُ إلى جميع الأخلاق الحسنة، وأنَّ جميع الفضائل الأخلاقية تجتمعُ عند من يمتلك هذه الفضيلة، هذا ما أوضحهُ لنا القرآن الكريم في قول الله تبارك وتعالى: ( لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )(٥).

 

فإنَّ هذه الآية الشريفة كاشفة لنا أن الذي يمتلك ” فضيلة الصِدْق ” في الحقيقة أنَّهُ تجتمِعُ فيه صفاتٌ مُباركةٌ عديدة:

 

(١) الإيمان بالله تباركَّ وتعالى، وهو أصل الأصول في الإعتقادات، فالإيمان الحقيقي بالخالق العظيم، هو من أعظم الأمور الإعتقادية التي يتحلى بها الصادقون.

 

(٢) الإيمان باليوم الآخر، والملائكة والكتاب والنبيين، فهذه الإعتقادات التي تترتب على التوحيد، وهذا الإيمان الصادق تجدهُ عند من يمتلك ” فضيلة الصِدق “.

 

(٣) الإنفاق: ( وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ )، فهذا العطاء وهذا الإنفاق في سبيل الله سبحانه، السبيلُ في الوصول إليه نابِعٌ من هذه الفضيلة الأصيلة في القيم الأخلاقية.

(٤) إِقامة الصلاة: مِن عظيم العبادات ووسيلة التقرب إلى الجليل جلَّ وعلَّا، فمُقيم ” الصلاة ” العبادة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، والتي هي عمود الدين، إِقامةً حقة، هو في الحقيقة مِن أهل ” فضيلة الصِدْق “.

ويمكن أن أقول: إنا إِقامة الصلاة من أحب الأعمال العبادية لأهل الصِدْق.

 

(٥) إعطاء الزكاة: وهذه قِيمةٌ أخرى يمتلُكها أهلُ ” فضيلة الصِدْق ” والتي هيَّ – الزكاة – مِنْ أبواب الفَلاح، فقد قال سبحانه وتعالى: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ) (٦).(٦) الوفاء بالعهود: وهو الخُلق الشريف العالي الرفيع(٧)، وهو الذي يترتب عليهِ بناء الدولة، وبناء المجتمع، وبناء الصرح الأخلاقي عند الإنسان. هو من الأخلاق التي تكون عند ” أهل الصِدْق “.

(٧) الصبر: وهو حبسُ النفس عن فعل شيءٍ أو تركُهُ ابتغاء وجهِ الله سبحانه، قال تعالى: { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ }(٨).، صِفَةٌ تَدُلُ على كمال الإيمان، بل هي رأسُ الإيمان كما دلَّ على ذلك الحديثُ عن الإمام الصادق “ع”: ( الصبر من الإيمان بمنزلةِ الرأس من الجسد فإذا ذهب الرأسُ ذَهَبَ الجسد، كذلك إذا ذهبَ الصبرُ ذَهبَ الإِيمان ).(٩)، وهذا الصفة الأخلاقية العظيمة يمتلكها أيضاً ” أهل الصِدق “.

 

ففي ختام الآية الشريفة تعطينا نتجةً واضحة: وهي .. إن كل هذه الصفات تكون من ملكات أصحاب ف
( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ).

فقد عرفت لنا الآية الشريفة معنى الصِدق بالواقع العملي التطبيقي لأهل هذه الفضيلة، أي: إذا أردتَّ أن تعرف أهل الصِدْق فسوف تعرفهم بهذه الصفات وبواقعهم العملي إليها، فَهُمُ أهل الصِدق.

وهذا معنى القول بِـأنَّ فضيلة الصِدق مفتاحٌ إلى كُلِّ الفضائِل الأخلاقية.

 

ومِنَّ الأدِلة الروائية التي يُستدلُ بِها على أهمية فضيلة الصِدق ما ورد في النصوص عن الإمام الصادق (عليه السلام): ( إنَّ الله لم يبعث نبيّاً إلا بِصدقِ الحديث وأداءِ الأمانة )(١٠). وهذا معناهُ أنَّ النبي المبعوث إلى الناس يكونُ مُتلبساً بالصِدْقِ في كلامه، و ” وجوب الصِدْق في الحديث كانَّ مِنْ أحكام شريعته “(١١)، فلولا “الصدق في الحديث” و “أداء الأمانة” لَمْ يتبعِ الناسُ الأنبياءَ في دعوتهم. ولضرورتها وأهميتها كانت صفةً أخلاقية مِنْ صِفاتِ جميعِ الأنبياء، وعلى رأسِهم سيدُ الأنبياء النبي المصطفى محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلِذا كانَّت تُلقِبُهُ قُريش بـ “الصادِق الأمين”.

وهذه الفضيلة هيَّ التي يختبر بها الإنسانُ الصالح، ففي الرواية عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: ( لا تغتروا بِصلاتهم، ولا بِصيامِهم، فإنَّ الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه اِستوحش، ولكن إِختبروهم عند صدق الحديث وأداءِ الأمانة )(١٢).

وفي الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): ( الصِدْقُ كمالُ النُّبل )(١٣)، وعنه (عليه السلام) أنَّهُ قال: ( الصِدْقٌ مُباركٌ، والكَذِبُ مَشُوم )(١٤).

 

وفي الختام نقول: إذا اِتضحَ لنا أهمية “فضيلة الصِدْق” وضرورتها وصعوبتها أيضاً، سيتضحُ لنا إيضاً خطورة ما هو ضِد الصدق وهو (رذيلة الكذب) أيضاً، وعلى الإنسان الصالِح أن يسعى في تحصيل “فضيلة الصدق”، التي هي – كما في عدد من روايات أهل البيت (عليهم السلام) ومضامين أحاديثهم – رأسُ الدين ولِباسُ اليقين، وسجية المخلصين، وَأَنْجَحُ دليل، ولباسُ الحق.

قال الله تبارك وتعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )(١٥).

 

اللهم إجعلنا مِنَ اْلصادِقين ..
والحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمدٍ وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

 

خادم الآل

الميرزا زهير الخال
الأحد ١٩ ربيع الآخر ١٤٣٩هـ.

النجف الأشرف

 

 

1. بحار الأنوار للعلامة المجلسي، ج68، ص9، ح13.

2. جامع السعادات للمولى النراقي، تحرير رضا مختاري، بيروت، الأمير للطباعة والنشر، 2009م، ط 1، ص360 و370.3. سورة التوبة، الآية 119.

4. بحار الأنوار للعلامة المجلسي، ج66، ص372.

5. سورة البقرة، الآية 177.

6. سورة الأعلى، الآية 14.

7. لسان العرب لابن منظور
t;

8. سورة الرعد، الآية 22.

9. الكافي للكليني، ج2، ص88.

10. الكافي للكليني، ج2، ص104، ح1.

ong>11. دروس في الأخلاق، آية الله المشكيني، ص88.

12. الكافي للكليني، ج2، ص104، ح2.

13. غرر الحكم، الرقم 1056.

14. بحار الأنوار للعلامة المجلسي، ج77، ص67، ح6.

15. سورة التوبة، الآية 119.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *