شرح دعاء اليوم الثالث والعشرين


بسم الله الرحمن الرحيم
اللَّهُمَّ ارزُقني فيهِ فَضلَ لَيلَةِ القَدرِ، وَصَيِّر اُموري فيهِ مِنَ العُسرِ إلى اليُسرِ، وَاقبَل مَعاذيري، وَحُطَّ عَنّي الذَّنبَ وَالوِزرَ، يا رَؤوفاً بِعِبادِهِ الصَّالِحينَ.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (اللَّهُمَّ ارزُقني فيهِ فَضلَ لَيلَةِ القَدرِ)، هناك نكتة يبين فيها اختلاف كتب الأدعية عندنا في التقديم لبعض دعوات الأيام وتأخير بعضها، والرواية في ذلك أن بعض علمائنا قدم بعض أدعية أيام العشر الأخيرة فيما بينها، وقد ذكر الكفعمي دعاء اليوم السابع والعشرين ليوم التاسع والعشرين، ولا يبعد أن يكون الأنسب على مذهب الشيعة الإمامية ، الدعاء في الثالث والعشرين، وقد سئل المرجع زعيم الطائفة السيد الخوئي(قدس سره)، ومرجع الطائفة في يومنا سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني(دام ظله الوارف)، عن ليلة القدر قالا: ليلة الواحد والعشرين والثالث والعشرين ولايترك العمل في ليلة التاسع عشر، ولذلك جعلت هذا الدعاء لليوم الثالث والعشرين.
فضل ليلة القدر لا يعلمه إلا الله تعالى، وهو القائل عز وجل في سورة القدر:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ*لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ*تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ*سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}، وليلة القدر هي قلب شهر رمضان المبارك، الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال فيه: شهر رمضان سيد الشهور، وليلة القدر سيدة الليالي.
وهي الليلة التي عرفنا وقتها عن طريق أهل البيت عليهم السلام، روي عن الإمام الباقر عليه السلام عندما سأله زرارة عن ليلة القدر؟ قال عليه السلام: هي ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين، قلت: أليس إنما هي ليلة واحدة؟ قال عليه السلام:بلى، قلت :أخبرني بها، قال عليه السلام: وما عليك أن تفعل خيراً في ليلتين.
والتحضر والجد والتأهب لليلة القدر هو ما يهم النبي وآله عليهم السلام لتكون عنوانا واضحا لفضل هذه الليلة، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،كان يطوي فراشه ويشد مئزره في العشر الأواخر من شهر رمضان، وكان يوقظ أهله ليلة ثلاث وعشرين، وكان يرش وجوه النيام بالماء في تلك الليلة.
وكانت السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام لا تدع أحداً من أهلها ينام تلك الليلة، و تداويهم بقلة الطعام وتتأهب لها من النهار، وتقول عليها السلام:محروم من حرم خيرها.
ففي هذه الليلة يقسم الله ويقدر كل شئ على العباد من الله تعالى، روي عن سليمان قال للإمام الرضا عليه السلام: ألا تخبرني عن ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر) في أي شئ نزلت؟ قال عليه السلام: يا سليمان ليلة القدر يقدر الله عزوجل فيها ما يكون من السنة إلى السنة، من حياة، أو موت، أو خير، أو شر، أو رزق، فما قدر في تلك الليلة فهو محتوم.
وليلة القدر هي ليلة غفران الذنوب وبها تنزل رحمة الله على عباده، روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: من أحيى ليلة القدر غفرت ذنوبه ولو كانت عدد نجوم السماء، ومثاقيل الجبال، ومكائيل البحار.
وفي ليلة القدر يقدر الله كل شئ حتى معرفتنا للأئمة الأطهار عليهم السلام، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لابن عباس: إن ليلة القدر في كل سنة وأن ينزل في تلك الليلة أمر السنة، ولذلك الأمر ولاة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال ابن عباس من هم؟ قال عليه السلام: أنا وأحد عشر من صلبي.
البحوث وأقلامها تنفد وقراطيسها وأوراقها تنتهي ولا ينتهي الحديث عن فضل ومعاني وحقيقة ليلة القدر.
روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه:(وَصَيِّر اُموري فيهِ مِنَ العُسرِ إلى اليُسرِ)، قال الله تعالى في سورة الشرح: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.
روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شرح الآيتين قال: لن يغلب عسر يسرين.
مهما طال العسر ينكشف باليسر، هذا وعد الله لعباده في كتابه، وقول أهل البيت عليهم السلام، روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لو جاء العسر فدخل هذا الحجر، لجاء اليسر فدخل عليه فأخرجه.
الله محول العسر إلى يسر ليدخل راحة القلب الموعودة إلى عبده، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ما أقرب الراحة من التعب، ولكل هم فرج.
وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه:(وَاقبَل مَعاذيري، وَحُطَّ عَنّي الذَّنبَ وَالوِزرَ) قال تعالى في سورة الأعراف: {قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ}، ومن غير الله يقبل العذر عن عباده من ذنوبهم وخطاياهم، فالاعتذار يدل على قدر خضوعنا وانكسارنا أمام الله عزوجل، هكذا يعلمنا أئمتنا عليهم السلام، فعن الإمام السجاد عليه السلام في بعض أدعيته قال: اللهم إني أعتذر إليك…
وقال عز ذكره في سورة غافر: {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ}، وقال تعالى في سورة الأنعام:{ وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ}.
هذه الآيات الكريمة مصداق كامل أن الله هو الذي يحط الذنوب والوزر عنا، روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: أربع من كن فيه وكان من قرنه إلى قدمه ذنوباً بدلها الله حسنات: الصدق والحياء وحسن الخلق والشكر.
ولكل ذنب ووزر شئ يهدمه ويمحوه، روي عن الإمام الرضا عليه السلام قال: من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه فليكثر من الصلوات على محمد وآله فإنها تهدم الذنوب هدما.
روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه:(يا رَؤوفاً بِعِبادِهِ الصَّالِحينَ)، إن الرأفة من الأسماء الجمالية الإلهية وقد بسطها وأعطاها لأكثر مخلوقاته، روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إن الله عز وجل خلقنا فأحسن خلقنا، وصورنا فأحسن صورنا، وجعلنا عينه في عباده، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة، و وجهه الذي يؤتى منه، وبابه الذي يدل عليه، وخزائنه في سمائه وأرضه.
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *