شرح دعاء اليوم السادس والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم

اللَّهُمَّ اجعَل سَعيي فيهِ مَشكوراً، وَذَنبي فيهِ مَغفوراً، وَعَمَلي فيهِ مَقبولاً، وَعَيبي فيهِ مَستوراً، يا أسمَعَ السَّامِعينَ.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (اللَّهُمَّ اجعَل سَعيي فيهِ مَشكوراً).

إذا تأملنا في سعي المؤمنين في هذا الشهر الكريم فبين صائم، وراكع، وتال للقرآن، يتضح لدينا أن الغاية عندهم واحدة وهي درجات السعي المشكور، قال الله عز ذكره في سورة الإسراء: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا}، ومصداق التقبل هو الشكر، لأن طمع الوصول إلى درجة السعي المشكور يقارن ما وعد الله به الشاكرين، فمثلا: الرزق يزداد بكثرة الشكر ، الولد يبارك كذلك وغيرها من الأمور الدنيوية تزداد بركتها بالشكر، فكله من متاع الحياة الدنيا، وأما ما عند الله خير وأبقى منفعة، قال تعالى ذكره في سورة ابراهيم: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}، والسعي المطلوب في الحصول عليه هو المشكور منه عزوجل ليضاعف كثيرا، فتعب الساعي جزاؤه قبول الباري عز وجل له ، قال تعالى عز ذكره في سورةالأنبياء: {فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ }، درجة الساعين إليه كمشكورين ترضيهم ما كانوا يأملون به من الله ، قال تعالى ذكره في سورة الحديد: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ}.
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: هيهات لا يخدع الله عن جنته، فالمؤمنون يلتمسون رفع سعيهم إلى درجة الشكر ، روي عن الإمام الهادي عليه السلام قال: ألقوا النعم بحسن مجاورتها، والتمسوا الزيادة فيها بالشكر عليها.
وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه:(وَذَنبي فيهِ مَغفوراً).

المؤمنون يعرفون أن الذنب المرتكب لا يغفره إلا الله سبحانه وتعالى، قال تعالى ذكره في سورة آل عمران: { فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ}، فهذه المعرفة التي وصل إليها المؤمنون بأن الله يغفر الذنب ووعد الله هذا الأمر لهم، قال الله عز وجل في سورة المائدة:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۙ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}.
فبعد تحصيل المؤمنين الوعد الإلهي بالغفران، تراهم يسارعون إلى الوصول إليه لنيل جنة الله الخالدة، قال تعالى ذكره في سورة آل عمران: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ }.
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام عندما سأله كميل ابن زياد قال: يا أمير المؤمنين العبد يصيب الذنب فيستغفر الله منه فما حد الاستغفار؟ قال: يا ابن زياد! التوبة، قلت: بس؟ قال: لا، قلت: فكيف؟ قال: إن العبد إذا أصاب ذنبا يقول: أستغفر الله بالتحريك، قلت: وما التحريك؟ قال: الشفتان واللسان يريد أن يتبع ذلك بالحقيقة؟ قلت: وما الحقيقة؟ قال: تصديق في القلب وإضمار أن لا يعود إلى الذنب الذي استغفر منه، قال كميل: فإذا فعلت ذلك فأنا من المستغفرين؟ قال: لا، قال كميل: فكيف ذاك؟ قال: لأنك لم تبلغ إلى الأصل بعد، قال كميل: فأصل الاستغفار ما هو؟ قال: الرجوع إلى التوبة من الذنب الذي استغفرت منه، وهي أول درجة العابدين، وترك الذنب، والاستغفار اسم واقع لمعان ست:

أولها: الندم على ما مضى،

والثاني: العزم على ترك العود أبدا،

والثالث: أن تؤدي حقوق المخلوقين التي بينك وبينهم،

والرابع: أن تؤدي حق الله في كل فرض،

والخامس: أن تذيب اللحم الذي نبت على السحت والحرام حتى يرجع الجلد إلى عظمه ثم تنشئ فيما بينهما لحما جديدا،

والسادس: أن تذيق البدن ألم الطاعات كما أذقته لذات المعاصي.
وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (وَعَمَلي فيهِ مَقبولاً).

قال الله عز وجل في سورة الجاثية: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} ، أعمال العباد لخالقها مقرونة بقبولها من الله عز وجل، فهذه الاقتران شرطه أن تكون النية خالصة لوجه الله الكريم، لأن أعمال العباد تكون خاصة له ليس فيها شريك، وخصوصيتها أن تؤدى له دون رياء لأنه شاهد عليها، قال تعالى عز ذكره في سورة يونس: {وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّاعَلَيْكُمْ شُهُودًا}.
تترقي الدرجات حتى ينعم المؤمنون بجنة الله، فيبشرهم بها قال تعالى عز ذكره في سورة البقرة: {وَبَشِّرِالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ }، فقرينة الأعمال الإيمان و الصلاح، والغاية التي يرجوها من الله هي قبولها، فكيف إذا كان للناس ميزة في الدنيا وميزة في الآخرة، فهم يعرفون بآبائهم جينيا وبدنيا وفي الآخرة يعرفون بأعمالهم، فمن حسن عمله فإن الله لا يضيع عنده شئ، قال تعالى في سورة آل عمران: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ}.
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إنما يستدل على الصالحين بما يجري لهم على ألسن عباده، فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح.
العمل خليل الناس فمن أعمالهم يعرفون،و يدل عليهم إن كان صالحاً أشير لهم وإن كان شراً فعليهم، روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:إن لأحدكم ثلاثة أخلاء : منهم من يمتعه بما سأله فذلك ماله ، ومنهم خليل ينطلق معه حتى يلج القبر ولا يعطيه شيئا ولا يصحبه بعد ذلك فأولئك قريبه ، ومنهم خليل يقول : والله أنا ذاهب معك حيث ذهبت ولست مفارقك ! فذلك عمله إن كان خيرا وإن كان شرا.
روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه:(وَعَيبي فيهِ مَستوراً)، إن الله عز وجل جعل لكل عمل يصدر من الناس سترا، فيسترهم بأمور يفعلونها أخفيت عن غيرهم، والستر مطلوب بين الناس كي لا يفسدون وتشيع الفاحشة، قال الله عز ذكره في سورة النور: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَاوَالْآخِرَةِ}، إذا نفهم من مصداق الآية الكريمة أن الله يحب الذي يستر عيب أخيه، وهو من الأعمال التي يؤجر عليها، روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا يستر عبد عيب عبد إلا ستره الله يوم القيامة.
يسطع الأمر جلياً لنا أن الإسلام قد أمر الناس بالتستر على بعضهم البعض وأوجب لهم جزيل الدرجات، روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا يرى امرؤ من أخيه عورة فيسترها عليه إلا دخل الجنة.
فكيف بالآمر بالستر ، ونرجوه أن يستر علينا ، ولا يأخذ بذنوبنا و يفضحها يوم الشاهد والمشهود، ومن أسمائه الحسنى التى سمى نفسه بها الستار، لأنه تعالى يحب أن تشيع المحبة والألفة بين خلقه، فيجعل الناس يحسنون الظن ببعضهم البعض.
وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه:(يا أسمَعَ السَّامِعينَ).الصوت الذي يخرج من الناس يحتاج دائما إلى من يسمعه في شكواه وطلبه للحاجة، لأن الناس بطبيعتها لا تستمع إلى هموم وشكاوى ومصائب بعضهم، فهذا الصوت يسمع عند الله الدعاء، وقد أمرهم بدعائه ليسمع نجواهم وكل مايهمهم من أمر دنياهم وآخرتهم، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: أحب الأعمال إلى الله عز وجل في الأرض الدعاء.
فيعرف الله عزوجل بالسميع ، وهو أحد أسمائه الحسنى التي سمى نفسه بها، روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إنّ العبد الولي لله يدعو الله في الأمر ينوبه ، فيقال للملَك الموكل به : اقض لعبدي حاجته ولا تعجّلها ، فإنّي أشتهي أن أسمع نداءه وصوته.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *