شرح دعاء الافتتاح (الحلقة الثانية)

بسم الله الرحمن الرحيم

اللّٰهُمَّ أَذِنْتَ لِي فِي دُعائِكَ وَمَسْأَلَتِكَ ، فَاسْمَعْ يَا سَمِيعُ مِدْحَتِي ، وَأَجِبْ يَا رَحِيمُ دَعْوَتِي ، وَأَقِلْ يَا غَفُورُ عَثْرَتِي ، فَكَمْ يَا إِلٰهِي مِنْ كُرْبَةٍ قَدْ فَرَّجْتَها ، وَهُمُومٍ  قَدْ كَشَفْتَها ، وَعَثْرَةٍ قَدْ أَقَلْتَها ، وَرَحْمَةٍ قَدْ نَشَرْتَها ، وَحَلْقَةِ بَلاءٍ قَدْ فَكَكْتَها. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

روي عنه عليه السلام في دعائه: اللّٰهُمَّ أَذِنْتَ لِي فِي دُعائِكَ وَمَسْأَلَتِكَ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة طه: {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا}.

أفضل مقام للعبد هو الإذن له في الدعاء، فيتسائل سائل كيف ذلك؟ وهل يحتاج العبد إلى الإذن للتوجه في مثل هذه الأيام الفضيلة أو في غيرها إلى الخالق فيجتهد له في الدعاء؟

كما أن لكل شئ إذن الدخول والخروج، بل حتى الطلب فالحصول على أي شئ يحتاج إلى إذن شفهي او موافقة، نرى الله قد جعل هذا الإذن من الجوارح، وهو نوع من أنواع الأذونات، فدلت الروايات الشريفة بإجماع المسلمين على ذلك.

كما روي عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إذا رق أحدكم فليدعُ، فإنَّ القلب لا يرق حتى يخلص.

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: بكاء العيون وخشية القلوب من رحمة الله تعالى ذكره فإذا وجدتموها فاغتنموا الدعاء، ولو أن عبدا بكى في أمة لرحم الله تعالى ذكره تلك الأمة لبكاء ذلك العبد.

وروي عن عبدالله بن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إذا أحسستم من أنفسكن رقة، فاغتنموا الدعاء.

فبعد مما تقدم يعرف أن رقة القلب وبكاء العين هي ضرب من ضروب الأذن للدعاء، وليعرف العبد فضل الله عليه أن جعل له مقدمات في الدعاء ولشدة أهميته في الإسلام أمرنا به.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة غافر: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.

فبعد التوجه بالدعاء تبدأ مسألة العبد في طرح حاجاته الدنيوية والأخروية التي يتطلع أن تقبل فتحل مسألته لأهمية الدعاء المنصرف به.

روي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: أفضل العبادة الدعاء.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: الدعاء مخ العبادة.

روي عنه عليه السلام في دعائه: فَاسْمَعْ يَا سَمِيعُ مِدْحَتِي ، وَأَجِبْ يَا رَحِيمُ دَعْوَتِي. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الإسراء: {وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا}.

كل دعاء صادر من العبد إلى الله تعالى قد يحجب أو تحجبه أمور، فيأمل العبد من ربه سماع نجواه في المدح والثناء له دون حجاب من الشيطان الذي يسعى في وسوسته أن يجرف أفكار العبد عن الإخلاص في دعائه.

روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال: جاءَ رجلٌ إلى أميرِ المؤمنينَ عليه السلام فقال : إنّي دَعَوتُ اللّه َ فلَم أرَ الإجابةَ ! فقالَ : لقد وَصَفتَ اللّه َ بغيرِ صِفاتِهِ ، و إنَّ للدُّعاءِ أربعَ خصالٍ : إخلاصُ السَّريرةِ ، و إحضارُ النِّيّةِ ، و مَعرفةُ الوسيلةِ ، و الإنصافُ في المسألةِ ، فهل دَعَوتَ و أنتَ عارفٌ بهذهِ الأربعةِ ؟ قالَ : لا ، قالَ : فاعرِفْهُنَّ.

فطلب العبد من الله أن يسمع دعائه لها مقدمات مثل آداب للدعاء يجب معرفتها كي يقي العبد نفسه من رد دعائه إلى سماع صوته في مناجاته التي يملئها المدح والثناء والتوسل والتضرع لله، فيعلم الله ماتحدث نفس عبده.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة غافر: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}

فإجابة الدعاء، تحتاج إلى السلاح الذي هو مفتاح المؤمن، روي عن عبدالله بن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: الدعاء مفتاح الرحمة.

وروي عن الإمام الصادق عليه‌السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: ألا أدلكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم، ويدرّ أرزاقكم؟ قالوا: بلى، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: تدعون ربكم بالليل والنهار فإن سلاح المؤمن الدعاء. 

وقال عليه السلام في دعائه:  وَأَقِلْ يَا غَفُورُ عَثْرَتِي ، فَكَمْ يَا إِلٰهِي مِنْ كُرْبَةٍ قَدْ فَرَّجْتَها.

أن العثرات التي توقع العبد في الملمات، ذكروا لها معاني في اللغة فعن معجم لسان العرب و القاموس المحيط ومعجم اللغة العربية المعاصر: عثر أي زَلَّ وَكَبَا، سقط.

وهنا عثرات العبد في طريقه مليئة بالحفر والحواجز التي يضعها الشيطان له فتوقعه فيها، فيقيله الله ويغفر له ويفرج عنه الكربات. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأنبياء: {فَٱسْتَجَبْنَا لَهُۥ فَكَشَفْنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرٍّۢ ۖ وَءَاتَيْنَٰهُ أَهْلَهُۥ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَٰبِدِينَ}.

فهذا نبي الله أيوب قد كشف مابه ببركة الدعاء والصبر، والعبد في هذا الشهر يقيل عثرات إخوانه المؤمنين كي يقيله الله، روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تطيلوا عثرات المؤمن فإنه من تتبع عثرات المؤمنين تتبع الله عثراته، ومن تتبع الله عثراته يفضحه ولو في جوف بيته.

ونحن في هذا الشهر الفضيل وبركة هذا الدعاء نسأله أن يكشف عنا كل هم، فيعطي العبد الراحة من الهموم التي يكشفها الله عنه فلا يقدر العبد أن يحصي نعم الله عليه من غفران العثرة إلى فرج الكربة و  كشف الهموم إلا بما ورد عنهم عليهم السلام، روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام قائلا يوما لسفيان الثوري : يا سفيان إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها فأكثر من الحمد والشكر على الله قال الله عزوجل في كتابه العزيز : «لئن شكرتم لازيدنكم» وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار فإن الله عزوجل قال في كتابه «استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين » يعني في الدنيا «ويجعل لكم جنات» يعني في الآخرة.

يا سفيان إذا حزنك أمر من سلطان أو غيره فأكثر من قول «لا حول ولا قوة إلا بالله» فإنها مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة. 

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَعَثْرَةٍ قَدْ أَقَلْتَها ، وَرَحْمَةٍ قَدْ نَشَرْتَها ، وَحَلْقَةِ بَلاءٍ قَدْ فَكَكْتَها.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة فاطر:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا}.

إن رحمة الله تبدأ مع العبد من بطن أمه إلى حين موته وبعثه فتنتشر على جميع عباده فتكون لهم أمانا وهذه الرحمة في عصرنا التي انتشرت هي وجود الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه. 

روي  عن أبي حمزة، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال: (لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت).

وروي عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك عندما سأله هل ينتفع الشيعة بالقائم في غيبته ؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أي والذي بعثني بالنبوة ، إنهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها سحاب».

أن العبد يفزع إلى الله في البلاء الذي يصيبه فيكون للدعاء أثر دنيوي وأخروي.

روي عن الإمام الصادق (عليه السلام)قال:

مَا مِنْ شِيعَتِنَا أَحَدٌ يقَارِفُ أَمْراً نَهَينَاهُ عَنْهُ فَيمُوتُ حَتَّى يبْتَلَى بِبَلِيةٍ تُمَحَّصُ بِهَا ذُنُوبُهُ‏ إِمَّا فِي مَالٍ أَوْ وَلَدٍ َ إِمَّا فِي نَفْسِهِ.

ولفك حلقات البلاء يكثر العبد المؤمن من الدعاء.

روي عن  أمير المؤمنين (عليه السلام)قال:

اِدفَعوا امواجُ الْبَلاءَ بالدُّعاء.

ونحن نرفع أكفنا بالدعاء لله في هذه الأيام أن يفك عنا حلقات البلاء بتعجيل فرج أمامنا، ففي الحديث عن يونس بن عبد الرحمن أن الإمام الرضا(عليه السلام) كان يأمر للقائم(عجل الله تعالى فرجه) بهذا الدعاء:( اللهم ادفع عن وليك وخليفتك وحجتك…)

ونعمل بما أوصانا به امام زماننا بالتمسك بهم عليهم السلام، روي عنه عجل الله فرجه الشريف: « فليعمل كل امرئ منكم بما يقرب به من محبتنا ويتجنب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا فإن أمرنا بغتة فجأة حين لا ينفعه توبة»

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *