حوارية اليوم التاسع عشر

بسم الله الرحمن الرحيم
السائل : الجزء التاسع عشر يبدأ من الآية ٢١ من سورة الفرقان هل لك التكلم عن بعض آيات هذا الجزء؟

الشيخ : نبدء بالآية ٢٣ من سورة الفرقان في قوله تعالى{وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} العمل الصالح أو أعمال الخير أو الفرائض الواجبة و المستحبة يجب أن تكون _نية قصد القربة_ خالصة لله عزوجل، لا يشوبها رياء أو إعجاب أو تعالي مثل استصغار عمل الغير أو المن لكي لا يكون {هباء منثورا}، أي لا قيمة له، و من المعلوم أن {هباء} لايرى إلا في أشعة الشمس القليلة الداخلة للغرفة من النافذة، أي درجة أن لا قيمة أقل من الواحد.
أما العمل الخالص فقد ذكر في الآيات أنه صمام أمان لعدم الظلم بل في المقابل الوصول إلى الفلاح و تضاعف الخيرات:
– قال الله تعالى: {وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ }
– و قوله تعالى {فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }
– وقوله تعالى {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}، لا ظلم بل فلاح متضاعف، هكذا اختصرت  لنا الآيات إذا عملنا لوجه العزة و الجلال.
يرشدنا العلماء إلى أن أي شيء نعمله أن نجعل نيتنا لله خالصة فيه، حتى في صغائر الأمور فضلا عن كبائرها.
أما الأختيار الثاني فهي الآية من ٢٨إلى الآية ٢٩ من سورة الفرقان: {يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا (29)}.
سبب نزولها إن أُبي بن خلف ضل خليل له قد نطق الشهادتين اسمه عقبة، و كان مصيرهما أن قتلا في بدر، و التجاوز الذي أحدثه عقبة لرسول الله رجع عليه، و كان يحرق خده إلى أن ضرب عنقه، و في كل الأحوال سبب النزول لا يقيد مفهوم الآية، و الكلام في قرين السوء، وهو بلاء عظيم، قال: أمير المؤمنين عليه السلام: ( الصديق أقرب الأقارب) ، وعنه عليه السلام: (الأصدقاء نفس واحد في جسوم متفرقة) ، حيث يؤثر الصديق السيء على البيئة المحافظة ويخرب البيوت، حتى  قال فيه رسول الله صلى الله عليه و آله : ( الوحدة خير من قرين السوء)، فلا بد هناك من قاعدة نتخذها قبل التعمق في العلاقات، قال أمير المؤمنين عليه السلام : (الطمأنينة إلى كل أحد قبل الاختبار عجز) ، وقال الإمام الصادق عليه السلام : (لا تسمِ الرجل صديقا سمة معروفة حتى تختبره بثلاث:  فتنظر غضبه يخرجه من الحق إلى الباطل، وعند الدينار و الدرهم، وحتى تسافر معه)، و بعد الاختبار إذا صارت العلاقة جيدة، و مثمرة، رافعة للهم و الغم، و فيها تفاعل الود المتبادل، يقول الإمام زين العابدين عليه السلام : ( وأما حق الصاحب  فأن تصحبه بالتفضل والإنصاف، و تكرمه كما يكرمك، و لا تدعه يسبق إلى مكرمة، فإن سبق كافأته، و توده كما يودك) ، و يقول الإمام الكاظم عليه السلام : (لا تذهب الحشمة بينك وبين أخيك، و ابقِ منها ، فإن ذهابها ذهاب الحياء)، و يمكن أن نلخص الكلام في قوله تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}.

السائل : بما أن هذه الليالي حزينة بضربة ابن ملجم أركان الهدى، هل في الجزء ما يخص أمير المؤمنين عليه السلام؟

الشيخ : عن عبد الله بن عباس ، عن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : « لما نزلت هذه الآية على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ): { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ  } دعاني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال لي : يا علي إن الله تعالى أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين – قال – فضقت بذلك ذرعا ، وعرفت أني متى أبادرهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره ، فصمت على ذلك ، وجاءني جبرئيل ( عليه السلام ) ، فقال : يا محمد ، إنك إن لم تفعل ما أمرت به ، عذبك ربك عز وجل ، فاصنع لنا – يا علي – صاعا من طعام ، واجعل عليه رجل شاة ، واملأ لنا عسا من لبن ، ثم اجمع بني عبد المطلب ، حتى أكلمهم ، وأبلغهم ما أمرت به ، ففعلت ما أمرني به ، ثم دعوتهم أجمع ، وهم يومئذ أربعون رجلا ، يزيدون رجلا ، أو ينقصون رجلا ، فيهم أعمامه : أبو طالب ، وحمزة ، والعباس ، وأبو لهب ، فلما اجتمعوا له دعاني بالطعام الذي صنعته لهم ، فجئت به ، فلما وضعته ، تناول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جذمة  من اللحم ، فشقها بأسنانه ، ثم ألقاها في نواحي الصحفة ، ثم قال : خذوا ، بسم الله ، فأكل القوم حتى صدروا ، ما لهم بشيء من الطعام حاجة ، وما أرى إلا مواضع أيديهم ، وأيم الله الذي نفس على بيده ، إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم ، ثم جئتهم بذلك العس ، فشربوا حتى رووا جميعا ، وأيم الله ، إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب منه ، كلما أراد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يكلمهم ، ابتدره أبو لهب بالكلام ، فقال : لشد ما سحركم صاحبكم ! فتفرق القوم ، ولم يكلمهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال لي من الغد : يا علي ، إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول ، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم ، فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت ، ثم اجمعهم لي – قال – ففعلت ، ثم جمعتهم ، فدعاني بالطعام ، فقربته لهم ، ففعل كما فعل بالأمس ، وأكلوا حتى مالهم به من حاجة ، ثم قال : اسقهم فجئتهم بذلك العس ، فشربوا حتى رووا منه جميعاً .
ثم تكلم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال : يا بني عبد المطلب ، إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به ، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني ربي عز وجل أن أدعوكم إليه ، فأيكم يؤمن بي ، ويؤازرني على أمري ، فيكون أخي ، ووصيي ، ووزيري ، وخليفتي في أهلي من بعدي ؟ – قال – فأمسك القوم ، وأحجموا عنها جميعا – قال – فقمت ، وإني لأحدثهم سنا ، و أرمصهم  عيناً ، وأعظمهم بطنا ، و أحشهم  ساقاً ، فقلت : أنا – يا نبي الله – أكون وزيرك على ما بعثك الله به – قال – فأخذ بيدي ، ثم قال : أن هذا أخي ، ووصيي ، ووزيري ، وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا . فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك ، وتطيع ! » . .

البقرة: ٢٧٢.
الروم:٣٨،٣٩.
البقرة: ١١٥.
الأمثل ج١١ ص٢٣٩.
ميزان الحكمة ج٢ ص١٥٨٢ص١٥٨٢.
ميزان الحكمة ج٣ص١٦٢٦.
بحار الأنوار ج٧١ ص١٨٠.
الجامع للشرائع ج١ ص٦٣٠.
شرح أصول الكافي ج١١ ص١٦٠.
الزخرف:٦٧.
البرهان ج٤ ص١٨٧،١٨٦.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *