الليلة الثالثة والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَحِقَاقُ مَفاصِلِي، وَقَبضُ عَوامِلِي، وَاَطرَافُ اَنَامِلِي وَلَحْمِي وَدَمِي، وَشَعْرِي وَبَشَرِي، وَعَصَبِي وَقَصَبِي، وَعِظَامِي وَمُخِّي وَعُرُوقِي، وَجَمِيعُ جَوارِحِي.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الكهف : «وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ» ويزيد الكف تفصيلا فيذكر الأصابع بقوله في سورة نوح: «جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ في آَذَانِهِمْ» كما يذكر رؤوس الأصابع بقوله في سورة آل عمران : «عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ»، وكما يذكر البنان في قوله تعالى في سورة القيامة «بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ».
وقوله تعالى في سورة البقرة: وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا.
وقوله في سورة البقرة: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ»
ويقول عز من قال في سورة فصلت: «حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِى أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ».
قال عز من قال في سورة الطارق: «فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ *خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ».

دلائل كتاب الله عزوجل في تفصيل الإنسان كثيرة، فكانت الآيات المباركة التي ذكرناها تدل على هيكلية هذا الجسم في تكوينه.
وكلام الإمام عليه السلام يعلمنا أسرار الوجود والخلق، لأنه عليه السلام أشار إليها وسجلها التاريخ ليظهر الإعجاز الإلهي للإنسان في كل عصر، ومع تقدم العلم والمعرفة البشرية، يربط البعض كلامهم عليهم السلام بالنظريات العلمية! وهذا شيء لا يجب أن يحدث أو يقال، فكلامهم لا ترتبط صحته باتفاقه مع نظرية علمية أياً كانت، ولكن العلم هو الذي يستمد صحته وبيانه إذا اتفق مع كلامهم عليهم السلام. فكل علم مخالف لحقائق كلامهم عليهم السلام هو علم خاطئ وزائف، لأن كلامهم عليهم السلام كلام النبي صلى الله عليه واله وكلام النبي كلام الله عزوجل، ولا يمكن لمخلوق أو متفلسف أن يصل في أسرار الكون إلى علمهم عليهم السلام.

روي عن عن سالم بن الضرير أن نصرانياً سأل الإمام الصادق عليه السلام عن أسرار الطب ، ثم سأله عن تفصيل الجسم فقال عليه السلام: إن الله خلق الإنسان على اثنى عشر وصلاً ، وعلى مائتين وثمانية وأربعين عظماً وعلى ثلاثمائة وستين عرقاً فالعروق هي التي تسقي الجسد كله ، والعظام تمسكه واللحم يمسك العظام ، والعصب يمسك اللحم ، وجعل في يديه إثنين وثمانين عظماً في كل يد واحد وأربعين عظما منها في كفه خمسة وثلاثون عظما ، وفي ساعده اثنان، وفي عضده واحد، وفي كتفه ثلاثة ، فذلك واحد وأربعون، وكذلك في الأخرى ، وفي رجله ثلاثة وأربعون عظماً ، منها في قدمه خمسة وثلاثون عظماً ، وفي ساقه اثنان، وفي ركبته ثلاثة، وفي فخذه واحد ، وفي وركه اثنان، وكذلك في الأخرى . وفي صلبه ثماني عشر فقارة، وفي كل واحد من جنبيه تسعة أضلاع ، وفي وقصته ثمانية ، وفي رأسه ستة وثلاثون عظماً ، وفي فمه ثماني وعشرون أو اثنا وثلاثون عظماً.
   
والمراد بالوصل هو الأعضاء العظمية المتصلة ببعضها وهي اثنا عشر ، الرأس والعنق والعضدان والساعدان والفخذان والساقان وأضلاع اليمين وأضلاع اليسار .
    ولعمري أن هذا الحصر والتعداد لم يتعد عين ما ذكره المشرحون والجراحون في هذا العصر، لم يزيدوا ولم ينقصوا ، اللهم إلا في التسمية أو جعل الاثنين لشدة اتصالهما واحداً وبالعكس ، وهذا مما يدلنا على اطلاعه الكامل بالتشريح ونظره الثاقب في بيان تفصيل الهيكل العظمي في بدن الانسان .

وروي عن الامام الصادق عليه السلام في خلق الانسان وتركيبه:
قال عليه السلام: عرفان المرء نفسه أن يعرفها بأربع طبائع وأربع دعائم وأربعة أركان

فطبائعه: الدم والمرة والريح والبلغم،

ودعائمه: العقل ومن العقل الفهم والحفظ ،

وأركانه: النور والنار والروح والماء

وصورته: طينته، فأبصر بالنور، وأكل وشرب بالنار، وجامع وتحرك بالروح، ووجد طعم الذوق والطعام بالماء، فهذا تأسيس صورته.

فإذا كان تأييد عقله من النور كان عالما حافظا ذكيا فطنا فهما وعرف فيما هو ومن أين يأتيه ولأي شيء هو هاهنا وإلى ما هو صائر بإخلاص الوحدانية والإقرار بالطاعة ، وقد تجري فيه النفس وهي حارة ، وتجري فيه وهي باردة، فإذا حلت به الحرارة أشر وبطر وارتاح وقتل وسرق وبهج واستبشر وفجر وزنى وبذخ ، وإذا كانت باردة اهتم وحزن واستكان وذبل ونسي فهي العوارض التي تكون منها الأسقام ولا يكون أول ذلك إلا بخطيئة عملها، فيوافق ذلك من مأكل أو مشرب في حد ساعات لا تكون تلك الساعة موافقة لذلك المأكل والمشرب بحال الخطيئة، فيستوجب الألم من ألوان الأسقام.

ثم قال (عليه السلام) بعد ذلك بكلام آخر: إنما صار الإنسان يأكل ويشرب ويعمل بالنار، ويسمع ويشم بالريح ، ويجد لذة الطعام والشراب بالماء، ويتحرك بالروح، فلولا أن النار في معدته لما هضمت الطعام والشراب في جوفه ، ولو لا الريح ما التهبت نار المعدة، ولا خرج الثفل من بطنه، ولو لا الروح لا جاء ولا ذهب ، ولو لا برد الماء لأحرقته نار المعدة ، ولو لا النور ما أبصر ولا عقل والطين صورته، والعظم في جسده بمنزلة الشجر في الأرض، والشعر في جسده بمنزلة الحشيش في الأرض، والعصب في جسده بمنزلة اللحاء على الشجر، والدم في جسده بمنزلة الماء في الأرض ، ولا قوام للأرض إلا بالماء، ولا قوام لجسد الإنسان إلا بالدم والمخ دسم الدم وزبده فهكذا الإنسان خلق من شأن الدنيا وشأن الآخرة فإذا جمع الله بينهما.

صارت حياته في الأرض لأنه نزل من شأن السماء إلى الدنيا، فإذا فرق الله بينهما صارت تلك الفرقة الموت يرد شأن الآخرة إلى السماء، فالحياة في الأرض، والموت في السماء ، وذلك أنه يفرق بين الروح والجسد، فردت الروح والنور إلى القدرة الأولى، وترك الجسد لأنه من شأن الدنيا.

وإنما فسد الجسد في الدنيا لأن الريح تنشف الماء فييبس الطين فيصير رفاتا ويبلى، ويرد كل إلى جوهره الأول، وتحركت الروح بالنفس ، والنفس حركتها من الريح، فما كان من نفس المؤمن فهو نور مؤيد بالعقل، وما كان من نفس الكافر فهو نار مؤيد بالنكراء، فهذا من صورة ناره، وهذا من صورة نوره ، والموت رحمة من الله لعبده المؤمن، ونقمة على الكافر.

ولله عقوبتان إحداهما من الروح، والأخرى تسليط الناس بعض على بعض، فما كان من قبل الروح فهو السقم والفقر، وما كان من تسليط فهو النقمة، وذلك قول الله عز وجل: وكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ، من الذنوب، فما كان من ذنب الروح فعقوبته بذلك السقم والفقر ، وما كان من تسليط فهو النقمة، وكل ذلك عقوبة للمؤمن في الدنيا وعذاب له فيها.

وأما الكافر فنقمة عليه في الدنيا، وسوء العذاب في الآخرة، ولا يكون ذلك إلا بذنب ، والذنب من الشهوة ، وهي من المؤمن خطأ ونسيان، وأن يكون مستكرها، وما لا يطيق ، وما كان من الكافر فعمد وجحود واعتداء وحسد، وذلك قول الله عز وجل كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ. انتهى.

كلام علماء التشريح عن:
من المعروف بأن عظامنا نسيج حي قادر على إصلاح نفسه وإعادة تشكيله بما يتوافق مع النشاط اليومي لكل منا.
وفي مقال نشر بموقع “كونفرزيشن Conversation” استعرض آدم تايلور أستاذ ومدير مركز تعليم التشريح السريري وريبيكا شيبرد طالبة دكتوراه بجامعة لانكستر ست حقائق جديدة قد يجهلها الكثيرون عن هيكلنا العظمي.
قال: لا يمتلك الجميع نفس عدد العظام ، تنص الكتب المدرسية على أن الهيكل العظمي البشري يتألف من عدد من العظام يبلغ 206. إلا أن الأطفال يولدون ولديهم ما يزيد عن ثلاثمئة عظمة، حيث تكون هذه العظام غضروفية بداية الأمر، ثم تتصلب خلال السنوات الأولى من الحياة، كما تندمج بعض العظام معا.
والمقال طويل وقد أخذت ما يوضح المطلوب.

ونحن في هذه الأيام والليالي الحزينة بشهادة الامام أمير المؤمنين عليه السلام نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

ونستذكر في هذه المناسبة وصاياه الشريفة التي أوصى بها قبيل شهادته والتي منها:

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به عليّ بن أبى طالب، أوصى أنّه يشهد أن لا اله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون. ثمّ إنّ صلاتي ونُسُكي ومحيايَ ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له، وبذلك أُمرت وأنا من المسلمين.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *