الليلة الثانية والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَبُلُوغِ فَارِغِ حبَائِلِ عُنُقِي، وَمَا اشْتَمَلَ عَليْهِ تَامُورُ صَدرِي، وَحمَائِلِ حَبْلِ وَتِينِي، وَنِيَاطِ حِجَابِ قَلْبِي، وَأَفْلاَذِ حَواشِي كَبِدِي، وَمَا حَوَتْهُ شَراسِيفُ اَضْلاَعِي.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الرعد: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾.

كم هي جميلة التعابير وكلمات الإمام عليه السلام في دعائه، عندما تصف الصدور وما فيها، و توجهها بالشهادة التوحيدية نحو الباري عز وجل، كي يبعث الأنوار الإلهية في القلوب.

منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا احتل القلب مكانة هامه ومركزيه لبني الإنسان.
ففي المعتدات القديمة، كما عرف من رموز الصينيين، أن القلب هو موضع الحب والروح.
وإننا لنجد في عادات الشعوب المئات من العبارات المستعارة مما يوحي بمركزية وأهمية القلب في حياة الأمم.
بعض من هذه الاستعارات: دخل في قلبي، ذو قلب قاس، ومقابلها ذو قلب حنون، القلم بريد القلب وترجمان العقل.
المعتقدات الإسلامية ما قلت شأنا عن مثيلاتها من المعتقدات الأخرى، بل زادت الكثير على مركزية وأهمية هذا الجوهر في الإنسان.
لأن القلب ملك الأعضاء، كما في الحديث النبويّ المرويّ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ألا وإنَّ في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدَت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب.
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: أعلم أنّ منزلة القلب من الجسد بمنزلة الإمام من الناس الواجب الطاعة عليهم، ألا ترى أنّ جميع جوارح الجسد شرط للقلب وتراجمة له مؤدية عنه.

وعندما نقرأ كلمات الامام عليه السلام حول القلب والحصن الذي وضعه الله له كي يحميه وهو الذي في الصدور وما رادفها من كلمات تفصيلية عن محتواه ،كل ما وجدناه في مجملها تعالج الباطن والروحانيات للقلب في الشهادة الوحدانية لله تبارك وتعالى.

روي من مناظرة الإمام الصادق عليه السلام مع الطبيب الهندي:
قال الامام الصادق عليه السلام أخبرني يا هندي: فلم كان القلب كحب الصنوبر ؟ قال لا أعلم .
فلم كانت الرئه قطعتان وجعلت حركتهمافي موضعهما ؟ قال:لا أعلم .
فلم كانت الكبد حدباء ؟ قال:لا أعلم .
قال الامام عليه السلام: وكان القلب كحب الصنوبر لأنه منكس فجعل رأسه دقيقاً ليدخل في الرئة فيتروح عنه ببردها ولئلا يشيط الدماغ بحره .
وجعلت الرئة قطعتين ليدخل القلب بين مضاغطها فيتروح بحركتها .
وكانت الكبد حدباء لتثقل المعدة وتقع جميعها عليها فتعصرها ليخرج ما فيها من بخار .

وهو القلب ذلك العضو المهم في جسم الانسان , ذكر في القرآن صراحة اكثر من مائة وثلاثون مرة.

ولقد ظهر في الناس من تعاليمهم وارشاداتهم عليهم السلام مادل على كامل معرفتهم وتمام اطلاعهم على مختلف العلوم لاسيما علم الطب.

فيما كان من علم التشريح في العلم الحديث:

يمكن تعريف القلب بأنه العضو الأساسي في جهاز الدوران، وهو مضخة عضلية بحجم قبضة اليد تضخ الدم إلى أنحاء الجسم عبر الأوعية الدموية، تعمل دون توقف ولا كلل وتنظم الإيقاع والنبضات.
يزن القلب ما بين 230 إلى 350 جراماً تقريباً، ويضخ من 5 إلى 7 لتر في الدقيقة، و7600 لتر تقريباً في اليوم.
تتمثل وظيفة القلب في:

  • ضخ الدم في الشرايين التي تحمل الأكسجين والمواد المغذية إلى جميع أنسجة الجسم.
  • استقبال الدم غير المؤكسج والفضلات الأيضية، وضخهما إلى الرئتين لكي يتأكسج مرة أخرى.

يعتقد معظم الناس أن مكان القلب في جسم الإنسان على الجانب الأيسر من الصدر، ولكن في الحقيقة أن موقع القلب في الجسم في وسط صدر جسم الإنسان بين الرئتين خلف عظمة القص، وتميل قمته نحو اليسار قليلاً.

تشريح القلب
يشبه شكل القلب مخروط قاعدته تتجه للأعلى والخلف، بينما تتجه قمته للأمام والأسفل، ويتكون من أربع حجرات وأربعة صمامات.
حجرات القلب
تعرف الحجرتان الموجودتان في الجزء العلوي من القلب باسم الأذين الأيمن والأذين الأيسر، والحجرتان السفليتان هما البطين الأيمن والبطين الأيسر.

  • يستقبل الأذين الأيسر الدم المؤكسج من الرئتين بعد تنقيته من ثاني أكسيد الكربون عن طريق الأوردة الرئوية الأربعة .
  • يستقبل الأذين الأيمن الدم المشبع بثاني أكسيد الكربون القادم من جميع أنحاء الجسم عن طريق الأوردة الجوفية العليا والسفلى.
    صمامات القلب
    توجد صمامات تفصل الأذينين عن البطينين تسمى الصمامات الأذينية البطينية، وهما:
  • صمام ثلاثي الوريقات على اليمين.
  • الصمام الميترالي على اليسار.
    بعد وصول الدم إلى البطينين، يتم ضخه إلى أجزاء الجسم المختلفة في وعائين دمويين كبيرين هما الشريان الأورطي، واثنان من الشرايين الرئوية.
    يوجد في منافذ البطينين صمامات نصف هلالية، الصمام الرئوي وصمام الشريان الأورطي.
    طبقات القلب
    يتكون جدار القلب من ثلاث طبقات:
  • القلب الخارجي .
  • عضلة القلب الوسطى .
  • البطانة الداخلية .
    تشكل عضلة القلب الوسطى الجزء الأكبر من القلب، وتتكون من خلايا وألياف عضلة القلب، في حين أن الطبقة الداخلية والخارجية هي طبقات رقيقة، ويحاط القلب بأكمله بغلاف خارجي يسمى غشاء التامور.
    هذا بعض مما ذكروه ولو اردنا البحث العميق كان الحاجة الى مجلدات لهذا البحث، ولكن خير الكلام ما قل ودل.

يُعلم بالرجوع إلى الآيات القرآنية والروايات الشريفة أنّ المراد من القلب هو إمّا عين هذه الحقيقة التي تُشير إلى إعماله بما يريده الله، أو بما أراده الشيطان. وإنّ من آثار القلب هو أن يتمكّن المرء من التمييز بين الحقّ والباطل، وهذه القدرة على التمييز هي غاية في النفاسة والقيمة بالنسبة للإنسان المؤمن.

إن عمارة القلب هو الشيء الذي يمكن أن يعول عليه في الدنيا والآخرة، عن الإمام الجواد عليه السلام: (القصد إلى الله تعالى بالقلوب، أبلغُ من إتعاب الجوارح بالأعمال).. بمعنى أن العبادة قد تكون مرهقة: صياماً، أو قياماً، أو حجاً وغيرها ولكن الإنسان في جلسة تأمل مع نفسه، ومناجاة مع ربه؛ يصل إلى درجات عالية جداً من الرقي والتكامل الروحي.

روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله )قال : إن لله تعالى في الأرض أواني ، ألا وهي القلوب ، فأحبها إلى الله ، أرقها ، وأصفاها ، وأصلبها : أرقها للاخوان ، وأصفاها من الذنوب ، وأصلبها في ذات الله.

وروي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله )قال : القلوب أربعة : قلب فيه إيمان وليس فيه قرآن ، وقلب فيه إيمان وقرآن ، وقلب فيه قرآن وليس فيه إيمان ، وقلب لا إيمان فيه ولا قرآن : فأما الأول كالتمرة طيب طعمها ولا طيب لها ، والثاني كجراب المسك طيب إن فتح وطيب إن وعاه ، والثالث كالأسنة طيب ريحها وخبيث طعمها ، والرابع كالحنظلة خبيث ريحها وطعمها.

ونحن في هذه الأيام والليالي الحزينة بشهادة الامام أمير المؤمنين عليه السلام نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

مما لا شك فيه أن هذه الدموع التي يجريها الإنسان على مصائب أهل البيت عليهم السلام ترقق القلب، ولهذا علينا دوماً انتهاز هذه الحالة المعنوية بالمبالغة في المناجاة الخاشعة لله عز وجل. يقول الإمام الرضا عليه السلام : فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإن البكاء يحطّ الذنوب العظام.

روي عن الإمام علي عليه السلام قال : بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آخذ بيدي ونحن نمشي في بعض سكك المدينة ، فمررنا بحديقة فقلت : يا رسول الله ! ما أحسنها من حديقة !. قال : لك في الجنّة أحسن منها ، ثمّ مررت بأخرى فقلت : يا رسول الله ! ما أحسنها من حديقة !. قال : لك في الجنّة أحسن منها ، حتّى مررنا بسبع حدائق كلّ ذلك أقول : ما أحسنها ، ويقول : لك في الجنّة أحسن منها ، فلمّا خلا له الطريق اعتنقني ، ثمّ أجهش باكياً ، قلت : يا رسول الله ! ما يبكيك ؛ قال : ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي ، قلت : يا رسول الله ! في سلامة من ديني ؟ قال : في سلامة من دينك.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *