الاستعانة والاستعاذة في البسملة

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ رَبَّ شَهرِ رَمَضانَ، مُنَزِّلَ القُرآنَ، هذا شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أنزَلتَ فيهِ القُرآنَ وأنزَلتَ فيهِ آياتٍ بَيِّناتٍ مِنَ الهُدى والفُرقانِ. اللَّهُمَّ ارزُقنا صيامَهُ، وَأعِنّا عَلى قيامِهِ.(1)

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد.

من المعلوم أن علوم الكتب السماوية موجودة في القرآن و من الظاهر أن علوم القرآن و الكتب السماوية مودعة في البسملة، و هذا صريح قول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : <<إن كل العلوم في الكتب الأربعة و علومها في القرآن ، وعلوم القرآن في الفاتحة ، و  علوم الفاتحة في بسم الله الرحمن الرحيم ، و علومها في الباء من بسم الله>>(2)

و عليه نتدبر في الآية الكريمة بقدر المستطاع، و نبدأ بمعنى حروف الآية، و فضل الحروف، و بعد ذلك  نتدبر في معاني كلمات الآية و فضلها عند أهل البيت عليهم السلام ، و معرفة علومها العقائدية، و الفقهية، و الأخلاقية، بدون ذكر نوع المبحث لتداخل المباحث مع بعضها البعض.

لنبدأ بحرف الباء في البسملة حيث ذهب جمع من العلماء إلى أنها تعني الإبتداء أي ابتدأُ الشيء بسم الله ، هذا المعنى المضمر، و ذهب الآخرون إلى أن الباء تعني قراءة القرآن بسم الله و أخفي هذا الفعل بنية القارىء أيضا(3)

أما السيد عبد الأعلى السبزواري قدس سره  في تفسيره مواهب الرحمٰن قال : الباء تعني الإستعانة بسم الله(4) وهذا الفهم وجدته في روايات أهل البيت عليهم السلام و يمكن لأي شخص إن يستعين لكل الأمور و الأفعال، ويمكن أن يستعين لفعل واحد منفردا، كالابتداء، أو القراءة، أو  الإستعاذة، و أي أمر قلبي يخطر على قلبه ، مثلما يفعل أغلب الناس 

 وقت الخوف، وهذا المعنى واضح من روايات أهل البيت، ففي كتاب موسوعة الآداب للمجلسي المفسر بإسناده إلى أبي محمد العسكري عليه السلام في قوله الله عزوجل:  << بسم الله الرحمٰن  الرحيم………….._ إلى أن قال_ بسم الله أي أستعين على أموري كلها بالله الذي لا تحق العبادة إلا له ، المغيث إذا استغيث المجيب إذا دعي >>. (5)

وهنا يرشدنا الإمام بالاستعانة على كل شيء، أي على كل فعل نفعله و وغيره، و مع ذلك ليس هناك مانع من ذكر الإستعانة بفعل معين كالابتداء أو القراءة، بمعنى آخر أن نية الاستعانة يمكن أن نضمر فيها جملة وتفصيلا، عاما وخاصا، مطلقا ومقيدا، مجملا ومبينا، و هذا القول يجمع آراء المفسرين و يفتح لنا بعض علوم آية البسملة المحتوية على علوم الكتب السماوية.

و عليه يمكننا أن نقوي الرواية التي أُسندت  إلى محمد بن يحيى ، عن علي بن الحسن بن علي، عن عباد بن يعقوب، عن عمرو بن مصعب، عن فرات بن أحنف، عن أبي جعفر عليه السلام قال : <<سمعته يقول : أول كل كتاب نزل من السماء بسم الله الرحمٰن  الرحيم فإذا قرأت بسم الله الرحمٰن الرحيم فلا تبالي ألا تستعيذ و إذا قرأت بسم الله الرحمٰن الرحيم سترتك بين السماء و الأرض>>. (6) 

تعرضت الرواية إلى التضعيف و القول أنه ليس كلام يصدر من المعصوم من قبل العلامة المجلسي قدس سره بحجة أن ما جاء من  أهل البيت عليهم السلام هو الحث على الاستعاذة  لا النهي عنها .(7)

نقول بعد فهم أن الباء تعني الاستعانة بكل شيء أو بشيء معين مثل الاستعاذة، يمكن أن نفهم قول الإمام (لا تبالي ألا تستعيذ )لأن بسم الله الرحمن الرحيم متضمنة في الباء معنى الاستعانة بالاستعاذة و الدليل على ذلك تكملة الرواية (سترتك بين السماء و الأرض)، و بطبيعة الحال إن الاستعانة بالاستعاذة هي التي تسترنا بفضل من الله عزوجل ، و على ذلك فالجمع بين روايات الحث والرواية التي فهمنا منها التخيير دون نهي، لأن تضمن الاستعاذة تحصل نتيجة التخيير بالقول و الجهر الصريح أو نكتفي بذكر بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ لأن فيها معنى الاستعانة والاستعاذة.

——————————————————————

1 . السيد ابن طاووس – إقبال الأعمال -ج 1- الصفحة 78.

2 . السند /تفسير ملامح المحكمات ص30.

3 . الزمخشري –الكشاف 1/ص2، الطوسي –التبيان 1/25 .

4 . السبزواري _ مواهب الرحمن _ج1_ص.

5 . المجلسي/ موسوعة الآداب و المستحبات ص255.

6 . المجلسي/مرآة العقول15/ص107.

7 . نفس المصدر.

تعليق واحد على “الاستعانة والاستعاذة في البسملة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *