شرح دعاء الليلة الرابعة

دعاء الليلة الرابعة
بسم الله الرحمن الرحيم


يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، ويا جبار الدنيا ومالك الملوك، ويا رازق العباد، هذا شهر التوبة، وهذا شهر الثواب، وهذا شهر الرجاء، وأنت السميع العليم أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعلني من عبادك الصالحين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن تسترني بالستر الذي لا يهتك، وتجللني بعافيتك التي لا ترام، وتعطيني سؤلي، وتدخلني الجنة برحمتك، و لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا كربة إلا كشفتها، ولا حاجة إلا قضيتها، بحق محمد وآل محمد، إنك أنت الأجل الأعظم.


والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.


روي عنه صلى الله علیه وآله وسلم في دعائه:(يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، ويا جبار الدنيا ومالك الملوك، ويا رازق العباد).


قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة البقرة: {وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ}.
الرحمن الرحيم إسمان مشتقان من الرحمة، والرحمة في الأصل رقة في القلب تستلزم التفضل والإحسان، وهذا جائز في حق العباد، ولكنه محال في حق الله سبحانه وتعالى، والرحمة تستدعي مرحوما ولا مرحوم إلا محتاج، والرحمة منطوية على معنيين الرقة والإحسان، فركز تعالى في طباع الناس الرقة وتفرد بالإحسان.
ولا يطلق الرحمن إلا على الله تعالى، إذ هو الذي وسع كل شىء رحمة، والرحيم تستعمل في غيره وهو الذي كثرت رحمته، وقيل أن الله رحمن الدنيا ورحيم الآخرة، وذلك أن إحسانه في الدنيا يعم المؤمنين والكافرين، وفي الآخرة يختص بالمؤمنين، اسم الرحمن أخص من اسم الرحيم، والرحمن نوعان من الرحمة، وأبعد من مقدور العباد، فالرحمن هو العطوف على عباده بالإيجاد أولا وبالهداية إلى الإيمان وأسباب السعادة ثانيا والإسعاد في الآخرة ثالثا.
وروي عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام: ما ظنك بالرؤوف الرحيم الذي يتودد إلى من يؤذيه بأوليائه، فكيف بمن يؤذى فيه، وما ظنك بالتواب الرحيم الذي يتوب على من يعاديه، فكيف بمن يترضاه ويختار عداوة الخلق فيه.
قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة آل عمران:{قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِى ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ ۖ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ}.
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: لا تطمعن في مودة الملوك، فإنهم يوحشونك آنس ما تكون بهم، ويقطعونك أقرب ما تكون إليهم.
فيعرف العبد المؤمن أن الملك لله الواحد القهار يعطيه من يشاء ويسلبه ممن يشاء.


وروي عنه صلى الله علیه وآله وسلم في دعائه:(هذا شهر التوبة، وهذا شهر الثواب، وهذا شهر الرجاء، وأنت السميع العليم أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعلني من عبادك الصالحين).


قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة النور:{‏‏وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}‏‏.
المؤمن ينهل المعرفة من أمناء الله ليصل إلى الرقي في هذا الشهر، ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، نادى الجليل تبارك وتعالى رضوان خازن الجنة فيقول: يا رضوان.
فيقول: لبيك ربي وسعديك فيقول عز وجل:نجد جنتي وزينها للصائمين من أمة محمد صلى الله عليه وآله ولا تغلقها عنهم حتى ينقضي شهرهم.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ثم يقول عز وجل: يا مالك
فيقول: لبيك ربي وسعديك
فيقول الجليل: أغلق الجحيم عن الصائمين من أمة محمد صلى الله عليه وآله ولا تفتحها عليهم حتى ينقضي شهرهم، ثم يقول تعالى لجبرئيل عليه السلام: يا جبرئيل
فيقول: لبيك ربي وسعديك
فيقول عزوجل: انزل على الأرض فغل فيها مردة الشياطين حتى لا يفسدوا على عبادي صومهم.
ولله تعالى ملك في السماء الدنيا يقال له: درديائيل فرائصه تحت العرش وله جناحان جناح مكلل بالياقوت، والآخر بالدر قد جاوز المشرق والمغرب ينادي الشهر كله: يا باغي الخير هلم ويا باغي الشر أقصر، هل من سائل فيعطى سؤله؟ وهل من داع فيستجاب دعوته؟ هل من تائب فيتاب عليه؟
والله تعالى يقول الشهر كله: هل من تائب فيتاب عليه هل من مستغفر فيغفر له؟
ويقول عز وجل: عبادي اصبروا وأبشروا فتوشكوا أن تنقلبوا إلى رحمتي وكرامتي، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : فلله عز وجل عتقاء عند كل فطر: رجالا ونساء.


روي عنه صلى الله علیه وآله وسلم في دعائه:(الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن تسترني بالستر الذي لا يهتك، وتجللني بعافيتك التي لا ترام، وتعطيني سؤلي، وتدخلني الجنة برحمتك).


يلتمس المؤمن من الله الستر في أمور لايحب أن يطلع عليها غيره، فيؤدب نفسه بآداب الرسالة، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا يستر عبد عيب عبد إلا ستره الله يوم القيامة.
فولاية المؤمن لآل محمد الطيبين الطاهرين عليهم السلام هي أفضل ستر له وأفضل عافية.
رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السَّلام ) أنهُ قال : ” مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ جُنَّةً ، حَتَّى يَعْمَلَ أَرْبَعِينَ كَبِيرَةً ، فَإِذَا عَمِلَ أَرْبَعِينَ كَبِيرَةً انْكَشَفَتْ عَنْهُ الْجُنَنُ .
فَيُوحِي اللَّهُ إِلَيْهِمْ ، أَنِ اسْتُرُوا عَبْدِي بِأَجْنِحَتِكُمْ ، فَتَسْتُرُهُ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا ” .
قَالَ : ” فَمَا يَدَعُ شَيْئاً مِنَ الْقَبِيحِ إِلَّا قَارَفَهُ ، حَتَّى يَمْتَدِحَ إِلَى النَّاسِ بِفِعْلِهِ الْقَبِيحِ .
فَيَقُولُ الْمَلَائِكَةُ : يَا رَبِّ هَذَا عَبْدُكَ مَا يَدَعُ شَيْئاً إِلَّا رَكِبَهُ ، وَ إِنَّا لَنَسْتَحْيِي مِمَّا يَصْنَعُ .
فَيُوحِي اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِمْ ، أَنِ ارْفَعُوا أَجْنِحَتَكُمْ عَنْهُ .
فَإِذَا فُعِلَ ذَلِكَ ، أَخَذَ فِي بُغْضِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَنْهَتِكُ سِتْرُهُ فِي السَّمَاءِ وَ سِتْرُهُ فِي الْأَرْضِ .
فَيَقُولُ الْمَلَائِكَةُ : يَا رَبِّ هَذَا عَبْدُكَ قَدْ بَقِيَ مَهْتُوكَ السِّتْرِ !
فَيُوحِي اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِمْ ، لَوْ كَانَتْ لِلَّهِ فِيهِ حَاجَةٌ مَا أَمَرَكُمْ أَنْ تَرْفَعُوا أَجْنِحَتَكُمْ عَنْهُ.


روي عنه صلى الله علیه وآله وسلم في دعائه:( لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا كربة إلا كشفتها، ولا حاجة إلا قضيتها، بحق محمد وآل محمد، إنك أنت الأجل الأعظم.).


قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة نوح:{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا}.
وروي عن الإمام علي عليه السلام : إن الذنوب ثلاثة، فذنب مغفور، وذنب غير مغفور، وذنب نرجو لصاحبه ونخاف عليه، أما الذنب المغفور فعبد عاقبه الله تعالى على ذنبه في الدنيا فالله أحكم وأكرم أن يعاقب عبده مرتين، وأما الذنب الذي لا يغفر فظلم العباد بعضهم لبعض وأما الذنب الثالث فذنب ستره الله على عبده ورزقه التوبة فأصبح خاشعا من ذنبه راجيا لربه فنحن له كما هو لنفسه.
قال تعالى في سورة الأنبياء:{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}.
المؤمنين الموالين يبتغون كشف ما بهم من هم وكربة وقضاء حوائجهم بتمسكهم بآل الرسول عليهم السلام.
روي عن معمر بن راشد قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: أتى يهودي النبي (صلى الله عليه وآله) فقام بين يديه يحد النظر إليه، فقال: يا يهودي ما حاجتك؟
قال: أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلمه الله وأنزل عليه التوراة والعصا وفلق له البحر وأظله بالغمام؟
فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إنه يكره للعبد أن يزكي نفسه، ولكني أقول: إن آدم (عليه السلام) لما أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما غفرت لي، فغفرها الله له.
وإن نوحا لما ركب في السفينة وخاف الغرق قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني من الغرق، فنجاه الله عنه.
وإن إبراهيم (عليه السلام) لما ألقي في النار قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني منها، فجعلها الله عليه بردا وسلاما.
وإن موسى لما ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال: اللهم إني أسالك بحق محمد وآل محمد لما آمنتني فقال الله جلاله: لا تخف إنك أنت الاعلى، يايهودي إن موسى لو أدركني ثم لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه إيمانه شيئا ولا نفعته النبوة، يا يهودي ومن ذريتي المهدي إذا خرج نزل عيسى بن مريم (عليه السلام) لنصرته فقدمه وصلى خلفه.
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *