شرح دعاء الافتتاح (الحلقة الثالثة)

بسم الله الرحمن الرحيم 

الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلَا وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَ لِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً. الْحَمْدُ لِلّٰهِ بِجَمِيعِ مَحامِدِهِ كُلِّها ، عَلَىٰ جَمِيعِ نِعَمِهِ كُلِّها. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

روي عنه عليه السلام في دعائه: الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلَا وَلَداً.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة آل عمران: ﴿شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.

يبدأ عليه السلام في حمد الله على نعمة التوحيد، وهذا الحمد الصادر منه عليه السلام نستفيد منه كيفية الحمد على كل شئ من الله وإلى الله. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الإسراء: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ ۖ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}.

يولد الأنسان على الفطرة في دينه حتى يعلمه أبواه الاعتقاد بوحدانية الله، قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الروم:﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

وللحمد عند تصفح معاجم اللغوية مفردات منها، الحمد: من (حمد: الحَمْدُ: نقيض الذَّمّ، يقال: بَلَوته فأحْمَدْتُه أيْ وجَدْتُه حَميداً محمودَ الفِعَال. وحَمِدْتُه على ذلك)، ولها خصوصية أنها أعم من الشكر الذي يصدر بعد فعل خاص ما فتشكره عليه.

فبِدء كل شيء بالحمد له دلالة على عظمة الفعل الصادر منه.

روي عن جابر بن عبد الله قال: قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل الذكر  شهادة أن لا إله إلا الله ،وأفضل الدعاء الحمد لله.

يفصل لنا أهل البيت عليهم السلام  في الروايات الواردة عنهم أن الله واحد لا صاحبة له فهو منزه عن قول المسيحيين والنصارى وغيرهم أن الله أتخذ صاحبة أو ولدا ، روي عن أمیرالمؤمنین عليه السلام قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَمْ یَلِدْ فَیَکُونَ فِی الْعِزِّ مُشَارَکاً وَ لَمْ یُولَدْ فَیَکُونَ مَوْرُوثاً هَالِکاً. 

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من يولد يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتجون البهيمة ، هل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها ؟ ، قالوا يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير ؟ قال : ” الله أعلم بما كانوا عاملين.

كل عمل يحتاجه العبد في هذا الشهر الكريم في جميع مسائله التي توجه إليها من العلقة العبادية يوضحه له أهل الذكر عليهم السلام ليرقى بنفسه عن وسوسة الشيطان إلى المعرفة.

روي عن الإمام علي أمير المؤمنين(عليه السلام)قال : ما دلّك القرآن عليه من صفته [ عزّ وجلّ ] فاتّبعه، ليوصل بينك وبين معرفته، وأتمّ به، واستضيء بنور هدايته…

وما دلّك الشيطان عليه مما ليس في القرآن عليك فرضه، ولا في سنّة الرسول وأئمة الهدى أثره فكِل علمه إلي الله عزّ وجلّ، فإنّ ذلك منتهي حقّ الله عليك.

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَ لِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً. 

تبقى العوالم التي تحيط بالعبد شاغلة نفسها في إفساد عقائده وفطرته في توحيده فتسعى بكل وسائلها إلى حرفه عن طريق الحق المبين، وبين الله في كتابه عن نواياهم إلى يوم القيامة، وحث أهل بيت النبوة عليهم السلام على وجوب معرفة تلك النوايا ودحضها من خلال نشر كلمة الحق وإرشاد الناس إلى الله الواحد.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة المائدة: ﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ 

جاء في وصية الإمام علي (عليه السلام) لولده الإمام الحسن (عليه السلام) : واعلم يا بني! أنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار مُلكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته.

روي عن الإمام علي بن موسي الرضا (عليه السلام) قال : إنّ الخالق لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه، وأنّي يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحدّه، والأبصار عن الإحاطة به، جلّ عمّا وصفه الواصفون، وتعالى عمّا ينعته الناعتون. 

العبد يتعرض في حياته إلى كثير من المسائل فيحتاج إلى جواب يكون جامعا لما يطرح عليه من خلاف، روي عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) في مقام الردّ على مقولة أحد الزنادقة: “لا يخلو قولك: إنّهما اثنان من:

أن يكونا قديمين قويين.

أو يكونا ضعيفين.

أو يكون أحدهما قويّاً والآخر ضعيفاً.

فإن كانا قويين فلمَ لا يدفع كلّ واحد منهما صاحبه ويتفرّد بالتدبير؟!

وإن زعمت أنّ أحدهما قوي والآخر ضعيف ثبت أنّه واحد كما نقول للعجز الظاهر في الثاني. 

روي عن  الأصبغ قال: كنت أركع عند باب أمير المؤمنين عليه السلام وأنا أدعو الله ، إذ خرج أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أصبغ !. قلت : لبيك !.. قال : أي شيء كنت تصنع ؟. قلت : ركعت وأنا أدعو ، قال : أفلا أعلمك دعاء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قلت : بلى ، قال عليه السلام: قل : الحمد لله على ما كان ، والحمد لله على كل حال، ثم ضرب بيده اليمنى على منكبي الأيسر، وقال عليه السلام :  يا أصبغ لئن ثبتت قدمك، وتمت ولايتك، وانبسطت يدك، فالله أرحم بك من نفسك.

فالمعرفة بالله توجب الحمد له تعالى دائما، على ما فضلنا على كثيرا من خلقه. 

معنى الاعتقاد التي يجب معرفتها للعبد  بأن (الله أكبر) أن لا نقيسه مع المخلوقات الأخرى، ونقول بأنه أعظم وأكبر منها، لأن مثل هذه المقايسة خطأ من الأساس. و يجب أن يعتبره أعظم وأكبر من أن يقيسه بشئ، كما يعلمنا ذلك الإمام الصادق (عليه السلام) في مقولته التي تعطي معاني تشد إيمان العبد.

روي أن  رجلا قال: عند الإمام الصادق (عليه السلام) الله أكبر.

فقال (عليه السلام): ” الله أكبر من أي شئ؟ “.

قال الرجل: من كل شئ.

فقال (عليه السلام): ” حددته “.

فقال الرجل: كيف أقول؟

قال (عليه السلام): قل: ” الله أكبر من أن يوصف. 

وفي مفهوم مراد الإمام الصادق(عليه السلام) قوله: (الله أكبر من أن يوصف)، إنّما هو لدفع توهّم من لا يعرف عظمة الخالق جلّ شأنه، حيث يحسبه حين النطق بكلمة (الله أكبر) أنه أكبر من هذه الأشياء المشاهدة المعهودة لدينا، وبذلك يضع الخالق والمخلوق في رتبة واحدة مع فرق أنّ الله كبير مع زيادة على بقية الأشياء.

ولكنّ الله عزّ وجلّ أجلّ من أن يقارن بالأشياء مهما عظمت؛ لأنّها تبقى محدودة ومتناهية، وهو غير محدود ولا متناهٍ.

وروي عنه عليه السلام في دعائه: الْحَمْدُ لِلّٰهِ بِجَمِيعِ مَحامِدِهِ كُلِّها ، عَلَىٰ جَمِيعِ نِعَمِهِ كُلِّها. 

قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة القصص{لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.

روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لو أنّ الدُّنيا كلها لقمة واحدة فأكلها العبد المسلم ، ثم قال : ” الحمد لله ” لكان قوله ذلك خيراً له من الدُّنيا وما فيها.

العبد يحمد الله على النعم التي أسبغها عليه صغيرة كانت أو كبيرة قليلة أو كثيرة لأن فعله هذا صدر من مدرسة أهل البيت عليهم السلام.

روي أن الإمام العسكري عليه السلام كتب إلى إسحاق بن إسماعيل : ليس من نعمةٍ – وإن جلّ أمرها وعظم خطرها – إلا والحمد لله تقدست أسماؤه عليها يؤدي شكرها ، وأنا أقول :

الحمد لله مثل ما حمد الله به حامد إلى أبد الأبد بما منَّ به عليك من نعمة ونجاك به من الهلكة.

ونحن في هذه الأيام الفضيلة نرفع أكفنا إلى الله بالشكر على نعمة الإسلام والولاية لمحمد وآل محمد روي عن الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه قال: أكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فان ذلك فرجكم.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *