الليلة التاسعة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

فابْتَدَعْتَ خَلْقِي مِنْ مَنِيّ يُمْنى، وَاَسْكَنْتَنِي فِي ظُلُمَات ثَلاث، بَيْنَ لَحْم وَدَم وَجِلْد، لَمْ تُشْهِدْنِي خَلْقِي، وَلَمْ تَجْعَلْ إلى شَيْئاً مِنْ اَمْرِي، ثُمَّ اَخْرَجْتَنِي لِلَّذِي سَبَقَ لِي مِنَ الْهُدى إلى الدُّنْيَا تَامّاً سَوِيّاً.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الطارق:(يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ).
لقد خلق الله الإنسان خلقاً جمع بين المادة والروح، وبين كيفية خلقه و هذا الإعجاز بينه من خلال كتابه العزيز وروايات أهل البيت عليهم السلام، فبعد أكثر من ثلاثة عشر قرناً وصل العلماء في بحوثهم إلى بعض هذه الأسرار على أن الإنسان مخلوق مكون من جسم مادي، وروح شفافة، جسم مشدود إلى الأرض وروح تتطلع إلى السماء.
وبعد البحث في بحوث علماء الطب وأهل الاختصاص في تحليلاتهم ونظرياتهم عن هذا السر ، فان ما جاء في كتاب الله الكريم المنزل على نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله، ومن كلام أئمة أهل البيت عليهم السلام في خصوص هذا الخلق.
روي عن أمير المؤمنين من خطبة له عليه السلام قال: أم هذا الذي أنشأه في ظلمات الأرحام ، وشغف الأستار نطفة دهاقا ، وعلقة محاقا ، وجنيناً وراضعا.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة المؤمنون: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ .ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).

اذا فإن الولد يتكوّن من مني مدفوق من الرجل ، فيه جرثومة حية دقيقة لا ترى إلا بالآلة المكبرة (الميكروسكوب) ، ولا تزال تجري حتى تصل إلى جرثومة نظيرتها من جراثيم المرأة وهي البويضة ، ومتى التقت الجرثومتان اتحدتا وكونتا جرثومة جنين…
قال الله تعالى : ( فلينظر الإنسان مم خلق ، خلق من ماء دافق ، يخرج من بين الصلب والترائب )) وقال أيضا: (ونقر في الأرحام ما نشاء الى أجل مسمى ).

ومن الأحكام التي تبين لنا حقيقة المعرفة الإلهية بتكوين هذا العالم الرحمي العجيب في أسراره ما يروى عنهم عليهم السلام في الفقه في كتاب الديات، روي عن محمد بن مسلم قال :

سألت أبا جعفر ( عليه السلام) عن الرجل يضرب المرأة فتطرح النطفة ؟ فقال : عليه عشرون دينارا ،

فقلت : يضربها فتطرح العلقة ، فقال : عليه أربعون دينارا ،

فقلت : فيضربها فتطرح المضغة ، فقال : عليه ستون ديناراً ،

فقلت : فيضربها فتطرحه وقد صار له عظم ، فقال : عليه الدية كاملة ، وبهذا قضى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ،

فقلت : فما صفة النطفة التي تعرف بها ؟ فقال : النطفة تكون بيضاء مثل النخامة الغليظة فتمكث في الرحم إذا صارت فيه أربعين يوما ، ثم تصير إلى علقة ،

قلت : فما صفة خلقة العلقة التي تعرف بها ؟ فقال : هي علقة كعلقة الدم المحجمة الجامدة تمكث في الرحم بعد تحويلها عن النطفة أربعين يوما ، ثم تصير مضغة ،

فقلت : فما صفة المضغة وخلقتها التي تعرف بها ؟ فقال : هي مضغة لحم حمراء فيها عروق خضر مشبكة ، ثم تصير إلى عظم ،

قلت : فما صفة خلقته إذا كان عظما ؟ فقال : إذا كان عظما شق له السمع والبصر ورتبت جوارحه ، فإذا كان كذلك فان فيه الدية كاملة .

تشير الآيات الكريمة والروايات الواردة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام إلى أطوار التكوين التي يمر فيها الإنسان حتى يصبح بشراً سوياً، ولقد أصبحت هذه الأطوار من أهم دراسات العلوم الطبية الحديثة، وكشفت هذه العلوم أسرار التعبير بهذه الألفاظ المخصوصة في هذه الأطوار، ومن هذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة نستطيع أن نحدد معالم أطوار الجنين الإنساني وهي: نطفة، علقة، مضغة مخلقة وغير مخلقة، عظام، لحم يكسو العظام، التسوية والتصوير والتعديل، نفخ الروح.

روي عن المفضل عن الامام الصادق عليه السلام قال : نبتدئ يا مفضل بذكر خلق الانسان فاعتبر به، فأول ذلك ما يدبر به الجنين في الرحم وهو محجوب في ظلمات ثلاث: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة، حيث لا حيلة عنده في طلب غذاء، ولا دفع أذى، ولا استجلاب منفعة، ولا دفع مضرة، فإنه يجري إليه من دم الحيض ما يغذوه كما يغذو الماء النبات فلا يزال ذلك غذاءه حتى إذا كمل خلقه، واستحكم بدنه، وقوي أديمه على مباشرة الهواء، وبصره على ملاقاة الضياء، هاج الطلق بأمه فأزعجه أشد إزعاج وأعنفه حتى يولد.
وقال عليه السلام: (آلات الجماع وهيئتها) أنظر الآن يا مفضل كيف جعلت آلات الجماع في الذكر والأنثى جميعا على ما يشاكل ذلك عليه، فجعل للذكر آلة ناشره تمتد حتى تصل النطفة إلى الرحم، إذا كان محتاجا إلى أن يقذف ماءه في غيره، وخلق للأنثى وعاء قعرا ليشتمل على المائين جميعا. ويحتمل الولد ويتسع له ويصونه حتى يستحكم، أليس ذلك من تدبير حكيم لطيف سبحانه وتعالى عما يشركون!؟.

أول نشوء الأبدان: تصوير الجنين في الرحم)

قال المفضل فقلت: صف نشوء الأبدان ونموها حالا بعد حال حتى تبلغ التمام والكمال،

قال عليه السلام: أول ذلك تصوير الجنين في الرحم حيث لا تراه عين ولا تناله يد، ويدبره حتى يخرج سويا مستوفيا جميع ما فيه قوامه وصلاحه من الأحشاء والجوارح والعوامل، إلى ما في تركيب أعضائه من العظام، واللحم، والشحم، والعصب، والمخ، والعروق والغضاريف فإذا خرج إلى العالم تراه كيف ينمو بجميع أعضائه وهو ثابت على شكل وهيئة لا تتزايد ولا تنقص إلى أن يبلغ أشده إن مد في عمره أو يستوفي مدته قبل ذلك، هل هذا إلا من لطيف التدبير والحكمة.

قال الله تعالى في كتابه العزيز في سورة الزمر: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}.

روي في المجمع عن الباقر عليه السلام قال: ظلمة البطن و ظلمة الرّحم و ظلمة المشيمة.

إن مظاهر الرحمة الإلهية التي تغمر العباد بنفحاتها الجلية ، وبإزائها أفواج من الرحمات والألطاف التي تغمر الناس في الدنيا ويكون لها نتائجها في ترسيخ العلقة بين الناس ، وهي ألطاف كثيرة ورحمات تكوينية، بعدم رؤية الانسان كيفية تكوينه فجعل الأم الوعاء الخالص والنتيجة النهائية للاتصال بين الذكر والأنثى.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.
روي عن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) قال : ان للقائم منا غيبتين إحداهما أطول من الأخرى ، أما الأولى فستة أيام ، أو ستة أشهر ، أو ستة سنين وأما الأخرى فيطول أمدها حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به فلا يثبت عليه إلا من قوى يقينه وصحت معرفته ولم يجد في نفسه حرجاً مما قضينا ، وسلم لنا أهل البيت.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *