عظمة الإحسان للوالدين في القرآن الكريم

 [responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

الحمد لله ربِّ العالمين و صلاة و السلام على أشرف الخلق محمد و آله الطيبين الطاهرين.

 

أولى الإسلام الحنيف _ضمن دائرة اهتمامه ببناء العلائق الاجتماعية المتينة_ فصول علاقة الولد بوالديه كبير اهتمامه، وعميق عنايته، بل خصها من ذلك بما ميّزها عن سواها‌ من‌ مفردات المنظومة الاجتماعية، ووضع لهـا أسـساً وقواعد رصينة تستوعب كل جزئياتها، وتشيد منها نظاماً اجتماعياً وأخلاقياً فاضلاً متكاملاً.

 

حيث قال عزوجل في قرآنه المجيد:

{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا . رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا } {الإسراء/23-25}

عـن الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} قال‌: «الإحسان أن تحسن صحبتهما، وألاّ تكلفهما أن يسألاك شيئاً مـما يحتاجان إليه، وإن كانا مستغنيين».

لو تأملنا قليلا

قرن الله عزوجل أصل من أصول الدين وهو التوحيد مع الإحسان بالوالدين لبيان التأكيد على أهميته ،و في آيات أخر دعا الله لنفسه بالعبوديةو عطفها مباشرة ببرّ الوالدين ،وبعبارة أخرى العبادة سر خلق البشريةوأقترانها ببرّ الوالدين دليل على عظمة هذه العبادة، و تكرارها في عدة مواطن في القرآن الكريم  وهي :

* { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } الأنعام/151

 

* { وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا. } النساء/36

 

* { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ }البقرة/83

هذا التكرار و هو تكرار الإحسان و اقترانه بالعبودية دليل بلاغي و نتيجته عظمة الإحسان للوالدين.

ذكر الله عزوجل مفردة قضى و لم يذكر أمر لتقدمها  في دلالة المعنى على الألزام و الحتمية و الوجوب و ذلك أيضا لأهمية ، ثم ذكر الله عزوجل مصاديق الإحسان..

إن مفردة أف أقل ما يتلفظه الإنسان به فترك الكلام الأكثر قبحا أولى و ترك رفع الصوت بغضب أولى و الأولى منهم الضرب .

إن الخطاب جاء بصيغة الجمع (تَعْبُدُواْ) من ثم خطاب بصيغة الفرد الأكثر قوه في هذه الحاله فهو يفيد نهي كل أحد أي لا شك  أن الخطاب موجه إلى كل .

لقد جاء الخطاب ب (أُفٍّ) منونه ليدل بها على كل أنواع التضجر و الاستقذار دون استثناء وفي هذا قوه بيانية تضاف إلى ما أشرت إليه سابقا ، و لو جاء بها غير منونة لدلت على نوع خاص من التضجر ، راجع الفرق بين صه و صهٍ وهم أسماء أفعال.

{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا }..

الله عزوجل بعد تركيزه على الوالدين زاده في تركيزه على كبار السن منهم لما يحتاجون أليه من أهتمام خاص حيث إن العمر و الصحة   لا يسمح لأي ضغوطات شخصية من أفراد العائلة أو عامة من عامة الناس و الواجب الحتمي و الضروري إظهار التبجيل و التعظيم و مبالغة في خدمتهم و السؤال عنهم و تخصيص وقت أسبوعي لدعوتهم في الثلاث الأوقات  ،وعدم ذَكر الشيء القبيح في محضرهم ، (وغض النظر عن تصرفاتهم) و نحن مأمورون التعامل بالمعروف مع الوالدين من غير ديانة, أو قل حتى لو كان مسيئا لنفسه أو من المشركين أو المخالفين كما جاء عن أهل البيت عليهم السلام..

* روي عن الإمـام الصـادق عليه السلام: «ثلاث لم يجعل اللّه عزّ وجل لأحد فيهن رخصة: أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر‌، والوفاء‌ بالعهد للبر‌ والفاجر، وبر الوالدين برين كانا أو فاجرين».

* وعن جابر قـال: «سمعت رجلاً يقول لأبي عبد اللّه عـليه السـلام: إنّ لي أبوين مخالفين، فقال: «برّهما كما تبرّ المسلمين ممن يتولاّنا‌».

* روي عن الإمام‌ الرضا عليه السلام: «برّ الوالدين واجب وإن كانا مشركين، ولا طاعة لهما في معصية الخـالق».

(وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا.وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)

بالغ في التواضع والخضوع لهما قولا و فعلا وبرا بهما وشفقه عليهما و المراد بالذل هاهنا اللين و التواضع دون الهوان من خفض الطائر جناحه إذا ضم فرخه أليه، وهناك صوره أخرى لخفض الجناح ،الإنسان بطبيعته العالية الشامخة كأنه طائر أرتفع إلى عنان السماء و لكن مع الوالدين أخفض جناحيك و أبرز التصاغر بدل العلو وكلا صورتين جميلتين فتأمل.

 

وضمّ لزوم شكرهما إلى وجوب‌ شكره‌ في قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}(لقمان/14)، وذلك واضـح في دلالته على كبير حقهما وحرمتهما في‌ نظر‌ الشـارع‌ الأقـدس.

 

وفي الختام جاء في الدعاء عنا الإمام زين‌ العابدين عليه‌ السـلام لأبـويه:

«اللّهم‌ اجـعلني أهـابهما هيبة السلطان العسوف، وأبرهما برّ الأم الرؤوف، واجعل طـاعتي لوالدي وبري بهما أقرّ لعيني من رقدة الوسنان، وأثلج‌ لصدري من شربة الظمآن، حتى أوثـر على هواي‌ هواهما، وأقدّم على‌ رضاي رضاهما، وأستكثر برهما بي‌ وإن قـل، واستقل بري بهما وإن كثر، اللّهم خـفض لهما صوتي، وأطب لهما كلامي، وألن لهما عريكتي، وأعطف عليهما قلبي وصيرني بـهما رفيقاً، وعليهما شفيقاً‌»

الهم أغفر للوالديَ

صادق الجفيري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *