الليلة العاشرة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وَحَفِظْتَنِي فِي الْمَهْدِ طِفْلاً صَبِيّاً، وَرَزَقْتَنِي مِنَ الْغِذآءِ لَبَناً مَرِيّاً، وَعَطَفْتَ عَلَيَّ قُلُوبَ الْحَوَاضِنِ، وَكَفَّلْتَنِِي الاُْمَّهَاتِ الرَّوَاحِمَ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة النحل:(وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
اذكر آخر مرحلة في عالم الأجنة لأنه اذا اردنا التوسع يطول بنا الشرح لو تتبعنا تطور كل عضو من أعضاء الإنسان منذ نشأته إلى لحظة اكتماله، ويكفينا موجزا أن الجنين وعمره ثلاثة أشهر يكون قد تم تخلق جميع أحشائه وأعضائه، وطوله عند ذلك لا يزيد على شبر.
وفي المرحلة الأخيرة، يبدأ جدار الرحم في الانقباض العنيف المتواصل، وتنفجر نتيجة لذلك أغشية الجنين، فينبثق النخط، ويتدفق خارج جسم الأم إيذاناً بالولادة، فيكون المخاض، وتتوالى انقباضات الرحم في عنف، والجنين متعلق بجداره بمشيمة وتتوالى صرخات الأم، فيكون الطلق وفي كل صرخة تنسلخ المشيمة رقعة رقعة ويندفع الجنين إلى فوهة الرحم دفعة دفعة ويطل الجنين برأسه على العالم الجديد.
يعتبر أول مرحلة له في عالم الدنيا ، اجتماعيا وأسريا للمولود، فحرص الإسلام على أن تكون أول كلمة يسمعها المولود الجديد هي كلمة الله.
روي عن الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من ولد له مولود فليؤذن في أُذنه اليمنى بأذان الصلاة ، وليقم في اليسرى فأنها عصمة من الشيطان الرجيم.

روي عن الإمام علي عليه السلام: أنّ رسول الله صلى الله عليه واله، قال: من ولد له مولود فليؤذّن في أذنه اليمنى، ويقيم في اليسرى، فإنّ ذلك عصمة من الشيطان، وإنّه _أي رسول الله صلى الله عليه وآله_ أمر أن يُفعل ذلك بالحسن والحسين، وأن يُقرأ مع الأذان في أذنهما فاتحة الكتاب وآية الكرسي وآخر سورة الحشر وسورة الإخلاص والمعوذتان.
والعصمة من الشيطان هي تحصين للطفل من الانحراف بتقوية الإرادة ، وهذه الوصايا وان لم يبحثها علماء النفس وعلماء التربية المعاصرين ، ولكنّها من الحقائق التي أثبتتها التجارب المتكررة، ويعمل بها الشيعة لأنها مما ورد عن أهل البيت عليهم السلام من المستحبات في هذا المجال.
وبما أن المسلم يعمل بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله، كان الدعاء الذي دعت امرأة عمران عليها السلام به في مولد ابنتها مريم عليها السلام: ﴿ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾.

لقد أهتم الإسلام بطعام الإنسان، وكثيرا ما أكد على شروط يجب توفيرها في ما يأكله أو يشربه، حتى جعل أثار هذا الطعام على أخلاق الفرد ومراتب الكمال التي هي غاية العبد في الوصول اليها، قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة عبس:﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾.
ان اول ما يدخل جوف الانسان هو حليب أمه، ليكون له غذاء، روي عن الامام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه‌ السلام) قال: ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أمه.

كبير ذلك القلب الذي تحمله الأم , وعظيمة تلك المشاعر والأحاسيس التي أودعها الله فيه , والتي من خلالها تصبر على حمل الولد في بطنها تسعة أشهر , تعاني من آلام الوحام والتغير العضوي ما تعاني , يمتص الجنين من جسدها الغذاء ليحيا ويكبر , فإذا ما حان وقت خروجه لهذه الدنيا , عانت في ولادته ووضعه أضعاف ما كانت تعاني أيام الحمل , فإذا ما رأته بعد كل تلك الآلام احتضنته متناسية كل أوجاعها.

لا يكتفي الولد بمشاركة أمه غذاءها في بطنها ، بل يشاركها الغذاء بعد الولادة عن طريق الرضاع ، تزيل الأذى من جسد ولدها وهو صغير دون أن تتذمر أو تتأفف، وإذا أصابه مرض أو علة في يوم من الأيام، كانت هي العليلة والسقيمة من الشفقة عليه ، فليس في الدنيا مخلوق يدعو الله أن يعطي الغير من صحته للآخر ومن حياته لسعادته إلا الأم ، و هكذا تبقى حتى يكبر الولد ويبلغ أشده .

ففي كتاب الله تعالى عن عواطف الأم ومشاعرها تجاه ولدها، فإذا هي في أسمى صورها وأشكالها في قصة أم موسى عليه السلام ، حيث يصور القرآن لنا تلك المشاعر التي كانت تجيش في قلبها ، قال تعالى في سورة القصص: { وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ *.. فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }.

تظهر بجلاء عواطف الأمومة التي لا يمكن أن توازيها عاطفة بشرية أخرى، ونحن في هذه الأيام المباركة التي تعطي العبد دروسا في معنى عطف الام ورحمتها فتكون مدرسة أهل البيت عليهم السلام هي الأساس عندنا، فيروى عن جابر : لمّا حملت فاطمة(عليها‌ السلام) بالحسن فولدت كان النبي(صلى الله عليه وآله) قد أمرهم أن يلفّوه في خرقة بيضاء، فلفّوه في صفراء، وقالت فاطمة(عليها‌ السلام) :يا علي سمّه ، فقال :ما كنت لأسبق باسمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) .

فجاء النبيّ(صلى الله عليه وآله) فأخذه وقبّله، وأدخل لسانه في فمه، فجعل الحسن(عليه ‌السلام) يمصّه، ثم قال لهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) :ألم أتقدّم إليكم أن لا تلفّوه في خرقة صفراء ؟! فدعا(صلى الله عليه وآله) بخرقة بيضاء فلفّه فيها ورمى الصفراء، وأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى.

ثم قال لعلي(عليه‌ لسلام) :ما سمّيته؟ قال :ما كنت لأسبقك باسمه .

فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : ما كنت لأسبق ربّي باسمه، قال : فأوحى الله عزّ ذكره إلى جبرئيل(عليه ‌السلام) : أنّه قد ولد لمحمد ابن، فاهبط إليه فاقرأه السلام وهنّئه منيّ ومنك، وقل له : إنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى فسمّه باسم ابن هارون، فهبط جبرئيل على النبي وهنّأه من الله عَزَّ وجَلَّ ومنه، ثم قال له : إنّ الله عَزَّ وجَلَّ يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون، قال : وما كان اسمه؟ قال : شبّر، قال : لساني عربي، قال : سمّه الحسن، فسمّاه الحسن .
فتتجلى اسمى المعاني لتعطي الهدف الصحيح في كيفية التعامل مع المولود، ودلت المعاملة التي زينة مسيرة النساء من خلال رفق وعطف السيدة الزهراء عليها السلام مع أولادها.

روي عن أنس: أنّ بلالاً أبطأ عن صلاة الصبح، فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله: “ما حبسك؟” قال: مررت بفاطمة تطحن والصبي يبكي، فقلت لها: إن شئت كفيتك الرحى وكفيتني الصبي، وإن شئت كفيتكِ الصبي وكفيتني الرحى فقالت: ” أنا أرفق بابني منك”.

فإنّ الحبّ والحنان اللذين يبديها لسان الروايات في تعامل الزهراء عليها السلام مع أولادها تكاد تستشعرهما لشدّتهما، ويبدو ذلك واضحًا في خطابها لهما فتناديهما بأمثال: “يا ثمرة فؤادي، قرة عيني.
مدرسة أعطت عظيم الرفعة والدلائل للإنسان في مسير حياته ليرتقي الى ما كان يرجوه من أسس كثيرة ينعم بها في حياته.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

روي عن محمد بن مسلم الثقفي قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام يقول : القائم منا منصور بالرعب ، مؤيد بالنصر ، تطوي له الأرض وتظهر له الكنوز ، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب ، ويظهر الله عزوجل به دينه على الدين كله ولو كره المشركون ، فلا يبقى في الأرض خراب إلا قد عمر ، وينزل روح الله عيسى بن مريم ( عليه السلام ) فيصلي خلفه ، قال : قلت : يا ابن رسول الله متى يخرج قائمكم؟ قال عليه السلام: إذا تشبّه الرجال بالنساء ، والنساء بالرجال ، واكتفى الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء ، وركب ذوات الفروج السروج ، وقبلت شهادات الزور ، وردت شهادات العدول ، واستخف الناس بالدماء وارتكاب الزنا وأكل الربا…الى آخر الحديث.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *