الليلة الرابعة والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَمَا انْتَسَجَ عَلى ذلِكَ اَيَّامَ رَِضَاعِي، وَمَا اَقلَّتِ الاَْرْضُ مِنِّي، وَنَوْمِي وَيقَظَتِي وَسُكُونِي وَحرَكَاتِ رُكُوعِي وَسُجُودِي، اَنْ لَوْ حَاوَلْتُ وَاجْتَهَدْتُ مَدَى الاَْعصَارِ وَالاَْحْقَابِ لَوْ عُمِّرْتُهَا اَنْ أُؤَدِّىَ شُكْرَ وَاحِدَة مِنْ أَنْعُمِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ذلِكَ اِلاَّ بِمَنِّكَ الْمُوجَبِ عَلَىَّ بِهِ شُكْرَكَ اَبَداً جَدِيداً، وَثَنآءً طَارِفاً عَتِيداً.


قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة المائدة:(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).

يمنح الإمام عليه السلام من كلماته المباركة الطمأنينة للقلب في نعمة معرفة الله عز وجل، وشهادة كل أعضاء الإنسان بالتوحيد له تعالى، وهي من أعظم النعم علينا حيث إن معرفة الله تمنح المؤمن الثقة والقدرة على تحمل مشقات الدنيا، بسبب علمنا بحقيقة وجود رب يملك صفات العدل والكمال، والخلق بأحسن تقويم، وتكريمنا بالعقل، وما أنعم علينا من البصر والسمع والحركة، وسخر كل شيء برحمته لنا، ويشير عليه السلام على أن نسج هذا البدن بفعل الرضاعة له تأثير مباشر على نفس الإنسان أي لبن الأم على ولدها، وقد ذكرت الأحاديث المتواترة أهمية ذلك.

والحليب هو المصدر الأساسي والوحيد لتغذية الطفل في الأشهر الأولى من حياته، وأفضل الحليب حليب الأُم، لأنّ عملية الرضاعة لها تأثيرها على الجانب العاطفي للطفل، والأم أفضل من تمنحه الحنان والدفيء العاطفي بدافع غريزة الأمومة التي أودعها الله تعالى في المرأة، وأكّد أهل البيت (عليهم ‌السلام) على اختيار المرضعة المناسبة والملائمة ضمن مواصفات معينة ، روي عن الامام أمير المؤمنين (عليه ‌السلام) قال: انظروا من ترضع أولادكم فان الولد يشبُّ عليه.
وقد أثبتت التجارب صحة تعاليم أهل البيت عليهم السلام في هذا المجال.
روي عن الإمام محمد الباقر (عليه‌ السلام) قال: استرضع لولدك بلبن الحسان، وإياك والقباح فان اللبن قد يعدي.
وروي عن الإمام محمد الباقر (عليه‌ السلام): إنّ علياً كان يقول: لا تسترضعوا الحمقاء، فان اللبن يغلب الطباع.
وفي هذه المرحلة أوصى أهل البيت (عليهم ‌السلام) بالاهتمام بغذاء الأم المصدر الأساسي لتكوين الحليب من حيثُ الكمية والنوعية، وكان التركيز على التمر في إطعام الأم لتأثيره على الرضيع، فقال رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله): ليكن أول ما تأكل النفساء الرّطب؛ قيل: يا رسول الله فان لم يكن أوان الرطب؟ قال: «سبع تمرات من تمر المدينة، فان لم يكن فسبع تمرات من تمر أمصاركم.


اهتمام أهل البيت عليهم السلام بجميع مراحل نمو الإنسان ليكون كافة المراحل التي تمر عليه فيها الآثار التي يريدها العبد المؤمن، فيكون عليه الاهتمام بالاسترضاع من حليب الأم ، فإذا تعذّر حينها يجب اختيار المرضعة المؤمنة السالمة من الأمراض الجسدية والنفسية، للوصول للهدف.

روي عن الإمام علي (عليه السلام)قال: لو لم يتواعد الله عباده على معصيته، لكان الواجب ألا يعصى شكرا لنعمه.

حقٌّ على العبد أن يتضرع لخالقه شكراً أن حملته الأرض في جميع حركاته وسكناته وعبادته لله من ركوع وسجود، وألّا يكون ممن يدعو في وقت معين فقط، بل بكل وقت مهما اطال الله في عمره، النعم كثيرة من أين ما يبدأ العبد الشكر وهو كما قال الله تعالى في سورة إبراهيم: ( وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ).

روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: في كل نفس من أنفاسك شكر لازم لك، بل ألف وأكثر.

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام – لأبي بصير، إذ دخل عليه وقد أخذه النفس: يا أبا محمد ! ما هذه النفس العالي ؟ قال: جعلت فداك يابن رسول الله كبرت سني، ودق عظمي، واقترب أجلي، ولست أدري ما أرِدْ عليه من أمر آخرتي.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا محمد، وإنك لتقول هذا ؟ فقال: جعلت فداك وكيف لا أقول هذا ؟ فذكر الامام عليه السلام كلاما، ثم قال: يا أبا محمد لقد ذكر الله في كتابه المبين: (اولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين…) فرسول الله صلى الله عليه وآله في الآية النبيين، ونحن في هذا الموضع الصديقين والشهداء، وأنتم الصالحون، فَتَسَمّوا بالصلاح كما سَمّاكم الله يا أبا محمد.

إنّ الشكر عبارة عن مكافأة المنعم بنعمه، ولا معنى لمكافأته سبحانه وتعالى؛ فإنّه غنيّ عن العالمين، وهو المنعم على الخلق ولا يُنعم عليه، ولا ينفعه شكرنا إيّاه، بل تعود منفعة شكرنا إيّاه إلينا، وذلك قوله تعالى في سورة القمر: (نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ ).
ومما يذكر عن الشكر رواية عن الإمام الصادق(عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ضغطة القبر للمؤمن كفّارة لما كان منه من تضييع النعم.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

الحمد لله والشكر له أن جعلنا من الذين يعرفون إمامهم، روي عن الإمام الباقر (عليه السلام)قال: إنما يعرف الله عز وجل ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منا أهل البيت.
روي عن الصقر بن أبي دلف قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا ( عليه السلام ) يقول : إن الإمام بعدي ابني علي ، أمره أمري ، وقوله قولي ، وطاعته طاعتي ، والإمام بعده ابنه الحسن ، أمره أمر أبيه ، وقوله قول أبيه ، وطاعته طاعة أبيه ، ثم سكت ، فقلت له : يا ابن رسول الله فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكي (عليه السلام ) بكاء شديداً ، ثم قال : إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر. فقلت له : يا ابن رسول الله لم سمي القائم؟ قال : لأنه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته. فقلت له : ولم سمي المنتظر؟ قال : لأن له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزئ بذكره الجاحدون ، ويكذب فيها الوقّاتون ، ويهلك فيها المستعجلون ، وينجو فيها المسلمون.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *