شرح دعاء الافتتاح *الحلقة السادسة* 

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

اللّٰهُمَّ إِنَّ عَفْوَكَ عَنْ ذَنْبِي ، وَتَجاوُزَكَ عَنْ خَطِيئَتِي ، وَصَفْحَكَ عَنْ ظُلْمِي ، وَسَِتْرَكَ عَلَىٰ  قَبِيحِ عَمَلِي ، وَحِلْمَكَ عَنْ كَثِيرِ جُرْمِي عِنْدَ مَا كانَ مِنْ خَطَإي وَعَمْدِي أَطْمَعَنِي فِي أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَاأَسْتَوْجِبُهُ مِنْكَ الَّذِي رَزَقْتَنِي مِنْ رَحْمَتِكَ ، وَأَرَيْتَنِي مِنْ قُدْرَتِكَ ، وَعَرَّفْتَنِي مِنْ إِجابَتِكَ. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.  

روي عنه عليه السلام في دعائه: اللّٰهُمَّ إِنَّ عَفْوَكَ عَنْ ذَنْبِي ، وَتَجاوُزَكَ عَنْ خَطِيئَتِي ، وَصَفْحَكَ عَنْ ظُلْمِي

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة النور: {إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوٓءٍۢ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}.

العبد في هذه الأيام والليالي يطلب من الله العفو عن الذنوب التي أثقُلت ظهره، وهو في أفضل الشهور _شهر رمضان_ الذي أغلق الله فيه أبواب النيران وفتح فيه أبواب العفو والغفران.

روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم.

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: فمن لم يغفر له في شهر رمضان ففي أي شهر يغفر له؟!.

أولى أهل البيت عليهم السلام لشهر رمضان اهتماما كبيرا في أفعالهم وأحاديثهم وبينوا فضله ومنزلته.

روي عن الإمام الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: في أول ليلة من شهر رمضان يغل المردة من الشياطين، ويغفر في كل ليلة سبعين ألفا، فإذا كان في ليلة القدر غفر الله بمثل ما غفر في رجب وشعبان وشهر رمضان إلى ذلك اليوم إلا رجل بينه وبين أخيه شحناء، فيقول الله عز وجل: أنظروا هؤلاء حتى يصطلحوا.

العبد يطلبُ من الله أن يكون ممن تجاوز عن خطيئته، وصفحه عن الظلم الذي إوجده على نفسه من كثرة المعاصي وظلم إخوانه فيأمل من الله أن يخرج في هذا الشهر كيوم ولدته أمه. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة  الشورى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾. 

وروي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: يا جابر من دخل عليه شهر رمضان فصام نهاره وقام وردا من ليله وحفظ فرجه ولسانه وغض بصره وكف أذاه خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه، قال قلت جعلت فداك ما أحسن هذا من حديث؟ قال ما أشدها من شرط.

العبد السائلُ التائه في ظلمات الذنوب والخطايا والظلم، يبحث في هذا الشهر الفضيل عن كل عمل أو حسنة تقربه من الله لكي تثقل موازينه فيكون من الذين شملتهم نفحات الرحمن في شهر القرآن.

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أَرْبَعَةٌ لاَ تُرَدُّ لَهُمْ دَعْوَةٌ حَتَّى تُفَتَّحَ لَهُمْ أَبْوَابُ اَلسَّمَاءِ وَ تَصِيرَ إِلَى اَلْعَرْشِ دَعْوَةُ اَلْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَ اَلْمَظْلُومِ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ وَ اَلْمُعْتَمِرِ حَتَّى يَرْجِعَ وَ اَلصَّائِمِ حَتَّى يُفْطِرَ.

وروي عنه صلى الله علیه وآله قال: للصائم فرحتان، فرحة عند إفطاره وفرحة يوم يلقى ربه.

وروي عنه عليه السلام في دعائه: وَسَِتْرَكَ عَلَىٰ  قَبِيحِ عَمَلِي ، وَحِلْمَكَ عَنْ كَثِيرِ جُرْمِي عِنْدَ مَا كانَ مِنْ خَطَإي وَعَمْدِي.

كل قبح صادر من العبد من فعل أو جرم عمدا كان أو خطأ عن جهل منه يرّقُ العبد ويفزع إلى ستر الله، كي لا يفضحه بما كسب، فيعطف الله بحلمه الجميل لأنه العليم بما يخفي العبد في خلواته حين يظن خلو فعله من علم أحد به فيأتي التحذير من الله.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأحزاب: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا}.

وروي عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: إن ستر الله كأنه غفر.

ستر الله على قبيح عمل العبد له مقدمات يفعلها العبد كي يبقى مستتراً بستر الله عليه.

روي عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: فَكَيْفَ بِالْعَائِبِ الَّذِي عَابَ أَخَاهُ وَعَيَّرَهُ بِبَلْوَاهُ أَمَا ذَكَرَ مَوْضِعَ سَتْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِ مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي عَابَهُ بِهِ وَكَيْفَ يَذُمُّهُ بِذَنْبٍ قَدْ رَكِبَ مِثْلَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَكِبَ ذَلِكَ الذَّنْبَ بِعَيْنِهِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ فِيمَا سِوَاهُ مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ وَايْمُ اللَّهِ لَئِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَاهُ فِي الْكَبِيرِ وَعَصَاهُ فِي الصَّغِيرِ لَجَرَاءَتُهُ عَلَى عَيْبِ النَّاسِ أَكْبَرُ يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَعْجَلْ فِي عَيْبِ أَحَدٍ بِذَنْبِهِ فَلَعَلَّهُ مَغْفُورٌ

لَهُ وَلَا تَأْمَنْ عَلَى نَفْسِكَ صَغِيرَ مَعْصِيَةٍ فَلَعَلَّكَ مُعَذَّبٌ عَلَيْهِ فَلْيَكْفُفْ مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ عَيْبَ غَيْرِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَيْبِ نَفْسِهِ. 

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: من ستر على مؤمن عورة يخافها ستر الله عليه سبعين عورة من عورات الدنيا والآخرة. 

مما يوجب للعبد من رفع الستر وفضح خطأه وعظيم جرمه، فيبقى العبد تائها في الظلمات لا يعرف مخرجا.

روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما من عبد إلا وعليه أربعون جنة حتى يعمل أربعين كبيرة فإذا عمل أربعين كبيرة انكشفت عنه الجنن فيوحي الله إليهم أن استروا عبدي بأجنحتكم فتستره الملائكة بأجنحتها قال فما يدع شيئا من القبيح الا قارفه حتى يمتدح إلى الناس بفعله القبيح فيقول الملائكة يا رب هذا عبدك ما يدع شيئا إلا ركبه وانا لنستحيى مما يصنع فيوحي الله عز وجل إليهم أن ارفعوا أجنحتكم عنه فإذا فعل ذلك أخذ في بغضنا أهل البيت فعند ذلك ينهتك ستره في السماء وستره في الأرض فيقول الملائكة يا رب هذا عبدك قد بقي مهتوك الستر فيوحي الله عز وجل إليهم لو كانت لله فيه حاجة ما أمركم أن ترفعوا أجنحتكم عنه.

وروي عنه عليه السلام في دعائه: أَطْمَعَنِي فِي أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَاأَسْتَوْجِبُهُ مِنْكَ الَّذِي رَزَقْتَنِي مِنْ رَحْمَتِكَ ، وَأَرَيْتَنِي مِنْ قُدْرَتِكَ ، وَعَرَّفْتَنِي مِنْ إِجابَتِكَ. 

كل طمع مذموم إلا الطمع في الله فإنه ممدوح ويثاب عليه العبد، بما يسأل  ويطمع في كرم ورحمة وغفران الله.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة المائدة: {وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ}.

وعن الإمام زين العابدين (عليه السلام)  في الدعاء لله: إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت، وإذا رأيت عفوك طمعت.

أن المعرفة التي تحصل للعبد فيما هو فيه من الذنوب والخطايا التي احتطبها على ظهره، والأمور التي لا يستوجب هذا الرزق من الرحمة وهو مع مابه من آثام يحس برحمة الله عليه في نوائبه ومصائبه، ويلمسها من خلال استجابة استغاثته لله، فهذا شهر الرحمة وسرعة الإجابة المطلقة للعفو مما جنت أيدي المخطئ الذليل وتوفيق الله له أن بلغه هذا الشهر الفضيل لينال رحمة الله بأن يكون كما روي عن عبدالله بن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:

شهر رمضان ليس كالشهور لما تضاعف فيه من الأجور هو شهر الصيام وشهر القيام وشهر التوبة والاستغفار وشهر تلاوة القرآن هو شهر أبواب الجنان فيه مفتحة وأبواب النيران فيه مغلقة هو شهر يكتب فيه الآجال ويبث فيه الأرزاق وفيه ليلة فيها يفرق كل أمر حكيم ويكتب فيها وفد بيت الله الحرام تتنزل الملائكة والروح فيها عليه الصائمين والصائمات باذن ربهم في كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر إلى قابل فبادروا بالأعمال الصالحات الآن وباب التوبة مفتوح والدعاء مستجاب قبل : أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وأن كنت لمن الساخرين.

العبد يسأل الله بما فضله من الاجابة له وعرفه قدرته أن يكون من الذين قال عنهم في محكم كتابه العزيز في سورة الأحزاب: {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }. 

ونحن في هذا الشهر الفضيل عرفنا فضل الله وقدرته أن جعلنا من الذين يرفعون أكفهم بالدعاء بتعجيل فرج أمامنا المهدي المنتظر، 

في حديث عن الأصبغ بن نباتة قال :  أتيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فوجدته متفكراً ينكت في الأرض ، فقلت : يا أمير المؤمنين مالي أراك متفكراً تنكت الأرض أرغبت فيها؟ قال : لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قط ولكن فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي ، هو المهدي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، تكون له حيرة وغيبة ، يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *