الإخلاص

الشيخ فواز سرحان
Latest posts by الشيخ فواز سرحان (see all)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

الإخلاص

قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[1].

الإخلاص في اللغة: هو التفاني والصفاء، وقال في الرائد: (أخلص له النصيحة أو المودة: قدمها خالصة خالية من الغش).

واصطلاحا: قيل هو تجريد العمل وتصفيته من كل شائبة مع قصد القربى، وقيل أنه تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين – وهو أقرب – أي لا يلاحظ في عمله غير الله، ويمكن أن يتعدد التعريف الإصطلاحي حسب النظر (بلحاظ أو بآخر).

ونريد أن نلقي نظرة على الإخلاص من ثلاث جهات:

  • الإخلاص في التوحيد.
  • الإخلاص في الأحوال.
  • الإخلاص في الأفعال.

أولا: الإخلاص في التوحيد:

إنما صار أولا لأنه أُسِّ العقيدة والفكر، فبدون التوحيد لا يقبل الله عملا، جاء في الخطبة الأولى لأمير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة: (أَوَّلُ‏ الدِّينِ‏ مَعْرِفَتُهُ‏‏)[2]، فلا يمكن تصور مسلما عنده خلل في التوحيد، فكيف يكون مخلصا؟

وقد قُسِّم التوحيد لأقسام ثلاثة:

  • توحيد الذات.
  • توحيد الصفات.
  • توحيد الأفعال.

ولكُلٍّ تعريف وشرح في محله، وإنما الإشارة هنا إلى مراتب الإخلاص، التي تبدأ بالتوحيد والإعتقاد الصحيح السليم، والإخلاص في كل قسم من أقسام التوحيد يكون بالبحث والإعتقاد السليم، لضرورة معرفة الـمُنعِم التي تؤثر على قلبه واعتقاده.

ثانيا: الإخلاص في الأحوال:

مصدر الحال هو القلب الذي هو بيت الإعتقاد، والأحوال واقعا تَـمَوّجات باطنية ونفسية وليس لها ظهور خارجي إلا انعكاس الحال، كالمزاج فإنه أمر باطني ولكنه ينعكس على الخارج.

ولا يعرف معنى الأحوال إلا المراقب لنفسه، المحاسب لها، الزّاجِر لها عند القبيح، الشّاكِر لله عند الحَسَن. فالـمُشارطة والمراقبة والمحاسبة والمؤاخذة أُمور مفيدة جدا لترقي الإنسان في ايمانه، لأنه يصبح بذلك مراقبا لأحواله، حاضرا في كل أوقاته.

والإخلاص في الأحوال يطرد الغفلة من القلب، ويضع مكانها الذكر {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[3]، وبهذا لا يصير للشيطان مكانا في قلب الإنسان.

ورد عن الصادق (ع) أنه قال: (الْعِلْمُ أَصْلُ كُلِّ حَالٍ سَنِيٍّ وَ مُنْتَهَى كُلِّ مَنْزِلَةٍ رَفِيعَةٍ وَ لِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ (ص): [طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَ مُسْلِمَةٍ] أَيْ عِلْمِ التَّقْوَى وَ الْيَقِينِ.

وَقَالَ عَلِيٌّ (ع): [اطْلُبُوا الْعِلْمَ وَ لَوْ بِالصِّينِ] وَ هُوَ عِلْمُ مَعْرِفَةِ النَّفْسِ وَ فِيهِ مَعْرِفَةُ الرَّبِّ عَزَّ وَ جَلَّ.

وَ قَالَ النَّبِيُّ (ص): [مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ] ثُمَّ عَلَيْكَ مِنَ الْعِلْمِ بِمَا لَا يَصِحُّ الْعَمَلُ إِلَّا بِهِ وَ هُوَ الْإِخْلَاص‏)[4].

تأملوا في تعليقة الإمام الصادق (ع) على كل رواية، عندما نقل فريضة العلم على كل مسلم، قال علم التقوى واليقين، أي له مدخلية في القلب والحال، ثم عن طلب العلم ولو في أقاصي الأرض كالصين، قال معرفة النفس ومعرفة الرب، وأخيرا عند من عرف نفسه فقد عرف ربه، قال الإخلاص علم لا يصح العمل إلا به.

والخلاصة أن الإخلاص في الأحوال ليس له تعريف تام نستطيع سبكه، ولا معادلة رياضية نسردها، بل أحوال باطنية، يعرفها أهل المراقبة.

ومن هنا ندخل للقسم الثالث:

ثالثا: الإخلاص في الأفعال:

والفعل من نتاجات الحال، فمن كان غافلا، ففعله لمن؟ لله؟ أم لنفسه؟

لنتصور حال الغافل في صلاته، الذي يصلي وقلبه ليس متوجها لله، وليس له حضور في الصلاة ..

من الممكن أن تكون صلاته لعادة إعتادها، فلو لم يُصلِّ أحس بنقصا، فهو يصلي لنفسه، لطرد الإحساس بالنقص.

ومن الممكن أن تكون صلاته لإسقاط التكليف عن ظهره، فهو متعب لوجود تكليف، ونفسه ترتاح إذا صلّى، وكذلك يُصلِّي لنفسه.

وهناك حالات كثيرة فيها غفلة تبعد الإنسان عن ربه في حال صلاته، والمطلوب أن يكون الإنسان حاضرا في صلاته ومتوجها لربه، والإخلاص في جميع الأحوال الذي قلناه مسبقا هو الذي يجعل العمل مخلصا لأنه متوجه لربه في كل حال.

ورد عن الرضا (ع): (رُبَّمَا لَمْ يُرْفَعْ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا النِّصْفُ أَوِ الثُّلُثُ أَوِ السُّدُسُ عَلَى قَدْرِ إِقْبَالِ الْعَبْدِ عَلَى صَلَاتِهِ وَ رُبَّمَا لَا يُرْفَعُ مِنْهَا شَيْ‏ءٌ تُرَدُّ فِي وَجْهِهِ كَمَا يُرَدُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ وَ تُنَادِي ضَيَّعْتَنِي‏ ضَيَّعَكَ‏ اللَّهُ‏ كَمَا ضَيَّعْتَنِي وَ لَا يُعْطِي اللَّهُ الْقَلْبَ الْغَافِلَ شَيْئا‏)[5]، انظر كيف ترفض الصلاة من الغافل وهذا المعنى موجود في روايات عديدة، وكيف ختم الإمام كلمته (لَا يُعْطِي اللَّهُ الْقَلْبَ الْغَافِلَ شَيْئا).

والخلاصة أن العادة والغفلة وبعض الأمور التي تفسد أحوال القلب وتوجهه لله تعالى، تفسد العمل أيضا، ولا يخفى أن الإخلاص لا يناله إلى ذو حظ عظيم وعمل جسيم ومجاهدة كبيرة، متتالية ثم متتالية.

ورد في منية المريد: قَالَ (ص) مُخْبِراً عَنْ جَبْرَئِيلَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَنَّهُ قَالَ:‏ (الْإِخْلَاصُ‏ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِي اسْتَوْدَعْتُهُ قَلْبَ مَنْ أَحْبَبْتُ مِنْ عِبَادِي‏)[6].

والحمد لله رب العالمين

 

11 يناير 2016

29 ربيع الأول 1437

[1] البينة: 5.

[2] نهج البلاغة ص39 (الخطبة الأولى).

[3] الرعد: 28.

[4] مصباح الشريعة ص13، الباب الخامس في العلم.

[5] الفقه المنسوب للإمام الرضا (ع) ص103.

[6] منية المريد ص133(فصل 2 ما روي عن النبي ص والإخلاص).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *