الليلة الثامنة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

لكِنَّكَ اَخْرَجْتَنِي للَّذِي سَبَقَ لِي مِنَ الْهُدى، الَّذِي لَهُ يَسَّرْتَنِي، وَفِيهِ اَنْشَأْتَنِي، وَمِنْ قَبْلِ ذلِكَ رَؤُفْتَ بِي بِجَمِيلِ صُنْعِكَ وَسَوَابِغِ نِعْمَتِكَ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأعراف:(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ).

أشار عليه السلام في هذه الكلمات المباركة من هذا الدعاء إلى عالم الذر، وأن البحث فيه ليس بالأمر الواجب معرفته والاعتقاد به إلا أن المفسرين في آراءهم المتعددة يعطون وجه القبول به وكلام الامام عليه السلام في الدعاء يشير اليه في وجوده، وفي الآية الكريمة توافق مع ما ورد في الروايات عنهم عليهم السلام بغض النظر عن اختلاف النظريات فيه.

عالم الذر هو عالم العهد والاستعداد والكفاءات وعهد الفطرة والتكوين والخلق، فعند الخروج من الأصلاب إلى الأرحام وهم نطف لا تعدو الذرات الصغار، وهبهم الله الاستعداد لتقبل الحقيقة التوحيدية وأودع ذلك السرَّ الإلهي في ذاتهم وفطرتهم بصورة إحساس داخلي.

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: كل مولود يولد على الفطرة.

أن عدم القدرة على تفهم أو تذكر ما حدث في عالم الذر سر من الله، وفي عدم قدرة الإنسان على تذكر ما جرى عليه في ذلك العالم لافتقاد العقل للمعلومات الكافية لذلك الحدث، فمن اعتقد به تسليماً للروايات الواردة وأوكل علم ما فيها إلى أهل البيت عليهم السلام اجزأه ذلك ، ومن شك في حدوثه بسبب تعذر فهمه أو بسبب ورود بعض الإشكالات كان معذوراً، فهو ليس من أصول الاعتقاد التي يجب العلم بها.

المحكم والمعروف عندنا أن الله لم يجر الأمر على البشر بالجبر والاكراه وإنما أقام الأمر على الوعي والاختيار، لأن حقيقة الإنسان التي خرج عليها في الدنيا هي ذاتها في عالم الذر، وبما أن طبيعة الإنسان واحدة سواء في الذر أو في الدنيا وأن عالم الذر لم يغير طبائع النفس والروح وإنما فقط تم فيه اشهاد الناس على ربهم.

روي عن عن ابن عباس , في قوله : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا } قال : مسح ربك ظهر آدم , فخرجت كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة بنعمان هذا الذي وراء عرفة , وأخذ ميثاقهم { ألست بربكم قالوا بلى شهدنا }.

وروي عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: ” حنفاء لله غير مشركين به ” وعن الحنيفية، فقال: هي الفطرة التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، قال: فطرهم الله على المعرفة.

قال زرارة: وسألته عن قول الله: ” وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ” الآية قال: أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذر فعرفهم وأراهم صنعه و لولا ذلك لم يعرف أحد ربه. وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل مولود يولد على الفطرة، يعني على المعرفة بأن الله عز وجل خالقه، فذلك قوله: ” ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله “.

معرفة الإنسان لحاله في الدنيا ومدى استجابته لنداء الفطرة ونداء الرسل عليهم السلام لا يختلف عن حاله في ذلك العالم من التخيير بين الايمان والكفر، وهذا من رأفة الله وجميل صنعه ونعمته على الخلق، كل خلاف يأتي فيه الفصل من كلام الحق.

روي عن الامام أمير المؤمنين عليه السلام من خطبة له قال: الحمد لله الذي توحد بصنع الأشياء، وفطر أجناس البرايا على غير أصل ولا مثال سبقه في إنشائها، ولا إعانة معين على ابتدائها، بل ابتدعها بلطف قدرته فامتثلت بمشيته  خاضعة ذليلة مستحدثة لأمره، الواحد الأحد الدائم بغير حد ولا أمد، ولا زوال ولا نفاد، وكذلك لم يزل ولا يزال، لا تغيره الأزمنة، ولا تحيط به الأمكنة، ولا تبلغ صفاته الألسنة، ولا تأخذه نوم ولا سنة لم تره العيون فتخبر عنه برؤية، ولم تهجم عليه العقول فتوهم كنه صفته، ولم تدر كيف هو إلا بما أخبر عن نفسه، ليس لقضائه مرد ولا لقوله مكذب، ابتدع الأشياء بغير تفكر ولا معين، ولا ظهير ولا وزير، فطرها بقدرته، وصيرها إلى مشيته، فصاغ أشباحها، وبرأ أرواحها، واستنبط أجناسها، خلقا مبروءا مذروءا في أقطار السماوات والأرضين، لم يأت بشئ على غير ما أراد أن يأتي عليه ليري عباده آيات جلاله و آلائه، فسبحانه لا إله إلا هو الواحد القهار، وصلى الله عليه محمد وآله وسلم تسليما.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان. 

 روي عن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام )قال: منا اثنا عشر مهدياً أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وآخرهم التاسع من ولدي ، وهو الإمام القائم بالحق ، يحيي الله به الأرض بعد موتها ، ويظهر به دين الحق على الدين كله ولو كره المشركون ، له غيبة يرتد فيها أقوام ويثبت فيها على الدين آخرون ، فيؤذون ويقال لهم : ( متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) أما ان الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم. 

وآخر دعوانا آن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *