الحلقة الاولى: شرح دعاء الافتتاح

بسم الله الرحمن الرحيم 

اللّٰهُمَّ إِنِّي أَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ وَأَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَنِّكَ ، وَأَيْقَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِي مَوْضِعِ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ ، وَأَشَدُّ الْمُعاقِبِينَ فِي مَوْضِعِ النَّكالِ وَالنَّقِمَةِ ، وَأَعْظَمُ الْمُتَجَبِّرِينَ فِي مَوْضِعِ الْكِبْرِياءِ وَالْعَظَمَةِ. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

قد تفضل الله علينا أن جعلنا من العائدين في هذا الشهر الفضيل لأداء فريضة العشق والتأسي والمواساة فیما بيننا ألا وهي الصيام، فأول التوكل نية صيامه لتكون أول نفحة من نفحاته المباركة، فأسأل الله أن يكون شهر رحمة وغفران وقبول الأعمال علينا وعليكم .

وقد وفقني الله بعد التوكل عليه، أن أحذو حذو علمائنا الأعلام مقتفيا آثارهم في شرح مضامين وطيات أدعية هذا الشهر الفضيل مما ورد عن الإمام الحجة عجل الله فرجه، ألا وهو دعاء الافتتاح، منه المنة وإليه الأمور فتقضى وعليه توكلت.

روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند رؤية هلال شهر رمضان قال: اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والعافية المجللة، والرزق الواسع، ودفع الأسقام اللهم ارزقنا صيامه، وقيامه وتلاوة القرآن فيه، اللهم سلمه لنا، وسلمنا فيه.

كما قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة البقرة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.

روي عنه عليه السلام في دعائه: اللّٰهُمَّ إِنِّي أَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ.

الدعاء الوارد عنهم عليهم السلام يكون دائما مقترنا بالثناء على الله والتمجيد والتحميد له عزوجل وقد حثوا شيعتهم على هكذا عمل في الدعاء أو الطلب أول التوسل.

قد روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال: إياكم إذا أراد أحدكم أن يسأل من ربه شيئا من حوائج الدنيا والآخرة حتى يبدأ بالثناء على الله عزوجل، والمدح له، والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم يسأل حوائجه.

فمعنى الثناء في اللغة أنك تعمد لشئ تثني عليه بحسن، والإمام الحجة عج يبدأ كما كل أئمتنا عليهم السلام بالثناء والحمد لله. 

إن البحث عن الفرق بين الثناء والحمد والمدح والشكر لله وكل مايرتبط في هذا البحث نتركه لأجل عدم الإطالة.

روي في حديث الأربعمائة عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: السؤال بعد المدح فامدحوا الله عزوجل ثم اسألوا الحوائج، أثنوا على الله عز و جل وامدحوه قبل طلب الحوائج ياصاحب الدعاء لا تسأل ما لا يحل ولايكون.

قال تعالى في سورة النمل: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ).

وقد وردت روايات كثيرة تحث على كثرة الثناء لله كما في خطب وأدعية أهل البيت عليهم السلام. 

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَأَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَنِّكَ.

الحاجة التي يسعى إليها العبد للوصول إلى ألطاف الله وتسديده إلى الصواب بمنه عز وجل 

على العبد ليرقى بشخصيته بجوارحه وأفعاله في طاعته ومعرفته طريق الحق فيتبعه.

روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ياعلي ثلاث فرحات للمؤمن لقي الإخوان والإفطار من صيام والتهجد في آخر الليل.

اذا ففرحة المؤمن في التسديد في أعماله كونه المنطلق وكوني الوجهة وسليم الفطرة وسديد المنطق، بإرشاد من تمسكه بهم عليهم السلام.

روي عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ليس عند أحد من الناس حق ولا صواب ولا أحد من الناس يقضي بقضاء حق إلا ما خرج منا أهل البيت وإذا تشعبت بهم الأمور كان الخطأ منهم والصواب من علي عليه السلام.

روي عنه عليه‌السلام في دعائه: وَأَيْقَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِي مَوْضِعِ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ .

اليقين بالله هو ما تعلمناه من مدرسة أهل البيت عليهم السلام حيث روي عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ اَلْإِسْلاَمُ دَرَجَةٌ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ وَ اَلْإِيمَانُ عَلَى اَلْإِسْلاَمِ دَرَجَةٌ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ وَ اَلتَّقْوَى عَلَى اَلْإِيمَانِ دَرَجَةٌ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ وَ اَلْيَقِينُ عَلَى اَلتَّقْوَى دَرَجَةٌ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَمَا أُوتِيَ اَلنَّاسُ أَقَلَّ مِنَ اَلْيَقِينِ وَ إِنَّمَا تَمَسَّكْتُمْ بِأَدْنَى اَلْإِسْلاَمِ فَإِيَّاكُمْ أَنْ يَنْفَلِتَ مِنْ أَيْدِيكُمْ .

وقال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة البقرة: ﴿ وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ﴾.

الرحمن الرحيم إسمان مشتقان من الرحمة،والرحمة في الأصل رقة في القلب تستلزم التفضل والإحسان و هذا جائز في حق العباد ، ولكنه محال في حق الله سبحانه وتعالى، والرحمة تستدعي مرحوما ولا مرحوم إلا محتاج.

روي عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام قال: ما ظنك بالرؤوف الرحيم الذي يتودد إلى من يؤذيه بأوليائه، فكيف بمن يؤذى فيه، وما ظنك بالتواب الرحيم الذي يتوب على من يعاديه، فكيف بمن يترضاه ويختار عداوة الخلق فيه.

روي عنه عليه‌السلام في دعائه: وَأَشَدُّ الْمُعاقِبِينَ فِي مَوْضِعِ النَّكالِ وَالنَّقِمَةِ.

كما أن الله هو أرحم الراحمين، كذلك هو أشد المعاقبين في نصرة أوليائه، كما ورد ذلك في القرآن الكريم مع الأمم السابقة.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة البقرة: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).

فقد تحدث القرآن عن الانبياء واقوامهم في سور القرآن الكريم في سبعة عشر سورة قرآنية وذكرهم في أربعمئة آية قرآنية يتحدث القرآن الكريم عن هؤلاء الأقوام في نمطين ، فإن أول نمط هو السرد الزمني للأحداث التاريخية التي مرت بها تلك الأمم.

اذكر بعضا منها:

قوم ثمود: هؤلاء القوم هم من بعث فيهم سيدنا صالح عليه السلام.

وذلك قوله تعالى في سورة الأعراف: فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ.

قوم عاد: كان من أشهر الأقوام التي ذكرت في القرآن الكريم قوم عاد ، هؤلاء القوم الذين عرفوا ببنيانهم القوي ، و قد بالغوا بإيذاء نبيهم الكريم هود عليه السلام،

 وذلك قوله تعالى في سورة الفجر:أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ.

معنى النقمة تستخدم دائما بمعنى الضرر والعقوبة على الأعمال السيئة،وقد تسمى النقمة بلاء.

روي من كلام أمير المؤمنين عليه السلام قال: وليس شئ أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم، فإن الله سميع دعوة المضطهدين (المظلومين)، وهو للظالمين بالمرصاد.

روي عنه عليه‌السلام في دعائه: وَأَعْظَمُ الْمُتَجَبِّرِينَ فِي مَوْضِعِ الْكِبْرِياءِ وَالْعَظَمَةِ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة  الحشر: { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.

الله سبحان وتعالى هو جبار الجبابرة وله الكبرياء والعظمة وحده، وقد ذكر سبحانه وتعالى في محكم كتابه عن قصة فرعون أنه علاّ في الأرض حتى وصل به الأمر أنه قال أنا ربكم الأعلى كما في سورة النازعات: {فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى}.

ونحن في هذا الأيام والليالي نرفع أكفنا بالدعاء لأعظم المتجبرين أن يكحل ناظرنا بنظرة منا إليه اللهم عجل لوليك الفرج، روي عنه عجل الله فرجه قال:لا ظُهورَ إلاّ بعد إذن الله تعالى ذِكرُهُ وذلك بعد طول الأمد وقسوةِ القلوب وامتلاء الأرضِ جَوْراَ.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *