التطبيق السادس و العشرون


بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ


اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد
و لازلنا نطبق هيمنة البسملة بشكل متسلسل لآيات سورة البقرة و بعض الأحيان نقوم بتفسير موضوعي وطريقته استقراء آيات الموضوع.

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)(1)

في هذه الآية ثلاثة تعاليم وقيم من الله عزوجل إذا لم نعمل بها يتكون السبب في ضعف الإيمان وعدم الاجتهاد في تحصيل القيم و الأخلاق و الصلة (العبادة) مع الله عز وجل، وحصول نتيجة العصيان و قد اسرف بني إسرائيل بقتل الأنبياء الذين هم من نفس الدم و العقيدة.

القيمة التعليمية الأولى هي عدم القناعة :{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ} و أهل البيت يتكلمون عن القناعة التي توصل العبد إلى بر الأمان و عدم القناعة تغرق العبد في تيه الشهوات.

قال الله تعالى * {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} * (2).

  • في مجمع البيان: { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ }قيل: فيه أقوال: أحدها: أن الحياة الطيبة الرزق الحلال، عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء، وثانيها: أنها القناعة والرضا بما قسم الله، عن الحسن ووهب وروي ذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله) (3).
  • الإمام علي (عليه السلام) – لما سئل عن قوله تعالى:{فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ} * -: هي القناعة (4).
  • عنه (عليه السلام): طوبى لمن ذكر المعاد، وعمل للحساب، وقنع بالكفاف، ورضي عن الله (5).
  • عنه (عليه السلام) – في ذكر خباب بن الأرت -:
    يرحم الله خباب بن الأرت، فلقد أسلم راغبا، وهاجر طائعا، وقنع بالكفاف، ورضي عن الله، وعاش مجاهدا (6).
  • عنه (عليه السلام): لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير العمل… يقول في الدنيا بقول الزاهدين، ويعمل فيها بعمل الراغبين، إن أعطي منها لم يشبع، وإن منع منها لم يقنع (7).
  • عنه (عليه السلام) – في صفة الأنبياء -: ولكن الله سبحانه جعل رسله أولى قوة في عزائمهم، وضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم، مع قناعة تملأ القلوب والعيون غنى، وخصاصة تملأ الأبصار والأسماع أذى (8).
  • عنه (عليه السلام): ألهم نفسك القنوع (9).
  • عنه (عليه السلام): نعم الحظ القناعة (10).
  • الإمام علي (عليه السلام): انتقم من حرصك بالقنوع كما تنتقم من عدوك بالقصاص (12).

القيمة التعليمية الثانية و الثالثة هي ضعف الإيمان و وقلة العزيمة و الاجتهاد في مرضاة الله عزوجل و النتيجة هو الإسراف و الطغيان و المعصية {اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ }

وقد يتبين من كلام أهل البيت في درجات الإيمان و فضل الإيمان عكس ما يقولون فإذا كان في منطوق الروايات:

الإمام علي (عليه السلام): إن الإيمان يبدو لمظة بيضاء في القلب، فكلما ازداد الإيمان عظما ازداد البياض، فإذا استكمل الإيمان ابيض القلب كله (13).

المفهوم يكون عكس المنطوق و هنا ضعف الايمان ظلام و تيه في القلب فكلما عتم الظلام دخلت في تيه السيئات و الشهوات .

و إذا كان منطوق ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله): أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيث ما كنت (14).

و يكون مفهوم ضعف الإيمان بعدك عن الله عزوجل.

و إذا كان منطوق ما قاله رسول الله
(صلى الله عليه وآله): أفضل الإيمان أن تحب لله، وتبغض لله، وتعمل لسانك في ذكر الله عز وجل، وأن تحب للناس ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك، وأن تقول خيرا أو تصمت (15).

  • عنه (صلى الله عليه وآله): أفضل الإيمان الصبر والسماحة (16).
  • عنه (صلى الله عليه وآله): أفضل الإيمان خلق حسن (17).
  • الإمام علي (عليه السلام): أفضل الإيمان حسن الإيقان

يكون المفهوم ضعف الايمان عكس ما قاله النبي الأعظم صلوات لله عليه حبه و بغضه ليس لله و كلامه وحبه لنفسه فقط و يلبس الحق باطل في كلامه غير صبور متسرع غضوب أخلاقه غير حسنه ليس عنده توكل و تسليم لله عزوجل.

و عدم الاجتهاد و العزيمة التي لا يريدها الله في العبد على جميع المستويات الأخلاقية و التعبدية و العقائدية نتيجتها مثل ضعف الايمان وعدم الطاعة لله عزوجل في جميع أوامره و نواهيه نتيجتها الإسراف في العصيان الذي عبر عنه الله عزوجل في نهاية الآية{وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ }.

هذه هي الإستعانة التي ينبغي العمل عليها و هذا هو السمو الذي أراده الله عزوجل لهم و لنا بنصرة آل بيته و هذه تجلي رحمة الله بتعاليمه و هذه هيمنة البسملة في آياته.

——————————————————
*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.
1- البقرة:61.
2-النحل:97.
12-11-10-9-8-7-6-5-4-3-ميزان الحكمة – محمد الريشهري -ج3-الصفحة2636.
17-16-15-14-13-نفس المصدر – ج 1 – الصفحة 198.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *