شرح دعاء اليوم الثامن والعشرين

اللَّهُمَّ وَفِّر حَظّي فيهِ مِنَ النَّوافِلِ، وَأكرِمني فيهِ بِإحضارِ المَسائِلِ، وَقَرِّب فيهِ وَسيلَتي إليكَ مِن بَينِ الوَسائِلِ، يا مَن لا يَشغَلُهُ إلحاحُ المُلِحّينَ.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (اللَّهُمَّ وَفِّر حَظّي فيهِ مِنَ النَّوافِلِ).

روي عن إمامنا الباقر عليه السلام في الحديث القدسي:  وَمَا يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِي بِشَيْ‌ءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ لَيَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّافِلَةِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ إِذاً سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَلِسَانَهُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، إِنْ دَعَانِي أَجَبْتُهُ، وَ‌إِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ.

فالنوافل لها عدة معان منها نوافل الصلاة اليومية، والصلوات المستحبة، وكذلك كل ما يقرب من الله سبحانه وتعالى فهو نوافل، كما تقدم في حديث قرب النوافل.

الصوم له نوافله التي تزيد في قوته وآثاره فصائمٌ يلتزم بالنوافل كلها ، وصائمٌ يلتزم بكف نفسه عن المفطرات العشر فقط فيكون نصيبه أداء الواجب، أما الصائم الآخر الذي التزم بجميع نوافل الصوم، يدخل على شهر رمضان ويخرج منه غنياً بالمكارم والملكات النبيلة، فمن تلك النوافل، صوم الجوارح التي يشركها الصائم مع البطن من صوم اللسان والعين وغيرها…فلا يستعملهم لاقتراف الذنب أو الإثم، روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إذا أصبحت صائما فليصم سمعك وبصرك من الحرام، وجارحتك وجميع أعضائك من القبيح، ودع عنك الهذي وأذى الخادم، وليكن عليك وقارالصيام، والزم ما استطعت من الصمت والسكوت إلا عن ذكر الله، ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك.

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:  يقول الله عز وجل من لم تصم جوارحه عن محارمي فلا حاجة لي في أن يدع طعامه وشرابه من أجلي.

فالنوم والراحة كذلك من النوافل لها فضلٌ للصائم حتى أن الله أعطى الصائم الثواب على نومه وأنفاسه، روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: نوم الصائم عبادة ونفسه تسبيح، والمراد أن يستفيد الصائم من فرص النوم والراحة ليتقوى بها على الطاعات في هذا الشهر.

والنظافة والتعطر من النوافل، فالإسلام يحب النظافة، والتعطر ويؤكد عليها في مواسم العبادة، قال الله تعالى في سورة الأعراف:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ }، روي عن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام قال: تحفة الصائم أن يدهن لحيته ويجمر ثوبه، وتحفة المرأة الصائمة أن تمشط رأسها وتجمر ثوبها.

قراءة القرآن وكثرة العبادة التي وردت في خصوصها روايات كثيرة من مضاعفة الأجر لفاعليها في هذا الشهر المبارك، روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: ( لكل شئ ربيع وربيع القرآن شهر رمضان)، وصيام الإنسان صفاءٌ للنفس، ويزيد من تقربه إلى الله جل وعلا، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: عليكم في شهر رمضان بكثرة الاستغفار والدعاء، فأما الدعاء فيدفع البلاء عنكم وأما الاستغفار فتمحى به ذنوبكم.

وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه:(وَأكرِمني فيهِ بِإحضارِ المَسائِلِ).

أولى الإسلام الاهتمام الكبير في حفظ الأحاديث الواردة عن السنة النبوية وأهل البيت عليهم السلام، والرجوع للرسالة العملية وتعلم الفروع ، ومدارسة المسائل العقائدية في الأصول ، وما يحتاج له المؤمنون في أعمالهم الشرعية، ففي هذا الشهر نستحضر مسائل فضل شهر رمضان وبركاته، روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أكثر فيه الصلاة علي ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين، روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أعطيت أمتي خمس خصال في شهر رمضان لم يعطهن أمة نبي قبلي.

أما واحدة: فإنه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله عز وجل إليهم ومن نظر الله إليه لم يعذبه.

والثانية: خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك.

والثالثة: يستغفر لهم الملائكة في كل يوم وليلة.

والرابعة: يقول الله عز وجل لجنته: تزيني واستعدي لعبادي! يوشك أن يستريحوا من نصب الدنيا وأذاها ويصيروا إلى دار كرامتي.

والخامسة: إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان غفر الله عز وجل لهم جميعا فقال رجل: يا رسول الله أهي ليلة القدر؟ قال: لا أما ترون العمال إذا عملوا كيف يؤتون أجورهم.

روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (وَقَرِّب فيهِ وَسيلَتي إليكَ مِن بَينِ الوَسائِلِ).

قامت الحياة البشرية على الإستفادة من الوسائل والأسباب الطبيعية لرفع حاجتها، فمثلا: الماء لرفع العطش، والطعام لرفع الجوع …وغيرها، والوسيلة المقصودة هي التي تكون الرابط بين الله وعباده، وهي أسرع الوسائل في التقرب إليه، ومنها وسيلة الولاية لأهل البيت عليهم السلام والتقرب بهم إلى الله عز وجل.

قال الله تعالى في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}، فمن بدأ العمل بها كان  النبي آدم عليه السلام عندما ترك الأولى، قال تعالى في سورة طه: {وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ}، روي عن  ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما نزلت الخطيئة بآدم وأخرج من جوار رب العالمين أتاه جبرئيل فقال: يا آدم ادع ربك! قال: يا حبيبي جبرئيل وبما أدعوه؟ قال: قل يا رب أسألك بحق الخمسة الذين تخرجهم من صلبي آخر الزمان إلا تبت علي ورحمتني، فقال: حبيبي جبرئيل سمهم لي! قال: محمد النبي، وعلي الوصي، وفاطمة بنت النبي، والحسن، والحسين سبطي النبي.

فدعا بهم آدم فتاب الله عليه وذلك قوله: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) (37 / البقرة: 2) وما من عبد يدعو بها إلا استجاب الله له.

فهذه الوسيلة التي قربت الأنبياء، فكيف نحن نرجوا من الله القرب بالوسيلة التي قال أمير المؤمنين عليه السلام عنها : (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ):أنا وسيلته.

وحديث سلسلة الذهب ،وإنّما وصف الحديث بـ«سلسلة الذهب» لأنّ سلسلة رواته تبدأ بالإمام الرضا عليه السلام وعن آبائه إماما عن إمام مروراً بأمير المؤمنين عليه السلام  لتصل إلى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن جبرئيل عن الله، حيث تتميز هذه السلسلة بإسناد إمام عن إمام.

روي عن الإمام الرضا عليه السلام  بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام  أنّه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: سمعت جبرئيل يقول: سمعت الله جلّ جلاله يقول: «لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي» فلمّا مرّت الراحلة نادانا الإمام الرضا عليه السلام:  بشروطها وأنا من شروطها.

وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (يا مَن لا يَشغَلُهُ إلحاحُ المُلِحّينَ).

إن الله عز وجل من أسمائه البصير الذي يبصر خائنة الأعين وماتخفي الصدور، والذي يشاهد الأشياء كلها ظاهرها وخافيها، والبصير لجميع الوجودات، روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إنّ الله كره إلحاح الناس بعضهم لبعض في المسألة ، وأحبّ لنفسه ، إنّ الله يحبّ أن يُسأل ويُطلب ما عنده.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *