حوارية اليوم السادس و العشرين

بسم الله الرحمن الرحيم

السائل : سورة الأحقاف تبدأ بحروف مقطعة، وهناك سور أخرى أيضا، فما هي أسرارها؟

الشيخ: إن أسرار الحروف المقطعة  عند الله وعند أهل بيت النبوة عليهم السلام لأنهم موضع الرسالة، و محال معرفة الله كما جاء في الزيارة الجامعة ، ومن المعلوم بأن حروف القرآن المقطعة أتعبت العلماء
لاكتشاف سرها، و القدر المتيقن أن الحروف الهجائية لها قيمة عالية لأنها باب من الأبواب إلى  العلوم و معرفة النظام الإلهي، فإذا قال الله عزوجل: {حم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)}، يعني بالحروف نزل القرآن الكري،م و اجتمعت  أئمة أهل اللغة القرآنية أنها أسماء، و تلفظ حين القراءة كل حرف لوحده هكذا حاء ميم و يسكن آخره، و هناك محاولات وصلت إلى عشر آراء، المتيقن منها أنها أسماء لله، و هي مأثورة عن أهل البيت عليهم السلام، وهناك تأويل مأثور أيضا عنهم لأحداث غيبية، ومع ذلك يبقى ذكر هذه الأسماء فيها جنبة كبيرة من السرية أعطاها الله إلى أوليائه صلوات الله عليهم، و يرشد إلى ذلك انقطاعهم بدعاء يسألون الله بفواتح السور، ويرمز إلى أن لها منزلة عظيمة.

السائل : هل هناك موعظة في آيات الجزء السادس و العشرين؟
الشيخ : هناك ظاهرة يبتلى بها بعض المؤمنين، و يمكن أن يمسنا شيء منها، وهي ظاهرة تفوت علينا الكثير من الأمور، و يمكن أن تكون للبعض  بابا للمعصية، وهي: عدم الصبر، التي خاطب بها الله عزّ وجل الرسول صلى الله عليه و آله من باب أخاطبك و أعني بذلك أمتك، في نهاية سورة الأحقاف الآية ٥٣: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ}.
إن الله أعطى قيمة كبيرة لفضيلة الصبر، إلى إن قال: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}، و الله مع المؤمنين الذين فيهم هذه الفضيلة، في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}،  ورجح رسول الله صلى الله عليه و آله كفة ميزان الصابر على أعمال جمع المؤمنين في قوله :( لئن تصبروا على مثل ما أنتم عليه أحب إلي من أن يوافيني كل امرئ منكم بمثل عمل جميعكم) ، و اعتبرها الإمام علي عليه السلام بأحسن خاصية في الإيمان، وبأشرف خلق في الإنسان في قوله :(الصبر أحسن خلل الإيمان و أشرف خلايق الإنسان)، و جعلها المسيح عليه السلام غاية للوصول إلى ما نحب كحب الباري عزّ و جل في قوله:(إنكم لا تدركون ما تحبون إلا بصبركم على ما تكرهون)، و من أراد الوصول إلى الكمال جعل إمامنا الصادق عليه السلام الصبر شرطا في قوله:(لا ينبغي لمن لم يكن صبورا أن يعد كاملا) ، و إن سجية الصبر ترشدنا إلى الخير الكثير كما قال رسول الله صلى الله عليه و آله: (في الصبر على ما يكره خير كثير) حتى جعله مساويا للإيمان في قوله :-لما سئل عن الإيمان – قال : الصبر)، و عبر عنه الإمام علي عليه السلام بواسطة للوصول إلى المراد في قوله:( الصبر مطية لا تكبو) ، وعبر عنها رسول الله صلى الله عليه وآله إنها السد المنيع عن الدخول في حالة نفسية من قوة المصائب والعضد لتخطيها ، في قوله: (الصبر ستر من الكروب، و عون على الخطوب) ، و كم من رجال تشد أليهم الأعناق بزينة أفعالهم و عبر عن ذلك الإمام علي عليه السلام: ( الصبر زينة البلوى) ، و كم من دول ثابتة كطود بالصبر كأن سجيتهم قول الإمام عليه السلام : (الصبر يرغم الأعداء)، و كأن سيدتي زينب عليها السلام مرآة لكلمات أبيها عليه السلام حين قال في مواطن متعدد عن الصبر: (الصبر يمحص الرزية)، (الصبر يهون الفجيعة)، (الصبر على البلاء أفضل من العافية في الرخاء)، وجعل الإمام عليه السلام الصبر أكبر قيادي في مسائل العقل في قوله: ( العقل خليل المرء، و الحلم و زيره ، و الرفق والده، و الصبر من خير جنوده).

و الكلام يطول في أقسامه و علاماته و نكتفي بهذا القدر.. و الحمد لله رب العالمين.

آل عمران:١٤٦
الأنفال:٤٦
مسكن الفؤاد: ص٤٧
غرر الحكم :ص١٨٩٣
مسكن الفؤاد :ص٤٨
تحف العقول:ص٣٦٤
مسكن الفؤاد:ص٥٠
الكراجكي /كنز الفوائد ج١/ص١٣٩
الإرشاد ج١ ص٣٠٠
ميزان الحكمة ص١٥٥٦،١٥٥٧

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *